ندرة المياه العذبة من ثوابت البيئة العالمية, حيث تبلغ3% فقط من حجم الماء في الكرة الأرضية والباقي وقدره97% تستوعبه المحيطات والبحار ومياهها مالحة. وتزداد المياه العذبة ندرة. حيث75% منها مجمدة علي هيئة جليد في القطبين الشمالي والجنوبي وبعض المناطق الباردة الأخري, والباقي أي25% منها يصلح للشرب واستعمالات الانسان الأخري. وتبلغ نسبة المياه العذبة المستخدمة في ري الأراضي الزراعية70% من المياه العذبة المستخدمة علي مستوي العالم سواء من الانهار والبحيرات او من المياه الجوفية, ويستخدم20% منها في الصناعة,10% في الأغراض المنزلية. وقد تفاقمت ندرة المياه العذبة بسبب التجارة الدولية من الحبوب, وأسرع اسواق الحبوب نموا في العالم تقع في شمال افريقيا والشرق الأوسط وتشمل المغرب, الجزائر, تونس, ليبيا ومصر. وتعاني هذه البلدان من نقص المياه العذبة مع زيادة مطردة في السكان, وما لم تسارع البلدان التي تعاني من نقص المياه إلي تثبيت عدد السكان, وزيادة انتاجية الماء فان نقص المياه العذبة سوف يؤدي الي نقص الغذاء. وبزيادة اعداد الدول التي تعاني من نقص المياه مع الحاجة المتزايدة لاستيراد الحبوب, بما في ذلك الصين والهند, ستضعف قدرة البلدان ذات فائض الحبوب علي التصدير وهي الولاياتالمتحدة, فرنسا, كندا واستراليا. أما في مصر فان ندرة المياه العذبة فيها معضلة كبري, وعلي الرغم من جريان اطول أنهار العالم فيهاو هو نهر النيل فان المياه العذبة فيها محدودة وتقدر بنحو63,5 مليار متر مكعب سنويا, يسهم النيل بالجانب الأكبر منها بمقدار55,5 مليار م3, وتسهم المياه الجوفية بنحو3,1 مليار م3, مع4 مليارات متر مكعب من مياه الصرف الزراعي بعد خلط بعضها بمياه الترع وتنقية البعض الآخر. ويمكن زيادة حصة مصر من مياه النيل بإقامة مجموعة من المشروعات مثل مشروع قناة جونجلي ومشروع التخزين في بحيرة ألبرت ومشروع بحر الغزال ونهر السوباط ومشروع تطوير النيل الأبيض. وتقدر زيادة مياه النيل من هذه المشروعات بنحو18 مليار م3 تقتسمها مصر, والسودان مناصفة. وتسهم الأمطار بقدر محدود من المياه في مصر, حيث تسقط بندرة علي شريط ضيق من الساحل الشمالي في الشتاء. وتقدر كمية الأمطار بنحو0,875 مليار م3 سنويا في الساحل الشمالي الغربي,0,315 مليار م3 في الساحل الشمالي الشرقي وسيناء. وقد بلغ متوسط نصيب الفرد من مياه النيل1800 م3 سنويا في مطلع العقد السادس من القرن العشرين وانخفض هذا المتوسط الي نحو950 م3 سنويا في نهاية ذلك القرن. وبذلك يقع متوسط نصيب الفرد من المياه العذبة في مصر تحت خط الفقر المائي وقدره1000 م3 سنويا. ومن المتوقع استمرار تناقص هذا المتوسط مع الزيادة المستمرة في عدد السكان, حيث يتوقع ان ينخفض الي أقل من500 م3 سنويا باستمرار ثبات تدفق مياه النيل ومعدل نمو السكان. وسوف تؤدي زيادة استهلاك المياه للأغراض المنزلية, والصناعية الي انخفاض المتاح منها لأغراض الزراعة, وبافتراض ثبات الرقعة الزراعية والمحصولية علي ما هي عليه الآن فمن المتوقع زيادة عجز مياه النيل عن احتياجات الزراعة الي15,3 مليار م3 عام2025 وهو عجز يصعب تدبيره من المصادر الأخري. وبرغم محدودية المياه في مصر فانها تتعرض لاستنزاف خطير مرجعه اسباب متعدة يأتي في مقدمتها طريقة الري بالغمر السائد في الوادي والدلتا والتي تستنزف كمياه كبيرة من الماء تزيد عن حاجة النبات من جانب وتتسرب الي باطن التربة من جانب آخر, خاصة حين تكون الأرض غير مستوية فتحتاج الي كميات كبيرة من المياه ليتم غمرها بالكامل. وحيث لايدفع المزارعون مقابلا لاستخدام مياه الوعي ومع عدم الوعي بقيمة المياه وندرتها فانهم يميلون الي الإسراف والتبذير في استخدام هذا المورد النادر الذي يعتبر شريان الحياة, في مصر, التي كانت علي مدي تاريخها الطويل بلدا زراعيا في المقام الأول ومازالت الزراعة احد اهدافها الاستراتيجية لمواجهة معضلاتها الاقتصادية, خاصة معضلة نقص الغذاء مع ظاهرة الانفجار السكاني التي تستنزف موارد مصر الطبيعية وأهمها الأرض الزراعية ومياه الري اللازمان لانتاج المزيد من الغذاء لمواجهة احتياجات الاعداد المتزايدة من السكان. ولايقتصر استنزف المياه علي استخدامها في الري فحسب بل يستنزف ايضا في الاستعمال الحضري في المنازل والمصانع بسبب قدم شبكات توزيع المياه في المدن والقري التي تجاوزت اعمارها الافتراضية وغدت تتسرب منها المياه بكميات كبيرة حيث التوصيلات متهالكة او مركبة بطريقة غير سليمة مع اشراف غير جدي علي استخدام المياه. وقد اهملت عمليات الصيانة وأدي القصور في تجديد الخطوط التالفة والتركيبات المعيبة الي فاقد ضخم من المياه العذبة المنقاة. وسوف تتعرض ندرة المياه العذبة في مصر الي أزمة محدقة بسبب الاتفاق الذي عقدته خمس دول من حوض النيل في مايو الماضي علي اعادة توزيع المياه علي جميع دول حوض النيل لحاجتها الملحة الي زراعة مساحات اضافية من الأراضي الزراعية لمواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية بها, وقد استبعدت هذه الدول من اتفاقها دولتي المصب وهما مصر والسودان.. وبهذا الاتفاق قوضت هذه الدول الخمس الاتفاقية الموقعة عام1929 والتي تتضمن توزيع المياه علي دول حوض النيل وهي اتفاقية سارية المفعول ولايجوز الخروج عليها دون موافقة دولتي المصب. ومن قبل توقيع الاتفاق اخذت إثيوبيا في اقامة بعض السدود علي النيل لحجز كمية كبيرة من مياه الفيضان لديها مما يهدد حصة مصر من مياه النيل بنقص خطير.