في الوقت التي تراجعت فيه العلاقات البريطانية الأمريكية بأفول عصر بلير عكف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي علي تحسين العلاقات التاريخية الفرنسية الأمريكية. بعد أن غيمت أجواءها سياسة شيراك العربية.لترتقي من جديد إلي مستوي التحالف لدرجة جعلت ساركوزي متهما في فرنسا بأنه رجل أمريكا الجديد. وقد سعد ساركوزي بدعوة الرئيس باراك أوباما التي تأخرت عامين برفقة زوجته المطربة الايطالية كارلا بروني في زيارة سجلت في تاريخ العلاقات بمثابة عودة الابن الضال بعد أن ابتعدت فرنسا لنحو14 عاما عن جاذبية واشنطن.. وأكد إرضاء للشعب الفرنسي: بأن الصداقة لا تعني التبعية وأفضل أن أكون صديقا واقفا لا راكعا أبدي حرية مطلقة في التعبير عن رأي فرنسا ومصالحها العليا وقت الخلاف. لكنه أعلن للشعب الأمريكي أنه من النادر تاريخيا أن تتطابق الرؤي والسياسات بين بلدينا كما هو الآن, وان الماضي كان خطأ استراتيجيا. تشاور ساركوزي مع نظيره في البيت الأبيض حول مجموعة واسعة من القضايا الإستراتيجية أبرزها إيران وأفغانستان وباكستان واشكالية السلام في الشرق الأوسط ونتائج القمة العربية وموقف العرب من إسرائيل والتعاون الأمني الأوروبي واستدامة الانتعاش الاقتصادي العالمي. وقد سر الفرنسيون بما أعلنه اوباما من اعتبار فرنسا شريكا وحليفا للولايات المتحدة لا غني عنه في الجهود المشتركة لنشر السلام والأمن والازدهار حول العالم. وبقوله: أنا أصغي إلي نيكولا طوال الوقت. لا أستطيع التوقف عن الاستماع إليه.. وهو إعلان عودة المياه إلي مجاريها. ألقي ساركوزي خطابا مشتركا مع أوباما في جامعة كولومبيا بنيويورك. وطلب ماكينة خاصة لصنع القهوة لتوضع في المكتب المخصص له وهو أمر تطرقت إليه صحيفة نيويورك بوست بالقول إن ساركوزي يحب قهوته أيضا ايطالية وحارة.مما أغضب زوجته كما لم تتركه بعض صحف أمريكا وسخرت من عقدته في قصر قامته وإصراره علي تركيب كعب عال وإحضار مقعده الخاص لتقليل فارق الطول مع أوباما خلال خطابه مما زاد من إلحاح زوجته بالا يترشح لولاية ثانية بعد أن غلبتها الضغوط السياسية والإعلامية تجاه زوجها وبما يمسها لكونها قرينته. طريق المصالحة مهد ساركوزي لهذه العودة منذ عامين خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه بالرئاسة حيث توجه إلي الولاياتالمتحدة وقابل أصدقاءه في الكونجرس في زمن بوش, وألقي خطابا وجه من خلاله كثيرا من الرسائل الايجابية داعيا إلي المصالحة ونسيان الماضي. كما اتخذ العام الماضي قرارا تاريخيا بعودة فرنسا الي قيادة حلف الناتو بعد أن أبعدها الزعيم شارل ديجول كي لا تدور كبقية دول أوروبا في الفلك الأمريكي. وقد رحب أوباما بعودة فرنسا الكاملة الي الحلف والتي وصفها بأنها ضرورية وموضع تقدير لمواجهة التحديات الأمنية. ولكن برغم كثير من كلمات الغزل والمديح للرئيس الأمريكي لم يتم استدعاء ساركوزي إلي البيت الأبيض علي عكس زعماء كبري الدول الأوروبية والآسيوية برغم إلحاحه حتي خيل إلي الفرنسيين أن أوباما يحتقر ساركوزي الأمر الذي دفع الرئيس إلي توجيه انتقادات لاذعة له أمام بعض الأصدقاء علي كونه لا يستحق مكانه في البيت الأبيض لضعف إمكاناته وبأن فشل جورج بوش قد أفاده في النجاح أكثر من تمتعه بقدرات خاصة.. ورغم أن ساركوزي, يتمتع بصداقات وطيدة في إسرائيل-حتي أن نيتانياهو وصف فوزه بعرش الاليزيه, بأنه نصر خاص لإسرائيل. ووزعت تل أبيب آلاف الطوابع البريدية التي تحمل صورته. الا أن فضيحته لدي أوباما كانت عبر أصدقائه الإسرائيليين الذين نقلوا لأوباما كل كلمة نقد خرجت من فمه وزادوا عليها جملا وفقرات مما جعل أوباما يسقط ساركوزي من حساباته لعامين أما لماذا غدر به أصدقاؤه اليهود فلكون ساركوزي لا يرتاح لوزير خارجية نيتانياهو المتطرف ليبرمان الذي يرفض حتي مجرد لقائه وكثيرا ما نصحه بالتخلي عنه لصالح ليفني. في الواقع لم يسقط أوباما ساركوزي من حساباته وإنما فرنسا ليست علي لائحة اهتماماته فلم يبلور بعد نظرته إلي أوروبا التي تمر بفترة تأسيسية وأزمة اقتصادية جوهرية لا تقل خطورة عن الأزمة الأمريكية. وقد عكف الرئيس الفرنسي علي تحسين العلاقات لدرجة كان يقلد الرئيس أوباما في كثير من مواقفه وسياساته الخارجية لعله يرضي وينسي كما نسي رئيس وزراء اسبانيا كلمات ساركوزي التي قالها في حقه( بأنه أحمق). وقد جاءت دعوة الرئيس أوباما له في توقيت هام بعد تلقيه صفعة قوية من خلال الانتخابات الإقليمية بفوز كاسح لليسار وسقوط كل وزرائه فيها. إسكات الشائعات حرص الرئيس الأمريكي علي إقامة عشاء خاص يجمعه مع قرينة ساركوزي كارلا وزوجته ميشال لإنهاء الشائعات حول عدم وجود كيمياء بين الرئيسين.وقال إن العشاء الرسمي يكون في البيت الأبيض لكن العشاء الخاص يكون للأصدقاء الحميمين في المنزل وصحبهما علي مأدبة عشاء في جناحهما الرئاسي بفندقه بنيويورك. يبدو أن إيران أصبحت طريق المصالحة بعد أن كان العراق حجر العثرة بين الدولتين فقد اعتبر الرئيسان أنه بعد رفض إيران اليد الممدودة حان الوقت للانتقال إلي مرحلة العقوبات الصارمة. وأكد الرئيس الأمريكي أن الولاياتالمتحدةوفرنسا موحدتان, ولن ينفصلا لمنع إيران من الحصول علي القنبلة الذرية.وأنه يريد أن تفرض الأممالمتحدة عقوبات جديدة علي إيران في غضون أسابيع وليس شهورا. من جانبه قال ساركوزي إن إيران لا يمكنها أن تواصل سباقها المجنون في المجال النووي, معتبرا أن الوقت حان لفرض عقوبات شديدة بحق إيران من مجلس الأمن. كما أدان الرئيس الفرنسي استمرار إسرائيل في أنشطتها الاستيطانية علي الأراضي الفلسطينية وقال: الجميع يعلم مدي التزامي بأمن إسرائيل. ولكن بناء المزيد من المستوطنات لا يحقق شيئا وليس من شأنه إضافة مزيد من الأمن والسلام لإسرائيل, فغياب السلام مشكلة للجميع لأنه يغذي الإرهاب حول العالم. حاول ساركوزي إقناع نظيره بضرورة عقد مؤتمر دولي بباريس لإطلاق مسيرة السلام في الشرق الأوسط إلا أن اوباما فضل ترك جورج ميتشيل يقوم بمساعي تفاوض غير مباشر وباريس تري أنه نهج غير مجد ولن يؤدي إلي نتيجة. كما دعا ساركوزي الولاياتالمتحدة إلي العمل مع أوروبا لتنظيم الاقتصاد العالمي وتغيير طريقة إدارة شئون العالم بمفردها. وتطرق إلي ضرورة تشاور الولاياتالمتحدة حلفاءها الأوروبيين لحل الأزمات سيما أزمة المال العالمية بوضع قيود علي النظام المالي.. كما طلب مساعدته علي إقامة إدارة جديدة للعالم بعد فشل قمة كوبنهاجن حول البيئة.