من المهم في حوار الثقافات الذي يدور بصورة مباشرة وغير مباشرة بين العرب والغرب, أن ننطلق من حقيقة أساسية مفادها أن العرب ليسوا جبهة واحدة لاتباين بين اتجاهاتها, وكذلك الغرب ليس كتلة صماء وحيدة البعد. ومعني ذلك أنه ينبغي وضع تعدد الأبعاد الفكرية والايديولوجية وقبل ذلك الاتجاهات السياسية هنا وهناك. بعبارة أخري هناك في العالم العربي اتجاهات تتبني موقفا معاديا للغرب سياسة وثقافة وكأنه كتلة واحدة. وهذه المواقف المعادية للغرب التي تنطلق من منابع إيديولوجية عربية متعددة تتعدد أسباب معاداتها للغرب. فهناك اتجاهات اسلامية متطرفة لاتري في الغرب وثقافته إلا كفرا مبينا وضلالا مطلقا بل ورمزا علي الانحلال والتخلي عن كل القيم. غير أن هناك اتجاهات عربية يسارية وإن كانت تهاجم أيديولوجيا هذه الاتجاهات الإسلامية المتطرفة إلا أنها أيضا تأخذ من الغرب الرأسمالي موقف العداء المطلق علي أساس أنه رمز علي الامبريالية الرأسمالية والهيمنة الغربية. هكذا كان موقف هذه التيارات منذ زمن بعيد, وزادت حدة رفضه بعد انتشار موجات العولمة الرأسمالية التي غزت أسواق العالم الثالث وأصبحت رمزا للاستغلال الاقتصادي, والذي أدي الي تهميش عديد من الدول النامية لعجزها عن المنافسة العالمية, بالإضافة إلي سقوط شرائح اجتماعية متعددة داخل عديد من الدول النامية في دوائر الفقر بحكم احتكار القلة من رجال الاعمال الذين يتعاملون مع السوق العالمية لمصادر الانتاج. وقد أدت هذه النظرات العدائية المطلقة لبعض العرب ضد الغرب ولبعض الغربيين ضد العرب إلي نشوء اتجاهات معادية أدت الي تشويه الصورة القومية لكل طرف في إدراكات الطرف الآخر. فالغربي في نظر بعض التيارات العربية المتطرفة رمز للاستعمار والاستغلال بل رمز للانحلال الاخلاقي. والعربي في نظر بعض التيارات الغربية رمز للتخلف والتطرف. وقد أدت أحداث سبتمبر الارهابية9/11 والتي وجهت الي رموز القوة الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية والتي تقول الرواية الأمريكية الرسمية أن الذين خططوا وقاموا بها عرب مسلمون الي التشويه الكامل لصورة العربي المسلم. وأصبح الإدراك الغربي السائد في دوائر الحكم الغربية ولدي الجماهير علي السواء هو أن العربي المسلم يمثل الإرهابي. بعبارة أخري شاع الادراك الغربي في دوائر غربية متعددة وكأن المسلمين إرهابيون بالطبيعة, بل وزادت حدة التطرف الغربي في بعض الكتابات التي رأت أن الإسلام نفسه كدين يحض علي العنف والعدوان. وقد ترتب علي هذه الصورة النمطية الثابتة للعرب والمسلمين والإسلام نتائج خطيرة سياسية وثقافية علي السواء. علي الصعيد السياسي صاغ عدد من الخبراء الغربيين المتخصصين في العالم العربي والإسلامي نظريات تحاول تفسير شيوع الفكر المتطرف والذي أدي بعديد من الجماعات الإسلامية في مختلف البلاد الي الارهاب العقيم. وهذه النظريات تركز أساسا علي طبيعة النظم السياسية السائدة في هذه البلاد والتي هي نظم شمولية أو سلطوية تمارس الحكم بناء علي قهر الجماهير وفي غيبة مؤسسات سياسية ديمقراطية قادرة علي محاسبة الحكام. وهذا القهر السلطوي الواسع عند أصحاب هذه النظريات هو الذي أدي الي شيوع الفكر الديني المتطرف والذي هو احتجاج مقنع علي الاستيراد السائد. غير أن هذا الاحتجاج تحت تأثير ظروف سياسية واقتصادية متعددة تحول الي احتجاج صريح ضد النظم المستبدة في نظر أعضاء هذه الجماعات المتطرفة واتخذ شكل الارهاب المنظم الذي يهدف أساسا إلي قلب النظم القائمة باعتبارها نظما كافرة تطبق قوانين وضعية مع أن الحاكمية لله كما تري هذه الجماعات. وقد أدي هذا الارهاب الموجه للدول إلي إرهاب موجه للجماهير بعد أن اتسع نطاقه, وأصبح يضرب ضربات عشوائية مما أدي إلي سقوط عشرات المدنيين الذين لاعلاقة لهم بسلطات الدولة. بمعني أنهم ليسوا من أعضاء الطبقة السياسية الذين استهدفوا بالاغتيال وليسوا كذلك من أعضاء أجهزة الأمن التي تتصدي للارهاب وإنما هم مجرد مواطنين كانوا يوجدون بمحض الصدفة في المواقع التي اختارها الارهابيون للهجوم علي رموز السلطة المستبدة. وبناء علي هذه النظرية الغربية وضعت بعض الدول وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالامريكية استراتيجيات سياسية وثقافية علي السواء. وفي مقدمة الاستراتيجيات السياسية محاولة خلق كيان سياسي جديد أطلق عليه الشرق الأوسط الكبير, وقد تمثلت مقدمات هذا المشروع في المناقشات الاستراتيجية التي أدارتها النخبة السياسية الأمريكية حول دور الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, وقد حدث إجماع لدي مختلف اتجاهات أعضاء هذه النخبة الذين توزعوا بين الجمهوريين والديمقراطيين علي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ينبغي أن تكون القوة المسيطرة علي إدارة العالم في القرن الجديد. وقد عرض لهذه المناقشات الاستراتيجية وحللها بطريقة ممتازة الأستاذ عاطف الغمري الكاتب السياسي بجريدة الاهرام المصرية في كتابه المهم الشرق الأوسط الكبير( القاهرة2004) ويقرر الغمري في نهاية مقدمة لكتابه أن مشروع الشرق الأوسط الكبير نشأ لجزء مهم ورئيسي من نظرة المحافظين الجدد لأنفسهم وللعالم, دون أن ينعزلوا عن المسار الثاني لرؤيتهم الايديولوجية للمنطقة بالتمكن لإسرائيل من وضع الهيمنة في الشرق الأوسط. وقد أشار الرئيس بوش إلي هذا التوجه حين ذهب في مارس2003 أي قبل حرب العراق بأسبوعين إلي أمريكان انتربرايز وهو معقل المحافظين الجدد, وألقي خطابا عن رؤيته الكبري للعراق, وأكد أن هذا البلد الذي عومل بوحشية ستعاد صياغته بالحرب بشكل مختلف, وذلك بترسيخ المظاهرات الامريكية الديمقراطية مما سيعود عليه بالرخاء والسلام, والذي سيمتد إلي الشرق الأوسط كله, لأن تحرير العراق سيكون هو المثل والقدوة! ومن هنا نبعت فكرة الشرق الأوسط الكبير. ويقوم هذا المشروع علي فكرة محورية مفادها أن العالم العربي هو مصدر الخطر الجديد, فهو ينتج أفرادا وحركات متطرفة تملك من وسائل التكنولوجيا المتقدمة وأسلحة الدمار الشامل ما يجعلهم قادرين علي توجيه ضربات الي داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية, ومن ثم ينبغي القضاء عليهم عن طريق الضربات العسكرية والوقائية. وهكذااعتبر الشرق الأوسط الإسلامي هو منبع الإرهاب الذي ينبغي القضاء عليه نهائيا. وقد أورد الغمري في كتابه نص مشروع الشرق الأوسط الكبير نقلا عن جريدة الحياة التي نشرته في3 فبراير2004. ويقول نص المشروع في مقدمته أن الشرق الأوسط الكبير يمثل تحديا وفرصة فريدة للمجتمع الدولي. وقد ساهمت النواقص الثلاثة التي حددها تقرير الأممالمتحدة حول التنمية البشرية الذي صدر في عامي2003,2002 والذي حررهما فريق من الباحثين العرب وهي نقص الحرية ونقص المعرفة وتدني وضع المرأة في إيجاد الظروف التي تهدد المصالح الوطنية للدول الغربية. وذلك علي أساس أن تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة سيؤدي إلي زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة. ويقرر نص المشروع أن مجموع إجمالي الدخل لبلدان الجامعة العربية ال22 هو أقل من نظيره في أسبانبا, وأن حوالي40% من العرب البالغين وعددهم65 مليون شخص أميون, وتشكل النساء ثلثي هذا العدد, وسيدخل أكثر من50 مليونا من الشباب سوق العمل بحلول عام2010, وسيدخلها بحلول2010 100 مليون شاب, وهناك حاجة لإيجاد ما لايقل عن6 ملايين وظيفة جديدة لامتصاص هؤلاء الوافدين الجدد إلي سوق العمل وبناء علي هذا التوصيف استقر الرأي علي مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي تحتاج إلي تحليل متعمق نقوم به في مرة قادمة.