المعاينة الأولية لحريق كنيسة العذراء بإسنا في الأقصر: ماس كهربائي وراء الحادث    البابا تواضروس الثاني يعيّن الأنبا ريويس أسقفًا عامًا لإيبارشية ملبورن    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    قرار تاريخي.. فلسطين عضو مراقب في المنظمة الدولية| أبرز حصاد «العمل»    تعرف على الإجازات الرسمية المتبقية فى مصر حتى نهاية عام 2025    مرسال: اتحاد العمال يرسخ مكانته الدولية في مؤتمر جنيف| خاص    ذبح 20 ألف أضحية بالمجازر الحكومية خلال أول يومين لعيد الأضحى المبارك    محافظ الدقهلية يتابع أعمال التصدي لمخالفات البناء بمراكز ومدن المحافظة    تعرف على أسعار الحديد مساء ثاني أيام عيد الأضحى    ذبح 35 رأس ماشية وتوزيع لحومها على الأسر الأولى بالرعاية في سوهاج    وزارة النقل: الأتوبيس الترددى يعمل طوال أيام العيد فى هذه المواعيد    المالية: صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو المقبل    الصناعة: حجز 1800 قطعة أرض في 20 محافظة إلكترونيا متاح حتى منتصف يونيو    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة منذ فجر اليوم إلى 56 شهيدا    مصر وقبرص يتفقان على استمرار التنسيق للحد من التوترات في المنطقة لدعم الأمن والاستقرار    وزير الخارجية: مصر حريصة على تقديم الدعم لنيجيريا لمكافحة التطرف من خلال الأزهر    زلزال جديد في اليونان منذ قليل بقوة 5.2    موسكو تتهم كييف بتأجيل تبادل السجناء    اعتراض دورية ل "اليونيفيل" في جنوب لبنان    إمام عاشور: متحمس للمشاركة في كأس العالم للأندية ومستعد لمواجهة ميسي    40 مليون من أجل زيزو في 24 ساعة.. كيف صنع الأهلي الرقم الصعب في 110 ثانية؟    اتحاد تنس الطاولة يناقش مستقبل اللعبة مع مدربي الأندية    رونالدو: الحقيقة أنني لن أتواجد في كأس العالم للأندية    ضبط 156 شيكارة دقيق بلدي مدعم وتحرير 311 مخالفة فى الدقهلية    ننشر قرار النيابة في واقعة مقتل سيدة على يد ابن شقيقها وأصدقائه بالدقهلية    نتيجة الصف السادس الابتدائي 2025 بالاسم ورقم الجلوس    الأحوال المدنية: استمرار عمل القوافل الخدمية المتنقلة بالمحافظات| صور    لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات    على الحجار يطلق حفلا جديدا بساقية الصاوي، وهذه أسعار التذاكر وشروط الدخول    امرأة مُقيدة.. مها الصغير تكشف عن موهبتها بالرسم وتعرض لوحاتها    بشرى تتألق بإطلالة صيفية أنيقة في أحدث جلسة تصوير لها| صور    سفير مصر الأسبق في إسرائيل: الاحتلال يدمر البنية التحتية لغزة    رسميًا.. غلق المتحف المصري الكبير في هذا الموعد استعدادًا للافتتاح الرسمي    محمد سلماوي: صومعتي تمنحني هدوءا يساعدني على الكتابة    «الفيروس لم يختفِ».. الصحة العالمية تحذر: كوفيد 19 يعود بمتحور جديد    8 مشروبات تساعد على هضم اللحوم، خلال أيام عيد الأضحى    البحيرة.. عيادة متنقلة أمام النادي الاجتماعي بدمنهور لتقديم خدماتها المجانية خلال العيد    رئيس جامعة المنوفية: معهد الكبد القومي يخدم أهالي المحافظة والدول العربية    عميد طب كفر الشيخ يتفقد أداء المستشفيات الجامعية خلال إجازة العيد    قاوم اللصوص فطعنه أحدهم.. تفاصيل مقتل موظف أمن في 15 مايو    شهباز شريف: باكستان تسعى دائما إلى الحفاظ على السلام والأمن في المنطقة    لليوم الثانى على التوالى.. تواصل عمليات ذبح أضاحى الأوقاف بإشراف بيطرى متخصص    الداخلية ترسم البهجة فى العيد.. رعاية شاملة للأيتام فى مشهد إنسانى مؤثر.. احتفالات وعروض وإنقاذ نهرى.. اشترت ملابس العيد وقدمت الهدايا للأطفال.. وتنفذ برامج المسئولية المجتمعية لتعزيز قيم الانتماء الوطنى.. صور    إصابة 8 أشخاص نتيجة انقلاب «ميكروباص» بطريق أسيوط- الفيوم الغربي    وزير الري يتابع الموقف المائي خلال إجازة عيد الأضحى    عواد: أنا وصبحي نخدم الزمالك.. وسيناريو ركلات الترجيح كان متفقا عليه    العيد أحلى بمراكز الشباب.. فعاليات احتفالية في ثاني أيام عيد الأضحى بالشرقية    السيسي يقود أحدث إنجازات الدولة في تطوير التعليم الجامعي    الصين: تقدم كبير في مباحثات السيارات الكهربائية مع الاتحاد الأوروبي    دعاء يوم القر مستجاب للرزق والإنجاب والزواج.. ردده الآن    دار الإفتاء تكشف آخر موعد يجوز فيه ذبح الأضاحي    الأزهر للفتوى يوضح أعمال يوم الحادي عشر من ذي الحجة.. أول أيام التشريق    الطبطبة على الذات.. فن ترميم النفس بوعى    محمد الشناوي: كنا نتمنى حصد دوري أبطال إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيمنا وقيمهم‏..‏

لم أكن أتوقع هذا الرأي الحاسم في موضوع من أكثر الموضوعات خلافا علي الإطلاق‏,‏ من سيدة جاءتني غاضبة من قرار ابنتها لبس النقاب‏,‏ وعدم الخروج من البيت‏,‏ والذي تبنته هذه الابنة استجابة لرأي أحد شيوخ القنوات الفضائية‏,‏ لأنه يري أن خروج المرأة غير مستحب‏,‏ وعندما أجبتها أن هذا تيار ديني منتشر في المجتمع‏,‏ وأنها حرية شخصية‏,‏ ويجب عليها أن تأخذ الموضوع بهدوء‏,‏ أنفجرت قائلة‏:‏ إحنا طول عمرنا بنشتغل في الأرض مع أهالينا وجوازنا‏,‏ ولا حد قال عيب ولا حرام‏..‏
يعني لما بناتي يقعدوا في البيت مين يساعدنا في زراعة الفدادين‏..‏ثم استمرت تشرح الاعمال التي تقوم بها‏,‏ كيف أن الزراعة‏,‏ وطبيعة الحياة في الريف تحتم عليها الخروج الي الحقل يوميا لمساعدة زوجها‏,‏ وان البنات يشاركن معهم في كثير من الأعمال‏:‏ في جمع المحصول‏,‏ وزراعته‏..‏ ثم سألتني في حسم قائلة‏:‏ ينفع بقي نلبس النقاب ونقعد في البيت؟‏!..‏
وعندما أجبتها أن هناك الكثيرات من المنقبات يعملن‏,‏ نظرت الي في تعجب متسائلة‏:‏ في الزراعة؟‏...‏ مشيرة الي اختلاف طبيعة العمل في الحقل‏(‏ تحت الشمس‏,‏ ووسط المياه‏,‏ كما في زراعة الأرز‏)‏ الذي يصعب معه ارتداء النقاب‏,‏ انهت كلامها بشكل حاسم قائلة‏:‏ إحنا فلاحين وده ما ينفعناش‏.‏ احنا ناس شقيانه‏,‏ والكلام ده للناس الفاضية‏..‏ وربنا ما يرضاش بكده‏..‏ ويبدو أنها كانت تتوقع مني المساندة منذ البداية‏,‏ دون الدخول في هذا الجدل‏..‏ لذا تركتني‏,‏ وذهبت غاضبة‏,‏ متعجبة من جهلي بطبيعة الحياة في القرية‏,‏ رغم انتمائي لها‏..‏ وربما تساءلت‏:‏ كيف تم إسقاطهم من الحسبان في هذا اللغط الدائر‏..‏ علي الرغم من بساطة المنطق الذي تحدثت به‏,‏ إلا أنه يشير الي قضية مهمة‏,‏ وهي الصراعات الفكرية التي يموج بها المجتمع المصري‏,‏ أخيرا‏,‏ والتي تبدو في ظاهرها إنها خلافات دينية دون وعي من الكثيرين‏,‏ وهي في الحقيقة ترجع الي الاختلاف القيمي بين المجتمعات‏,‏ فمن المعروف أن لكل مجتمع قيمه التي تنبع من بيئته الطبيعية‏..‏
يأخذنا هذا الي مفهوم القيم‏,‏ وهو من المفاهيم الأكثر تداولا والأقل فهما لدي الكثير‏,‏ فالقيم تعرف بأنها تصورات ومفاهيم تميز الفرد أو الجماعة وتحدد ما هو مرغوب وغير مرغوب فيه اجتماعيا‏,‏ والقيم ليست من صنع فرد‏,‏ وليس من صنع الفلاسفة‏,‏ بل هي وليدة المجتمع الذي يمثل المصدر الرئيسي للقيم والأخلاق‏,‏ فلقد صنع الانسان قيمه متأثرا ببيئته الطبيعية التي يعيش فيها والتي أثرت بالتبعية علي طبيعته البشرية‏,‏ فالقيم أوجدتها الجماعات كي تحمي وجودها‏,‏ هذا يعني انه لا توجد قيم مطبقة بأن تختلف باختلاف المجتمع الذي تنتمي إليه‏,‏ وهذا يعني أيضا أن القيم غير قابلة للنقل من مجتمع الي مجتمع‏,‏ وتوجد جماعات لديها قيم قد تبدو سامية وبراقة ولكنها تتناسب ظروف هذه الجماعات كما أن هناك فيما قد تبدو سامية وبراقة لكنها لاتتلاءم مع كثير من الجماعات بل إن نشرها قد يؤدي الي فساد المجتمع‏.‏
ومن القيم تخرج العادات والتقاليد التي تميز مجتمعا عن آخر‏,‏ ومع أن القيم متغيرة إلا أن هناك قيما تتميز بالثبات علي مر العصور ويرجع ذلك لأهميتها في الحفاظ علي وحدة وبقاء هذه الجماعات من أهمها القيم المرتبطة بالبيئة الطبيعية للمجتمع‏,‏ والتي عرضتها السيدة ببساطة شديدة‏,‏ فطبيعة البيئة تفرض علي الجماعات توجهاتها القيمية وأسلوب حياتها‏,‏ والعادات والتقاليد‏.‏
ويتعلق بهذا الموضوع قضية أخري تتمثل في الخلاف القائم بين بعض فئات المجتمع حول الانتماء هل للجماعة أم للأرض؟ والانتماء قيمة تختلف من مجتمع الي آخر‏,‏ فالانتماء في البيئة الصحراوية ومناطق الحدود بين الدول أو حتي في المناطق الزراعية وسط افريقيا التي تعتمد علي التنقل‏,‏ حيث الترحال الدائم والبيئة القاسية وعدم الاستقرار نجد أن هذه الظروف الطبيعية تؤدي بالضرورة إلي أن يكون الانتماء للجماعة وليس للأرض‏,‏ فالأرض هنا لا تعني شيئا فهي متغيرة أو قاسية غير مستقرة وبقاؤهم يعتمد علي مدي ترابطهم في شكل قبائل‏.‏
وتعمل هذه الجماعات علي تقوية الروابط بينها بحيث تتحول الي رابطة الدم من خلال التزاوج بين أفراد القبيلة‏,‏ وتفرض علي أفرادها قوانين صارمة لضمان وحدتها‏.‏ أما تلك الجماعات التي تنتمي لبيئة طبيعية زراعية خاصة التي توجد بجوار الأنهار والتي تتميز بالاستقرار سواء كان في الطبيعة أن الجماعات التي تسكنها‏,‏ نجد أن الانتماء للأرض‏,‏ فالأرض هي الأساس وهي التي تجمع الأفراد وتساعدهم علي البقاء‏,‏ ومن هنا كان الانتماء للأرض وكل من عليها بصرف النظر عن رابطة الدم أو النسب أو الدين‏,‏ بل الترابط بين أفراد الجماعة يأتي من منطلق وحدة الارض التي يعيشون عليها والتي تؤدي الي بقاء هذه الجماعات متكافئة للدفاع عنها عند تعرضها للتهديد سواء كان هذا التهديد من الطبيعة أو من البشر‏...‏ وهذا يختلف عن منطق الانتماء السابق الذي يري أن الوحدة‏,‏ والتكاتف لا يظهران إلا عند حدوث تهديد للجماعة‏,‏ لذلك نجد أن هذا المفهوم الذي تروج له بعض الجماعات الأصولية‏,‏ وتصبغه بصبغة دينية ناتج من قيم لا تتفق وطبيعة مجتمعنا‏..‏ فمصر من المجتمعات الزراعية التي ترتفع فيها قيمة الانتماء للوطن فوق كل القيم‏,‏ إننا نعرف أن هناك قيما قابلة للتغيير‏,‏ بل إن تغيير بعض القيم أمر ضروري للتطور لمجتمعات‏,‏ علي أن ينبع هذا التغيير من الداخل‏..‏ ولكن يجب أن نعلم أن هناك ثوابت لابد من التمسك بها لأن التفريط فيها قد يؤدي الي الإنهيار‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.