أول من استعمل تعبير الموت الرحيم هو الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون في القرن السابع عشر وكان يعني به مصاحبة المريض في لحظاته الأخيرة وإعطاءه جميع المسكنات المتاحة ليموت في سلام. ولكن المصطلح أخذ معني مختلفا في القرن التاسع عشر وأصبح يعني استجابة الطبيب لرغبة مريضه بإنهاء حياته لمعاناته من آلام مبرحة لا يستطيع تحملها وميئوس من شفائها, ثم اتسع المعني ليشمل مساعدة أهل المريض في تخفيف معاناتهم هم لمشاهدتهم مريضهم في حالة لا يرجي شفاؤها. ومن الناحية الأخلاقية فإن الموت الرحيم هو تدخل في مشيئة الله عز وجل الذي وهب الحياة, فهي سلب لحق الحياة الذي لا يملكه إلا الخالق, وليس من الأخلاق أن يتوقف الطبيب عن علاج مرض ميئوس من شفائه, لأن مهنة الطب هي للعلاج وليس لوقف العلاج, كما أنه ليس من حق أهل المريض أن يتحولوا إلي أوصياء عليه لهم االحق في استعجال موته, فقد يمن الله بالشفاء رغم فقدان كل أمل في النجاة, كما أن الموت قد يخطف حياة المريض رغم ثقة الأطباء بنجاح العلاج. وقد اتفقت الديانات السماوية علي تحريم قتل الرحمة, فيقول القرآن الكريم: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما( النساء:29), وتعتبر المسيحية الموت الرحيم جريمة قتل, لأن الله وحده هو من يهب الحياة وهو من يستردها ولا تقبل الكنيسة القتل إلا في الحرب العادلة أو الدفاع عن النفس أو عند صدور حكم محكمة عليا, كما يري المنظور اليهودي في قتل الإنسان قتلا لصورة الله في الإنسان. ومن الناحية القانونية فبالرغم مما أقرته اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية بأن حياة الإنسان يحميها القانون وأنه لا يحق إيقاع الموت علي أي شخص إلا بحكم محكمة فإن عددا من الدول الأوروبية مثل هولندا وسويسرا أجازت القتل الرحيم ووضعت ضوابط قانونية له. وفي البلدان العربية والإسلامية يعتبر الموت الرحيم محظورا من الناحيتين القانونية والشرعية, وإن كان بعض الدول العربية مثل سوريا ولبنان تعتبر الشفقة دافعا مخفضا لعقوبة القتل. وللأسف فإن القانون الجنائي المصري رغم أنه يجرم القتل الرحيم ضمنا كقتل عمد, فهو يخلو من أي نص صريح يجرم هذا الفعل رغم خطورته. وتجدر الإشارة إلي أنه توجد حالة أخري يسميها البعض الموت الرحيم السلبي وهي توقيف العلاج الذي يوقن الأطباء من عدم جدواه لشفاء الحالة المرضية مما قد يعجل بموت المريض. وقد وضعت كثير من الدول الغربية تشريعات لتنظيم هذا الأمر وبعضها يصرح بأنه إذا كان القتل بدافع الشفقة يتعارض مع الأخلاق, إلا أن ذلك لا يمنع الطبيب من احترام إرادة المريض وأن يتركه ليموت موتا طبيعيا في المرحلة الأخيرة لمرضه, ومن الناحية الفقهية يقول الدكتور يوسف القرضاوي: إن هذا النوع من تيسير الموت إن صحت التسمية جائز فقهيا ولا ينبغي أن يدخل في مسمي قتل الرحمة لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب إنما هو ترك للتداوي. وتتبقي نقطة في غاية الأهمية وهي وجوب التفرقة بين الموت الرحيم وموت جذع المخ أو الموت الإكلينيكي, فالغيبوبة تحدث لأسباب كثيرة وقد يفيق منها الإنسان حتي بعد سنوات طويلة, ولكن غيبوبة موت جذع المخ يستحيل أن يفيق منها الإنسان الذي هو ميت فعليا, لأن جذع المخ الذي ماتت خلاياه يتحكم في التنفس والدورة الدموية والتي يمكن أن تظل تعمل ميكانيكيا بفعل الأجهزة المركبة. ولذلك فإيقاف أجهزة التنفس الصناعي عن مريض الغيبوبة هو قتل رحيم أو قتل عمد, بينما لا توجد جريمة بفصل هذه الأجهزة عن الميت إكلينيكيا لكونه فقد الحياة الإنسانية الطبيعية, وهذا يتفق مع قرارات المجمع الفقهي التابع لمنظمة مؤتمر العالم الإسلامي ومجمع البحوث الإسلامية.