شعرت بنفحات إلهية تقترب من روحي كلما سارعت الأيام بخطوها نحو شهر الصيام الكريم ، ولم تعد تسعفني صحتي علي صيام التطوع كما كنت أفعل وأنا شاب فقد أمضيت أغلب سنوات سجني وأنا أصوم يوما وأفطر يوما . وعبادة الصيام من العبادات المحببة إلي نفسي جدا ، فكل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو تلك العبادة التي هي سر بين الحق والخلق ، ويحتاج الإنسان الذي يعيش في العالم المعاصر الذي يعتمد الأثرة والأنانية والعدوان إلي الصيام فإن سابك أحد أو شتمك فقل له إني صائم ، مستوي التلاسن الحاد الذي نراه في الشارع والذي نراه علي صفحات الإنترنت الإليكترونية والذي قد يصل إلي مستويات غير مسئولة يحتاج إلي عالم الصوم . الصوم يشعر الإنسان بتعود الكف والمنع وهي قدرة تعلم الإنسان الصبر علي الأذي والقدرة علي الرد ولكن الصوم يعلم الإنسان الحكمة . الحكمة هنا هي وضع الشئ في مكانه وفي موضعه الصحيح ، وليس صحيحا أن ترد علي من يسئ إليك وخاصة إذا كان جاهلا سفيها وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . والصوم يعلم الإنسان التسامح فأنت تتسامح مع من يسئ إليك مع القدرة علي أن لا تسامحه ، هنا تدريب الصيام للنفس بالكف والمنع . والمعني الجوهري للصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب من أول آذان الفجر وحتي آذان المغرب ولكن المعني الكامن وراء المنع هو التعلم علي الضبط والربط في الجوانب الأخلاقية والتربوية " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " أي أن التزكية والنتيجة التي تأتي من الامتناع عن الطعام والشراب هي تربية النفس وتهذيبها وتأديبها . وهنا فأنا أدعو المسلمين جميعا في مصر أن يقاطعوا هذا السيل الجارف من العذاب الذي يصبه عليهم شياطين الإنس والجن من الممثلين والممثلات والذين قدموا أجسادهم العارية وسوءاتهم الظاهرة والباطنة لتعرض علي الناس وهم صائمون .. ألا يرجون لله وقارا ؟؟ كما أدعو التجمعات الإليكترونية إلي أن تكثف جهودها قبل رمضان لدعوة الناس إلي الصيام فعلا عن السفالات القبيحة التي تفنن فيها هؤلاء المتبجحون من الممثلين ومن أنتج تلك المسلسلات وأنفق عليها الأموال ومن بذل جهدها في ذلك العبث ليضيع علي الناس معني الصوم والشهر الفضيل . رمضان شهر التجمع علي الطاعات وليس التجمع علي المعاصي وليس مشاهدة صور السوء التي تبثها القنوات التلفزيونية علي الناس لتشغلهم عن طاعة الله ، الصيام ليس معناه أن تصلي القيام وتصوم اليوم كله ثم تعود بسرعة لتسرع إلي الريموت وتجري وراء المسلسلات التي قالت بعض المصادر أنها تبلغ المئين . الإعلانات التي تأتي عن تلك المسلسلات هي تعبير عن الوحوش وسطوة النساء وأوهام لا تعبر عن حقيقة عالم المصريين أو العرب أو حتي الإنسان ، إنهم يعرضون علينا بلا حياء أسوأ ما لديهم دون خجل أو حياء . لو كانت لدينا في مصر أجهزة رقابة حقيقية لأوقفت ذلك السيل الجارف من التفاهات التي لو تعرض لها عقل أي طفل أو امرأة أو شاب يافع في أية أمة لضل واهتزت أمامه القيم والمعايير ، نعم نحن في عالم مفتوح ويمكن للإنسان أن يدخل إلي تلك العوالم التي فيها كل شئ ، ولكن الصيام بتعميق معني الامتناع يبني في الإنسان ضميره الداخلي وقوته الذاتيه ومسئوليته التي استحق بها أن يكون خليفة عن الله في الأرض ، فكما أن الإنسان في الصيام أمامه كل أنواع الطعام وهي مفتوحة ولكنه ينصرف عنها ويزهد فيها جميعها وقد يعجبه بعضها أو شئ منه ولكن أدب الصيام يجعله يسمو ويستعلي ، هنا استعلاء الإيمان . كذلك استعلاء الإنسان المسلم علي التفاهات والصغائر ، واستعلاء الإنسان المسلم عن إضاعة الوقت والجري وراء الصور السيئة المحرمة التي تورثه عذابا وألما وتشتتا . للدولة مسئوليتها في حماية أبنائها وللدعاة مسئوليتهم في التنبيه وللأزهر دوره وللكتاب والمثقفين ولحركات العفة والطهارة دورها ، بيد إن الصيام تلك العلاقة السرية الخفية بين العبد وربه تعني أيضا مسئولية الإنسان الداخلية والذاتيه والخفية في علاقته بالكون والناس والعالم كله الأفكار والأشخاص والأشياء . انهارت الدول وضعفت المؤسسات وعتت العولمة وموجات الإباحية والإلحاد والتمرد والعصيان وصرخ صارخ الشيطان ولكن يبقي الإنسان ومسئوليته واختبار الله في تحميله الأمانة " إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " الصيام هو مسئولية وعلاقة بين النفس والعقل والروح وهو قدرة علي اتخاذ قرار نحو المعصية بتركها وكراهيتها ومفارقتها ، أن ندع مشاهدة المسلسلات فتلك علامة علي نية صادقة لصيام مقبول ... تقبل الله منا جميعا