في عصر فقدنا فيه كثيرا من أوراق الضغط ووحدة الصف وفقدنا الالتفاف الحاشد حول المقاومة المسلحة, وفي عصر تبعث فيه إسرائيل بباحثين يدرسون البدو وعاداتهم وسوق الجمال والموالد.. نجد أنفسنا مطالبين بقوة أمام الجيل الحالي والأجيال القادمة بتقديم خريطة معرفية مستحدثة لإسرائيل بشكل عام, وللحركات الاحتجاجية الرافضة للسياسات الرسمية الإسرائيلية الإجرامية والعنصرية بشكل خاص, والهدف هو تقييم مواقف وتأثير وإمكان الاستفادة مما يعرف بقوي السلام في إسرائيل في ظل مؤشرات تبين لنا أن الأغلبية لاتزال تؤيد سياسات الحكومة اليمينية الحالية في إسرائيل. الحركات الاحتجاجية في إسرائيل متعددة, في مقدمتها الاحتجاج علي خلفية سياسية: فهناك في إسرائيل نحو30 حركة سلام نشيطة, ومن الحركات التي تثير جدلا داخل إسرائيل الشمينيستيم, والكلمة بالعبرية تشير لطلبة الصف الثالث الثانوي في إسرائيل الذين سيلتحقون بالخدمة العسكرية الإلزامية, وارتبطت في الأذهان بمن يرفضون تأدية الخدمة بشكل كامل أو بشكل جزئي, وقد ظهر المصطلح لأول مرة في28 أبريل1970 حين قام58 طالبا في المرحلة الثانوية بإرسال خطابات لجولدا مائير علي خلفية طلب تقدم به للحكومة الإسرائيلية عضو الهستدروت الصهيوني العالمي ناحوم جولد مان مقترحا أن يزور مصر لعرض مبادرة سلام علي جمال عبدالناصر, وحينها رفضت رئيسة الوزراء جولدا مائير أن يلتقي جولدمان بعبدالناصر( كان الهدف وقف حرب الاستنزاف ودفع السلام قدما), وقالت بصلف: بالنسبة لعبد الناصر وجولد مان إذا أرادا أن يصنعا سلاما فليكن سلاما بين عبدالناصر وجولدمان. الطلبة عبروا عن مرارتهم وغضبهم من إضاعة إسرائيل الفرصة تلو الأخري للتوصل للسلام, وشككوا في جدوي خدمتهم العسكرية في قناة السويس في ظل هذه الأوضاع وعدم إيمانهم بسياسات حكوماتهم, الخطاب لاقي ردود أفعال واسعة لاتزال مستمرة حتي2010 كان أحدثها في نهاية عام2009 حين تكرر رفض الخدمة, مما يثير للآن ردود أفعال متباينة في إسرائيل, خاصة أن شعار هؤلاء الشمينيستيم: نرفض أن نكون مجرمي حرب. من الجماعات النشيطة في هذا المجال أيضا منتدي العائلات الثكلي وهو منظمة للإسرائيليين والفلسطينيين ممن فقدوا أعزاءهم نتاج النزاع شعاره: نحن نعمل معا من أجل وقف القتل في الجانبين, من أجل المصالحة, التحادث والحوار, ويش جفول( توجد حدود): حركة رافضة للخدمة العسكرية, وعلي نفس الغرار أوميس لساريف( شجاعة رفض الخدمة), وشوفريم شتيقاه( كسر حاجز الصمت), واللجنة الإسرائيلية المناهضة لهدم المنازل, وبشكل عام تعتبر الحركات الاحتجاجية علي خلفية سياسية أن أنشطتها خدمة لإسرائيل. من النماذج علي حركات احتجاجية علي خلفية دينية: نطوري كارتا( حراس المدينة) وهي جماعة دينية يهودية تم تأسيسها في سنة1935, تعارض الصهيونية وتنادي بتصفية الكيان الإسرائيلي, نظرا لإيمانهم بأنه محظور تأسيس دولة لليهود حتي مجئ المسيح المخلص, ومفتاح فهم الحركات الاحتجاجية علي خلفية دينية استيعاب تأثير اتفاق الوضع الراهن المبرم بين العلمانيين والمتدينين علي إسرائيل الآن. علي صعيد الاحتجاجات علي خلفية اجتماعية, يمكن الإشارة لجمعيات مناصرة أرباب المعاشات ومنظمات مناصرة اليهود الشرقيين ومن أصل يمني بشكل خاص مثل الفهود السوداء, وهو ما تكرر مع يهود إثيوبيا بسبب العنصرية, وهؤلاء أقل من يمكن الاستفادة منهم في قضية استعادة الحقوق العربية لأن مطالبهم فئوية في المقام الأول. لوزارات الخارجية وللرسميين أعراف وقيود تمنعهم من التواصل مع غالبية تلك الحركات, لأن هذا سيفتح الباب أمام مبدأ المعاملة بالمثل والتلويح بأن هذا تدخل في الشئون الداخلية للآخرين, وعلي هذا نحتاج للاتفاق علي صيغة تتيح لنا أقصي استفادة من تلك الحركات الاحتجاجية لخدمة مصالحنا بإبراز مواقفها أمام الرأي العام العالمي علي طريقة من فمك أدينك. مع دراسة إمكان أن يتم التعامل مع تلك الحركات الاحتجاجية من خلال الفلسطينيين وداخل حدود ال48, والأرض المحتلة, أو في العواصم ذات التأثير في الرأي العام الغربي, وليس في ميدان التحرير أو من خلال تنظيم معارض فنية تهدف لاختراق الصف العربي وإقرار مبدأ التعايش السلمي بالعبرية, دو قيوم مع بقاء الأوضاع علي ما هي عليه, كما يمكن دعم تلك الحركات الاحتجاجية من خلال البث المصري الموجه باللغة العبرية( قول قاهير, وعاروتس هنيلوس) بعد تطويره. يجب الانتباه إلي أن تلك الحركات هامشية, بل يطلق عليها أحيانا هامش الهامش ما عدا حركة السلام الآن لاستمراريتها ولأن قادتها بدأوا يتوغلون في عضوية البرلمان, وفي الكتابة الدورية لأكثر الصحف تأثيرا في إسرائيل, ونطوري كارتا لاستمراريتها ولمواقفها الاستثنائية من إيران, ومن نجاد, ومن العنصرية, وإذا استخدمنا لغة الأرقام سنجد أن تأثير حركات السلام مجتمعة في القرار السياسي في إسرائيل لا يتجاوز3% تقريبا, ومع هذا نري الاستفادة من هذا التأثير لأقصي حد, هذا في ظل مزاج عام يتجه يمينا في إسرائيل. هذا مع ملاحظة أن غالبية أنشطة ومواقف حركات السلام الاحتجاجية مجرد ردود أفعال ورغبة في تجميل وجه إسرائيل القبيح من جانب وتفريغ شحنة الضمير, والإحساس الزائف بالذنب وشريحة كبيرة من نشطاء الحركات الاحتجاجية يعتبرون عضويتهم وجاهة اجتماعية وشهرة إعلامية.