منذ40 سنة مضت, ظهر إلي العلن أعظم اختراع في تاريخ الانسانية. هذا الاختراع الذي لم ينته بعد من تغيير مسيرة حياتنا, بل مازال في أوائل تأثيره علينا, هو الانترنت! أتاح الانترنت مجالا واسعا للتواصل بين الشعوب والحضارات, إضافة إلي توفير المعلومات والمعرفة علي نطاق واسع للجميع دون قيود إلا أنه في هذا العالم الزاخر بالانفتاح علي المعلومات الثرية المتوافرة علي الانترنت, مازال حاجز اللغة يمثل عائقا كبيرا أمام عدد ضخم من مستخدمي الشبكة المعلوماتية, نظرا للمحتوي المتنوع الموجود عليها والذي يعد غير متساو من حيث اللغات مع غلبة واضحة للغة الانجليزية, خصوصا في المجالات العلمية مما يجعل الحصول علي المعلومات غير عادل بين الشعوب المختلفة. إن هذا يؤدي إلي حدوث مشكلات في نقل المعرفة بين الأمم, إذ أن البحث العلمي والمحتوي المعرفي يزيد حاليا زيادة مطردة, وبالتالي لا يمكن ترجمة كل ما تنتجه الانسانية, إضافة إلي كون الترجمة في حد ذاتها عملية صعبة تحتاج إلي الوقت والجهد والمال. والترجمة الآلية بالكمبيوتر وسيلة مناسبة لحل هذه المشكلة, وهناك عدد من البرامج التجارية المتاحة للترجمة بين اللغات الرئيسية في العالم. ولكن كثير من اللغات لا توجد لها برامج, كما أن أغلب البرامج التجارية تربط لغتين معا فقط. ولذلك, بادرت الأممالمتحدة بإيجاد طريقة أكثر فاعلية لكسر الحاجز اللغوي بين الشعوب تختلف عن برامج الترجمة الآلية التقليدية, فأسفرت تلك الطريقة عن إنشاء لغة صناعية للحاسب الآلي يمكن من خلالها التمثيل المعرفي للمعلومات المكتوبة بلغة الانسان بشكل يمكن للحاسب الآلي فهمه وتداوله عبر شبكة الانترنت, فكانت تلك اللغة هي لغة التواصل العالميةUniversalNetworkingLonguagerunc' تعمل لغة التواصل العالمية علي نقل المحتوي المصرفي المكتوب بلغة طبيعية ما إلي تمثيل وسيط في شكل شبكات دلاليه بواسطة برنامج للترميز الآلي(UNLDecoder) ثم بعد ذلك يمكن توليد نص مكتوب بأي لغة طبيعية أخري من تل التمثيل الوسيط بواسطة برنامج للتوليد الآلي(UNLDecoder) وهكذا يمكن للغة التواصل العالمية أن تعمل كوسيط بين جميع اللغات الطبيعية لتقدم المعلومات المطلوبة للشخص الذي يبحث عنها بلغته الأم, مما سيكون البنية التحتية للغات المختلفة ليتم استخدامها في توزيع, واستقبال, وفهم المعلومات متعددة اللغات. لتحقيق ذلك, تم إنشاء شبكة عالمية من فرق بحث وتطوير, يعمل بها متخصصون في علم الكمبيوتر لتطوير البرامج الخاصة بالنظام, ولغويون لتكوين المصادر اللغوية ودمجها مع نظام لغة التواصل العالمية. تعمل أيضا مجموعات مختلفة من إدارات الجامعات والمراكز البحثية حول العالم تحت مظلة مؤسسة لغة التواصل العالمية الرقمية لتطوير نظام لغة التواصل العالمية تبعا للغتهم الأم. وفي هذا الاطار, تستضيف مكتبة الاسكندرية مركز لغة التواصل العالمية الخاص باللغة العربية والتابع لمعهد الدراسات المعلوماتية. يعمل في هذا المركز فريق عمل صغير العدد من المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات( حوالي أربعة أفراد يعملون كامل الوقت) وفريق عمل متخصص من اللغويين الحاسوبيين(ComputationalLinguists) حوالي14 باحثا من الشباب), إلا أن ما أنجزناه خلال السنوات الثلاث الماضية يعد إنجازا كبيرا نفخر به جميعا. ولكي يتسني لنا بناء المكونات الآلية اللازمة للغة العربية لتعمل وفق هذا النظام, تم بناء مدونة لغوية عربية عالمية(ICA)InternationalCorpusofArabic لنتمكن من معرفة الاستخدام اللغوي المعاصر للغة العربية كما تستخدم في البلدان العربية, حيث تعرف كل كلمة ب16 بعد الغويا, تستخدم في بناء القواميس والمحللات والمولدات الآلية للغة العربية. تحتوي تلك المدونة العربية إلي الآن علي60 مليون كلمة تم جمعها من جميع مجالات ومصادر استخدام اللغة العربية لتكون بذلك أول مدونة لغوية عربية بتلك المواصفات تخدم البحث اللغوي العربي. وللمقارنة باللغة الانجليزية, تحتوي المدونة البريطانيةBritishNationalCorpus(BNC) مثلا علي100 مليون كلمة. كما تم بناء معجم عربي يتكون حاليا من140 ألف مدخل قاموسي تمثل80 ألف مفهوم ليتم إدراجها تحت نظام لغة التواصل العالمية العربي. ولقد تفوقنا في كم الانجازات وجودتها علي الأطراف الدولية المشاركة في مشروعUNL باعترافهم جميعا. كما أن ما حققناه يعد سبقا هائلا في المعالجة الآلية للغات الطبيعية مع الأخذ في الاعتبار القدرة التصريفية والاشتقاقية العالية للغة العربية. ولا يزال العمل مستمرا لزيادة حجم هذا الأساس من المفاهيم والكلمات العربية وتطويرها. بدأت النتائج الأولي لهذه الأعمال تأتي بثمارها في شكل ملموس لأول مرة, وتمكنا من ترجمة صفحات كثيرة من موسوعة اليونسكو لنظم دعم الحياة((EncyclopediaofLifeEOLSSSupportsystems من الانجليزية إلي العربية باستخدام اللغة الوسيطةUNL. والآن أمامنا أعباء كثيرة: منها زيادة حجم المدونة اللغوية العربيةICA إلي100 مليون كلمة, وتوسيع المعجم العربي للغة الوسيطة إلي حوالي200000 مدخل قاموسي و120000 مفهوم, وتحسين أداء القواعد اللغوية الآلية الخاصة بعمليتي تحويل النص العربي إلي لغة التواصل العالمية وأيضا توليد نص عربي من لغة التواصل العالمية التي تدخل في عملية الترجمة. وأظن أنه من الممكن أن نجد في خلال خمس سنوات برامج ذات درجة عالية من الكفاءة لترجمة المواد العلمية إلي العربية بصورة شبه فورية. أما الأدب والشعر وغير ذلك من الانتاج اللغوي فأظنه أكثر صعوبة لما فيه من كناية واستعارة واستهزاء وتشبيه وكلها أمور مازال وسيزال لفترة طويلة الانسان أقدر علي التعامل معها من الآلة. ولكن للآلة دورها في ترجمة النصوص العلمية والتقنية التي تتسم بالدقة والوضوح والمنطق, وفي هذا دعم للمحتوي العربي علي شبكة الانترنت, ودعم للثقافة العربية بانفتاحها علي الناتج الفكري العلمي في هذه الثورة المعرفية العلمية التي نعيشها.