قبل التعريف يمكن أن نطرح عدة أسئلة مهمة منها ماهية الأمية وأنواعها؟ الي أي من فئات السكان تنسب الأمية؟ قدر نسبة الأمية التي تعتبر أزمة تخلف في دولة ما؟ ماهية التوزيع الجغرافي لكتل الأمية وأسبابها داخل الدولة؟ أحيانا يمكن استعارة مصطلح الأمية لوصف جهل بموضوعات ثقافية أو سياسية, وغير ذلك من الأمور المهمة في تراكيب حياة أي مجتمع, لكن أصل المعني هو توصيف حالة عدم قدرة التعرف علي حروف الكتابة لأي لغة وبالتالي عدم القراءة والكتابة, مما يؤدي الي قصور مخل في المشاركة الفعلية لنبض حياة المجتمع. فالأمية بهذا التوصيف هي أم الكبائر بين أنواع الأمية المختلفة, إذ يترتب عليها الجانب الأكبر من نقص في المتابعة أو الاسهام في توجهات المجتمع الفكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها. لهذا كانت دراسة الأمية بمعناها الأصلي واحدة من أهم مشكلات البحث. قد يكون السؤال عن ماهية الأمية ساذجا لأن الأمية تعني عدم معرفة حروف الأبجدية للغة المتداولة لأي شعب ومن ثم عدم القدرة علي التخاطب الكتابي وهو ما نسميه الأمية الصرفة او البحتة. والي جانبها نوعان من الأمية يسجلان في الاحصاءات المصرية الرسمية أولاهما أفراد يعرفون حروف الأبجدية لكنهم لايقرأون الصياغة اللغوية الا من منطوق الكلام الشفاهي وهم بذلك لايستطيعون فهم الصياغة الكاملة للمعني الا بقدر وقد يكون مغلوطا. وبالمثل فهم لايستطيعون صياغة كتابية معبرة. وهؤلاء يطلق عليهم يقرأ ويكتب وهم في الحقيقة مرحلة متقدمة نوعا من الأمية وقد تكون قراءتهم رانهم سببا في اشاعة أخبار أو ذعر عام لمجموعة من الناس. والنوع الثاني من الأمية هي من تقام لهم فصول محو الأمية يلتحقون بها لأسباب كثيرة منها مثل اقتطاع ساعة عمل بحجة رسمية. والملاحظ قلة عدد النساء في تلك الفصول لأنهن يعشن مجتمعات تمارس قدرا كبيرا من التمييز النوعي الذكوري, ومن ثم فإن نظرة الرجال الاجتماعية( خاصة الأميين منهم) قد تكون محبطة لنتائج فصول محو الأمية وتكون الحصيلة قليلا من النجاح للمواظبين علي تلك الفصول ولديهم من الحمية ما يدفعهم أو يدفعهن لذلك. في نتائج التعداد العام2006 نجد الأرقام التالية لأنواع الأمية بين الفئة العمرية, عشر سنوات فأكثر والذين يبلغ عددهم57,5 مليون يشكلون79% من سكان مصر فبيننا17,7 مليون أميون يشكلون29,6% من هذه الفئة العمرية و6,8 مليون يقرأ ويكتب هم نحو12% من هذه الفئة, و557 الفا محو أمية يبلغون قرابة1% من افراد الفئة. وبعبارة أخري لدينا25 مليون مصري من أنواع الأمية الثلاثة يشكلون نحو42% من السكان في فئة العمر+10 سنوات. وهذا أرقام مخيفة سواء كانت هي أمية صرفة أو كل أنواع الأمية. فهي تبرز بكل الوضوح أن43% من هذه الفئة العمرية الكبيرة من المصريين هم بشكل أو آخر أميون قراءة وكتابة. ويزداد الأمر خطورة أن من بين هذه الفئة تتكون القوة العاملة المصرية(15 65 سنة) في جميع اشكال الانتاج المختلفة وبالتالي هي القوة المعيلة التي تنتج في سني العمل الدخول والرواتب ومعاشات التقاعد والضمانات الاجتماعية. ولكن يحلو للاعتذاريين عن مشاكل مصر أن ينسبوا عدد أنواع الأمية الي كل سكان مصر فيصبحون33%, أو يبالغون أكثر فينسبون الأمييون الصرف فقط الي سكان مصر لتصبح النسبة24%, وهذا ضد التناسب العالمي في قياس الأمية الي الفئة العمرية+10 سنوات. وحتي لو افترضنا جدلا صحة هذا التفسير اليس من المخجل في القرن21 أن يكون ثلث أو ربع سكان مصر أمييون؟ تحليل ظاهرة الأمية موضوع مركب يقتضي دراسة علي مستويات عدة من أهمها التوزيع النوعي بين الذكور والإناث وبين الريف والحضر وبين الفئات العمرية المختلفة بعد سن العاشرة, حيث تختلف سمات وصفات فترات التعليم والتهيئة(10 20 سنة) عن فترات العمل والانتاج(20 60 سنة) أو فترات التقاعد(+55 سنة), وذلك للتعرف علي التوزيع المكاني لكتل الأميين وتراكماتها الزمنية علي الفئات العمرية وانتقالها من فئة الي التي تليها وغير ذلك وأسبابه علي ضوء تفاعل مجمل المواقف من أجل محاولة معالجتها, لكنني في هذا المقام سأركز علي التوزيع الجغرافي والنوعي ونسبته إلي الأمية العامة في مصر والمحافظات تاركا الدراسة التفصيلية للأمية بين الفئات العمرية والبنية الاجتماعية والإقتصادية لأبحاث أخري للديموجرافيين والتربويين عند وضع إطار فلسفي لعلاج الأمية في أقاليم مصر كل حسب احتياجاته البيئية وأنشطته الاقتصادية. ولكن ماذا عن التوزيع النوعي للأمية. (1) الأمية بأنواعها تستوعب13,6 مليون من الاناث يشكلون55% من مجموع الأمية وهم بذلك يكونون نحو ضعف الإناث( فئة+10 سنة) مقابل37% للذكور. (2) اكبر ارتفاع للإناث هي في الأمية الصرفة حيث تبلغ عشرة ملايين ونصف بينهن تساوي61,5% من هذه الفئة. (3) تقل نسبة الإناث فيمن يقرأ ويكتب الي نحو43% وكذلك تتدني نسبتهن في فصول محو الأمية الي36,5% ويلاحظ تأثير الذكورة في تحجيم عدد النساء في تحصيل معرفة الأبجدية في كل أنواع الأمية, وبالتالي استمرارية امية عالية للإناث. وفي أرقام أخري عن الأمية الصرفة(2005) مقارنة بدول اخري نجد أن نسبة غير الأميين تبلغ في مصر بين الذكور17% والاناث30%, وهي حال أحسن قليلا من حال الهند(27% و52%) أو السودان(29% و48%) مقابل(12% و22%) في السعودية وايران. أما في الدول الغربية فنسبة الأميين صفر للذكور والاناث معا. والمعني أن امامنا في مصر مشكلة مهمة في تعليم نحو خمس عدد الذكور, ومشكلة اكبر أكثر من ثلث عدد الإناث يجب مواجهتها بالتزام مشدد مستند الي تشريع أو قانون في متابعة المشكلات المعترضة وخاصة مشكلتي التسرب من التعليم الأساسي والزواج المبكر للفتيات. وتوجد كتل الأميين في: في القاهرة الكبري نحو3,750 مليون أمي بنسبة نحو15% من مجموع الأميين في مصر يتوزعون علي المحافظات الأربع: محافظة القاهرة1,6 مليون أمي بنسبة7%, حلوان نحو نصف مليون بنسبة2%, الجيزة765 ألف بنسبة3%, وفي6 أكتوبر قرابة900 ألف امي بنسبة3,7% ويضاف اليهم نسبة اخري في شبرا الخيمة. في مدن السواحل الشمالية نحو مليونين من الأميين بنسبة نحو8% من الأمية المصرية يتوزعون علي الاسكندرية نحو1,1 مليون(4,4%) ودمياط360 الفا(1.5%) وبورسعيد133 ألفا(0.55%) والاسماعيلية290 الفا(1.1%) والسويس125 الفا(0.5%). محافظات الدلتا نحو عشرة ملايين أمي بنسبة40% من الأمية المصرية أعلاها الشرقية والبحيرة( بكل منهما1.9 مليون أمي) ثم الدقهلية(1.6 مليون) يليهما القليوبيةوالغربية(1.3% مليون لكل) وكفر الشيخ والمنوفية( مليون أمي لكل منهما) محافظات الصعيد8.6 مليون بنسبة33% من مجموع الأمية المصرية بتوزيع متقارب بين المحافظات أعلاها سوهاج(1.5 مليون أمي) ثم المنيا وأسيوط(1.4 مليون لكل منهما) والفيوم وقنا(1.1 مليون لكل) وبني سويف( مليونا واحدا) وأدناها أسوان(340 الفا) ومدينة الأقصر135 الفا( قبل تحولها الي محافظة). محافظات الصحاري353 الفا بنسبة2% من مجموع الأميين أكثرهم في المحافظتين الشماليتين مطروح129 الفا وسيناء الشمالية100 ألف يليهما البحر الأحمر(53 الفا) ثم الوادي الجديد(46 الفا) وادناها سيناء الجنوبية(27 الفا). وأخيرا أول ما نلاحظه أننا لو رسمنا خريطة للتوزيع المكاني للأميين كمجموعة سوف نجد أن هناك كتلتين كبيرتين من الأميين هما في محافظات الدلتا والصعيد حيث توجد فيهما ثلاثة أرباع اعداد الأميين, وبرغم وجود مدن كبيرة فيهما الا أن السمة الريفية هي الغالبة, حيث تظهر الأمية بشكل أكبر من المدن لأسباب معروفة, وبالتالي فإن النتيجة الأولي التي يجب التركيز عليها هي محافظات الريف لكي نصل الي مواقف متحسنة في مصر بصفة عامة. ولا شك في أن أكبر نسبة تسرب لتلاميذ التعليم الأساسي هي في تلك الأقاليم نظرا لظروف اقتصادية عديدة تؤدي الي نسب عالية للسكان تحت خط الفقر, وبخاصة في محافظات الصعيد, حيث تتراكب الأمية مع الفقر والركود الريفي وقله التنمية لضعف الامكانات المحلية في الاستثمار في أنشطة أخري, ومن ثم البطالة العالية والهجرة الي مدن الشمال بنسب كبيرة. ولكن اذا رسمنا خريطة أخري لنسبة الأمية الي العدد الكلي لسكان الأقاليم الخمسة فسوف تنعكس النسبة وتصبح أمية الدلتا33% الي مجموع سكانها, وترتفع الأمية في الصعيد الي41%. وعلي هذا النحو ايضا ترتفع قيمة الأمية في القاهرة الكبري الي23% وفي مدن السواحل الي27% وفي محافظات الصحاري الي23%. نلاحظ في الدلتا ارتفاع قيم الأمية في الأطراف( الشرقية والبحيرة) لتأثرهم نسبيا بقيم البداوة المجاورة في مطروح وشمال سيناء برغم استقرارهم الريفي. كما نلاحظ ارتفاع نسب الأمية في المحافظات التي يشتغل نحو70% من سكانها بالزراعة سواء كان ذلك في الدلتا والصعيد, حيث متوسط كل منهما هو نحو75% يعملون بالزراعة. أعلا قيم الزراعة هي المنيا والبحيرة وكفر الشيخ والمنوفية وكلها في حدود80% زراعيين وأدناها القليوبيةوأسوان( نحو55% لكل منها) ولا شك أن القليوبية متأثرة بالأعمال الخدمية والصناعية لمجاورتها للقاهرة( شبرا الخيمة وقليوب) بينما المساحة الزراعية في أسوان محدودة, ومن ثم العمل في أنشطة أخري الي جانب الهجرة الي كل الاتجاهات. والي جانب ذلك ترتفع الأمية في المدن لتصل الي ما فوق خمس السكان غالبا نتيجة الهجرة الريفية والسكن العشوائي, ولهذا فهي تحتاج ايضا الي جهد كبير للتخلص من الأمية. هذه النسب والتناسب تزيد المشكلة المكانية وضوحا مما يستدعي مرة ومرات تركيزا مكثفا متنوعا في كل المجتمعات ريف وحضر دلتا وصعيد صناعة وزراعة وسماكة وخدمات وفوق هذا وذاك بين الإناث, وأذكر في هذا المجال مجموعة من الاقوال وبيوت الشعر كنا نحفظها في المدارس الابتدائية منها ما معناه الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق وبطبيعة الحال فإن التعليم بأي من درجاته حسب ظروف الحياة وقدرات الفتيات هو الأساس الذي يولد شعبا في عراقة مصر. الخلاصة أن الأمية اشكالية مزمنة وخطيرة ليس فقط حضاريا, بل لأنها تمس جوهر التنمية البشرية التي يترتب عليها التحسن في كافة جوانب الحياة المادية والفكرية والروحية.