لا أنسي أثناء طفولتي أنني كنت أقلد أفراد أسرتي فأمنع نفسي عن الطعام والشراب حتي أشعر بأنني مثلهم. وظللت أصوم طاعة لله وامتثالا لأوامره سبحانه وتعالي, وكانت سعادتي تصل إلي ذروتها كلما استطعت اكمال صيامي حتي آذان المغرب. هكذا تحدثت د. فوزية عبدالستار رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا واستكملت ذكرياتها مع شهر رمضان قائلة: كانت أجمل لحظات حياتي هي لعبي مع صديقاتي من أطفال الجيران وكانت كل واحدة منا تحمل فانوسها الجميل وتضيئه بالشمعة الصغيرة وكنا نردد أغنية وحوي يا وحوي أما أفضل وجبة عندي فكانت الملوخية التي تعدها والدتي رحمها الله. وفي مرحلة الشباب كان شهر رمضان يمثل لي فرصة أكبر للطاعة وتأدية الفرائض فهو شهر العبادة وسمو النفس والتقرب إلي الخالق سبحانه بالصلاة والذكر وقراءة القرآن الكريم. وأحيانا كان يأتي شهر رمضان في شهري مايو ويونيو اللذين نؤدي فيهما الامتحانات أو نستعد لها بالمراجعة المكثفة فكنت أشعر مع الصيام بصفاء ذهني يساعدني علي مزيد من المذاكرة والاستيعاب. ولا أنسي أبدا صوت المسحراتي ودقات طبلته التي توقظنا لتناول وجبة السحور, ومناداته لكل أفراد الأسرة بأسمائهم مهما كانت أعمارهم, ولازال صوته يتردد حتي الآن في أذني وهو يقول اصح يا نايم وحد الدايم!!. أيضا كان جيراننا من الاخوة المسيحيين يحرصون علي عدم تناول المياه أو الطعام أو حتي تدخين سيجارة في نهار رمضان أمام أخوانهم المسلمين, بل كانوا يحرصون أيضا علي فتح الراديو يوميا قبل أذان المغرب للاستماع إلي القرآن الكريم قبل انطلاق مدفع الافطار, فهذه هي النسخة الشعبية من الوحدة الوطنية التي لا نسمح لأحد بأن يزايد عليها. والآن أشعر بأن هذا الشهر الفضيل هو شهر الخير والعبادة والرحمة والمغفرة ولكن الفوانيس لم تعد كما كانت وحلت محلها فوانيس مستوردة تفتقد إلي روح الأصالة وجاءت الفضائيات لتلهي الناس عن التأمل والتعبد فتابعوا المسلسلات وتكاسلوا عن العبادات وانتشرت بدعة السرادقات في النوادي لقضاء السهرات.. فما أتمناه هو أن تعود لهذا الشهر الكريم قدسيته وأن تبث الفضائيات روح الطهر والسمو والنقاء وأن نعرض نماذج المثل العليا التي يزخر بها تاريخنا الإسلامي.