تتباين بشدة مواقف الناس من استقبال العام الجديد, فنجد البعض يستقبلونه بتثاقل نفسي مع وميض باهت من الأمل بأن يكون أفضل مما سبقه, والاكتفاء بالدعاء بأن يكفينا الخالق شره, وتعمد تناسي أن الدعاء وحده برغم أهميته بالطبع لن يدفع الشر. ويتجه آخرون إلي التعامل معه بلا مبالاة وكأن العمر الذي يمر يخص غيرهم وكأنهم يمتلكون ثروات أغلي من أيام العمر وثوانيها وليس سنواته, ولسان حال الواحد منهم, لنمضي في حياتنا حتي ينقضي العمر, وكأن لهم فرصا اخري في حياة أخري, ويغلفون ذلك بالرضا المزيف والذي يفتضح زيفه في المرارة التي تعلن عن نفسها بصورة فاضحة في ملامح الوجه ونبرات الصوت وانكسار الأعين, ويتناسون الحقيقة المؤكدة: أنت حيث تضع نفسك... وكما نعتقد نكون... ونتوقف عند من يقومون بتجميع كل إحباطاتهم السابقة وهزائمهم, ولاتوجد حياة بلا هزائم بالطبع, ويبادرون بشحن أنفسهم بطاقات هائلة من الحماسة والأمل الزائد بأن العام الجديد سيخلصهم من الألم السابق, ويعوضهم بانتصارات رائعة تذيب المرارات وتجعلهم يغرقون في الاحتفالات التي لن تنتهي... ويتناسون أن إحباطات وهزائم الماضي تعد كنزا رائعا يتغافل عنه معظمنا, فإذا تعلمنا من هزائمنا تمكنا من حماية أنفسنا من تكرارها, واكتسبنا خبرات إنسانية تساعدنا نحن ومن نحب علي تجنب العثرات, أو عدم إطالة الوقوف عندها والمسارعة بالنهوض, فإطالة المكوث في وضع الهزيمة تسرق العزيمة وتحرضنا علي التباكي علي النفس والرثاء للذات وتسول تعاطف الآخرين وكل ما يساعدنا علي اغتيال حقوقنا المشروعة في الفوز بأفضل حاضر ممكن لنسعد به ولنرتوي إنسانيا وليتضاعف حبنا واحترامنا لأنفسنا فهما الوقود الحقيقي للانتصارات غير الزائفة في الحياة ولتزايد فرصنا في الفوز بمستقبل أفضل لنا ولكل من نحب... ولنتمهل عند الحماس الزائد, فهو خطر يتناساه الكثيرون, لأنه يمني النفس بانتصارات سريعة وسهلة والمؤكد أنه لايوجد تغير للأفضل يتم بسرعة ولا بسهولة, لأن النفس البشرية تميل عادة إلي العودة إلي ما اعتادته, ليس لأنه الأفضل لها أو الأكثر إمتاعا, ولكن لأنه يدخل في دائرة الارتياح لما نعتاده, ولعل هذا يفسر نكوص الكثيرين عن الرشاقة بعد رحلة طويلة من الرجيم, أو العودة لعلاقة عاطفية فاشلة, أو التراجع عن تحقيق أحلامهم في التفوق المهني أو الانساني... فالحماس الزائد أشبه بقرص الفوار الذي يعطي إحساسا قويا بالفوران ثم يتلاشي سريعا... لذا فإن من يريد النهوض بحياته ويريد الاستفادة من بداية العام الجديد, فعليه ان يراقب حماسه ليجعله يتزايد بلطف وبوعي ولا يسمح بأي تناقص منه, مع تجنب امتصاص سموم من اختاروا العيش علي هامش الحياة وتخصصوا في إجهاض حماس من يريد احترام عمره, وليتوقف عن إضاعة أي ثانية من عمره في محاولة الدفاع عن حقه المشروع في النجاح في الحياة, أو انتشالهم من الاستسلام لليأس لأنهم لن يتركوه إلا بعد استنزاف طاقاته كاملة... ولنتمهل عند ضرورة توخي الواقعية الذكية وليست السلبية عند كتابة الأهداف في العام الجديد وأن تشمل تحسين كافة جوانب الحياة, مع التحلي بالمرونة الواعية وعدم خداع النفس بتأجيل التنفيذ وأيضا عدم ارهاقها بما يفوق طاقاتها الحقيقية حيت لاتسقط تحت وطأة الضغوط مما يفسح المجال للاحباط اللعين بالتسلل لافساد الحاضر والمستقبل وليتحول صاحب الخطط غير الواقعية إلي قنبلة متحركة تنشر اليأس بين الآخرين... مع ضرورة الوقوف مع النفس في جلسة ودية كل أسبوع لرؤية ماتحقق للاحتفال به دون مبالغة حتي لايتسرب الشعور بالاكتفاء الكاذب وأيضا دون انتقاص من الانجاز حتي لايتسلل الاحساس بالعجز والضآلة فيلتهم احترام النفس او الثقة بقدراتها بل وبأحقيتها في الفوز بما هو أفضل... أما عند اكتشاف تأخر في الخطة الموضوعة فلا مفر من البحث بأمانة عن أسباب الفشل المؤقت لعلاجه أولا بأول وعدم خداع النفس بأن ماحدث كان خارجا عن الارادة, فلا يليق ان نتعامل مع أنفسنا وكأننا أشياء يتم تحريكها من قبل الآخرين, مع ضرورة عدم القسوة علي النفس عند الخطأ, أو هزيمتها بتبريره بصورة غير أمينة, والرفق مع النفس عند التعثر بسبب المرض أو ظرف طاريء مع الاهتمام بكتابة الخطة الشخصية علي أن تشمل تحسين الجوانب الأسرية وزيادة الوعي وتوسيع الأفق, وتنمية مهارات العمل, وتحسين كل الجوانب الدينية والدنيوية وقراءتها يوميا لإعادة شحن الطاقات الايجابية وتذكر إننا إن لم نزد سننقص, وأن أي مجهود سنقوم ببذله للفوز بحياة أفضل سيكون مهرا ضئيلا أمام الانتصارات التي سنحققها, بينما التراجع عن تحسين الحياة سينمي المرارات والهزائم وسيجعلها تسيطر علي ثواني العمر وسنينه.