لم يعد مقبولا التهاون في مسألة سلامة وجودة الغذاء المقدم للمصريين, أو بالأحري الغذاء المتداول في مصر. فقبل كل شيء هذه واحدة من أهم العوامل التي تحدد قدوم أو عدم مجئ السائحين إلي بلد ما وجميعنا مازال يعرف سمعة المياه المصرية. وكيف أن النصيحة الأولي للقادمين إلي البلاد هي عدم شرب المياه المصرية, وضرورة تناول المياه المعدنية. إلا أنه في ذات الوقت لانزال نتذكر كيف أن بعض السائحين الألمان سبق لهم أن تسمموا من الأكل, وكيف أن حملة شعواء منذ سنوات جرت ضد القدوم إلي مصر. هذه عينة من المشاكل التي سبق لنا التعرض لها, كما أنها عينة من مشاكل أكبر يمكن أن نواجهها في مصادر دخلنا من العملة الصعبة, وسمعة منتجاتنا الغذائية في الأسواق العالمية. إلا أن الخطير هو ماكشف عنه تقرير لمجموعة ماكرو عن خطورة مايتناوله المصريون كل يوم من الخضراوات والفواكه بأنواعها, وأوضح التقرير أن تحليل عينة من هذه المنتجات لفترات طويلة أظهر تلوثها الشديد سواء ماينتج منها في الأرض السوداء القديمة بالدلتا, أو الأرض المستصلحة في انحاء مصر. وكشف التقرير عن أمور خطيرة: أولها أن المزارعين المصريين يستخدمون كميات كبيرة من الأسمدة الكيماوية والعضوية تتخطي الحد الأقصي المتعارف عليه عالميا. ثانيا: يستخدمون مبيدات كيماوية لمقاومة الآفات تم حظرها عالميا. ثالثا: ري المحاصيل بمياه الصرف الصحي أو فضلاتها المجففة لتسميد الأراضي المستصلحة. رابعا: عدم التقيد بفترة المنع.. والتي يجب مرورها قبل حصاد المنتجات الزراعية وتسويقها, وهي فترة مقدسة حيث تنتهي سمية المبيدات خلالها, وتحدث للنباتات تنقية ذاتية فيها من الأسمدة والمواد الغريبة. وهذه تكشف غياب الوعي وتدني مستوي المزارعين, وجشع البعض منهم, وتنشر حالة من فقدان الثقة فيما يتناولة الناس من خضراوات وفواكه. هذا فضلا عن انتشار ظاهرة مصانع أغذية مجهولة تعرف بمصانع بئر السلم! وهذه الظواهر مجتمعة تكشف بجلاء أننا لم نأخذ قضية سلامة وجودة الغذاء بالجدية الكافية, ولا بالخطورة المناسبة لمثل هذه القضية التي تهدد سلامة وصحة ملايين المصريين. ولقد بات واضحا وضروريا أن تتقدم الحكومة بسرعة في تفعيل خطوة إنشاء كيان واحد مستقل ليراقب سلامة وجودة الغذاء, وهذه مسألة محسومة في الدول المتقدمة, إلا أن الأجهزة البيروقراطية المصرية التي تتبع الوزارات المختلفة لاتزال تتمسك بتوزيع دم الغذاء المصري بين16 جهازا مختلفا حتي تتوه المسئولية, ويظل الباب مفتوحا علي مصراعيه علي منافذ الفساد. وهو مارأيناه جميعا في مسألة القمح الفاسد وكيف أن البعض أجاز, والبعض الآخر لم يجز هذه الأقماح الفاسدة القادمة إلي البلاد! ويبقي أن مصر تتغير وتتقدم, كما أن وعي الناس بها يزداد, ورؤية الآخرين لها ولدورها تزداد أيضا الأمر الذي بات يفرض علي الحكومة أن تسرع الخطي في الضرب, بيد من حديد علي كل من يعبث بغذاء المواطنين. وقد حان الوقت فعلا ليري جهاز سلامة وجودة الغذاء النور بأسرع وقت ممكن والحكومة مطالبة بأن تبعث رسائل عملية لمواطنيها وللعالم الخارجي خلاصتها أن جودة الحياة علي رأس أولوياتها.