حتي اللحظات الاخيرة من عمره ظل فتحي سلامة مهموما بالقلم وبعشقه للادب, فكان اخر ما سمعنا منه من خلال رفيقة دربه سؤال يتكرر عما اذا كان اخر ما سطره قد وصل لدنيا. الثقافة واذا ما كان لدينا رصيد كاف من مقالاته التي ظل يوالينا بها من فراش المرض طوال الاشهر الماضية. لقد كان الواقع الثقافي أكثر ما يشغل كاتبنا وكان من ثمرة هذا النشاط أكثر من47 كتابا بين الأدب والصحافة والفكر, حيث قدم17 دراسة أدبية و14 رواية و8 مجموعات قصصية أخرها مجموعة هؤلاء علموني الحب, فضلا عن35 عملا دراميا قدمها للتليفزيون. فضلا عن تبنيه إبداع الشباب الذي خصصت له دنيا الثقافة هذه النافذة ليطل القارئ من خلالها علي الكتابات الشابةالجديدة. واليوم ننشر آخر ما كتب فتحي سلامة تحت عنوان القراءة ارادة حرة ونحن يعتصرنا ألم رحيله الذي فاجأنا به يوم الثلاثاء الماضي.. ونقول له: وداعا فتحي سلامة.. ولكنك مستمر بيننا بعطائك. دنيا الثقافة القراءة إرادة حرة العلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة قوية, فالانسان عادة لايقرأ إلا مايعجبه ولايقبل علي كاتب لايحبه, فالقراءة إرادة حرة فأنت لايمكنك أن تفرض علي إنسان ما قراءة كتاب معين, حتي لو تظاهر أمامك بأنه قرأ ماأردت له أن يقرأ, تعطيه خطابا وتقول هذا ماأرسله لي والدي, فيضع الخطاب أمام وجهه. ثم تدور عيناه علي السطور, ثم يبتسم, ويقول لك: هايل, عظيم, وتصاب أنت بالدهشة لأن الخطاب لايحمل ماهو هائل أو عظيم, وتسأله من جديد هل قرأت الخطاب يقول: نعم: وتتسع دائرة الدهشة التي تعيشها, فتقول ولكن الخطاب به مايغم النفس, وبه الكثير من الأخبار السيئة, يقول لك, وقد وقع في الفخ ولايريد التراجع لقد قرأت الخطاب, وهل علمت مافيه, يقول, نعم لقد علمت, فتقول وأنت تكاد تصرخ, لقد ماتت البقرة يبتسم من جديد ويقول: ولايهمك, فتكاد تشق صدره وتقول وماتت أمي, يقول. شد حيلك لقد قرأت كل هذا, فتقول وأي شيء هائل وعظيم في موت أمي أو موت البقرة الوحيدة التي تمتلكها أسرتي, يقول: إنني أسري عنك إنه لم يقرأ الخطاب, أنت أردت أن يقرأ ولكنه لم يرد, وانتصرت إرادته هو, ودخل في دوامة الكذب والنفاق والتظاهر لكي يقنعك بأنه قرأ. أليس هذا موقفا ياعزيزي من تلك الأخبار التي تقرأها في الصحف قال الوزير كذا, ولكنك تعرف, ثم يعود الوزير فينفي ماقاله بالأمس وأنت أيضا تعرف هذا, أنت تعرف كل الأخبار التي وردت في كل الصحف بل تعرف الأخبار القادمة واللاحقة, وكل الأخبار, إنك لاتقرأ, ولكي أريحك فالوزير أيضا لايقرأ, انه حتي لايكلف نفسه بقراءة مايقوله هو للصحف, والوزير معذور, وأنت أيضا لأننا تحولنا إلي معدة كبيرة تبحث عن الطعام لتهضمه وتعود للبحث عن طعام جديد.. أما القراءة فهي موضة قديمة جدا.. يقال انها كانت معروفة في عهد خوفو.. ويقال انهم دفنوا داخل الهرم كل الكتب ولهذا اختفت هذه الظاهرة القبيحة. والعادة الآن أن يحاول القارئ أن يلم بالموضوع أنه قرأ سطرا ويترك سطورا, انها عادة اهمال المكتوب وبالتالي أدت إلي عادة عدم التذكر, وكنت أود أن تهاجم مكتبة الأسرة هذه العادة, ولكن لافائدة لم تعد عادة الاهتمام بما نقرأ, حتي لافتات المحلات.. وعلي الرغم من القانون فان اللافتات الموضوعة علي المحلات والشركات مكتوبة باللغة الانجليزية أو الفرنسية مع أن هذا يعد مخالفا للقانون ولكن لاأحد يقرأ.. لهذا جمعت لكم هذه المادة التي سجلتها خلال أكثر من ربع قرن.