لم تكن الليلة قبل الماضية مجرد ليلة عادية, استمتع فيها الشعب المصري بنسمات باردة هبت عليه في ليل يوليو الساخن عادة, بل كانت ليلة صاخبة وعامرة بالحماس والاثارة, قضاها المصريون في حب منتخب غانا الذي كان يواجه منتخب أورجواي. إلا أن دراما المباراة وخسارة غانا في نهاية المطاف احزنت المصريين في كل ربوع الوطن, لكن لسان حالهم يقول لا تحزن يافريق مونتاري انها جابولاني. ولعل ذاكرة الساحرة المستديرة ستحتفظ طويلا بظاهرة خروج الجماهير في مدن افريقية عقب مباراة الليلة قبل الماضية لتهتف باسم منتخب غانا رغم خروجه من المونديال مثلما حدث في مدينة واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو فيما لم تختلف المشاعر سواء في شوارع المحروسة او كوناكري ناهيك عن العاصمة الغانية اكرا فقد كان فريق النجوم السوداء قاب قوسين او ادني من الوصول للمربع الذهبي لمونديال2010 لأول مرةفي تاريخهم وتاريخ القارة السوداء. وبضربات الجزاء الترجيحية وحدها تمكنت اورجواي من الصعود لدور الأربعة بعد ان فازت علي منتخب غانا بأربعة اهداف مقابل هدفين فيما استمرت المباراة الأصلية اضافة لشوطيها الاضافيين بتعادل بهدف واحد لكل فريق وكان الغانيون هم السباقين بالهدف الأول الذي احرزه علي سولي مونتاري من قذيفة رائعة في نهاية الوقت بدل الضائع للشوط الأول. ولم تنجح اورجواي في التعادل مع النجوم السوداء الا بركلة من ديجو فورلان في الدقيقة الخامسة والخمسين وبدت كرة المونديال المسماه بالجابولاني وقد ساعدت هذا الفريق الأمريكي اللاتيني في التعادل بعد ان تسببت بمواصفاتها الغريبة في خداع حارس المرمي الغاني ريتشارد كينجسون الذي ادي مباراة كبيرة ونجح في انقاذ مرماه من عدة كرات خطيرة. وعبر ديجو فورلان مهاجم اورجواي عن حقيقة مشاعره وموقف فريقه في هذه المنازلة المثيرة علي المستطيل الأخضر مع النجوم السوداء بقوله:كنا نشعر انه سيغشي علينا بعد كل ركلة جزاء ترجيحية..كانت مباراة لم اعرف مباراة اصعب منها.وبدا منتخب النجوم السوداء الأقرب لتحقيق حلم الصعود للمربع الذهبي لمونديال2010 فيما سدد اسامواه جيان الكرة في العارضة لتضيع ركلة جزاء من غانا في الدقيقة الثانية من الوقت المحتسب بدل الضائع وفي لحظة قاتلة عقب انتهاء الوقت الاضافي لواحدة من اكثر مباريات العرس الكروي العالمي اثارة وتشويقا. واذا كانت مدرجات ملعب سوكر سيتي قد اشتعلت حماسا من المشجعين الأفارقة لمنتخب النجوم السوداء فان الأمر لم يختلف خارج هذا الملعب علي امتداد القارة السمراء من ارض الكنانة لبلاد البافانا بافانا حيث اتحد الأفارقة علي قلب رجل واحد وكانت الليلة الماضية بحق ليلة افريقية في حب الكرة الغانية كممثلة لكل افريقيا في مونديال.2010 وكانت دراسة اجرتها مؤسسة نيلسون للأبحاث قد كشفت عن ان المصريين هم اكثر الشعوب في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط متابعة لمباريات مونديال2010 كما انهم يحتلون المركز الثاني علي مستوي القارة الافريقية كلها بعد جنوب افريقيا المضيفة للعرس الكروي العالمي فيما جاؤوا في المركز الثامن علي مستوي العالم كله. ولئن ذهب لاعب خط وسط المنتخب الأمريكي لاندون دونوفان الي انه فخور بأداء فريقه في مونديال2010 فيحق بالتأكيد لعلي مونتاري المحترف في فريق انتر ميلان الايطالي ورفاقه من النجوم السوداء ان يشعروا بكل الفخر لأنهم اقصوا الأمريكيين من دور ال16 في هذا المونديال ولعبوا مباراة كبيرة في دور الثمانية كانوا فيها اكثر من ند لمنتخب اورجواي. ويحق لغانا ولكل الأفارقة ان يشعروا بالفخر فيما تتوالي تعليقات ابرز نقاد كرة القدم في العالم مؤكدة ان منتخب اورجواي افلت بأعجوبة من هزيمة امام النجوم السوداء وصعد بمعجزة غريبة حقا لأول مرة منذ40 عاما لدور الأربعة في المونديال بعد ان بدا وسط الهجوم الغاني الكاسح احيانا يشعر بأنه مهزوم لامحالة. وبالقدر نفسه فان دموع النجوم السوداء غالية علي شعبهم وعلي كل الأفارقة وهم يودعون العرس الكروي العالمي دون تحقق حلمهم في الصعود للمربع الذهبي فيما قال اسامواه جيان الذي هز مشاعر الملايين عبر القارة السمراء بدموعه عقب المباراة:انه الحظ وسوء الطالع وحده..فقد كنا الأقرب للفوز وكنا نشعر بذلك..لكنها كرة القدم. وجاء الصمت الرهيب الذي خيم علي ملعب سوكر سيتي في جوهانسبرج بعد هذه المباراة التي ستبقي طويلا في ذاكرة الساحرة المستديرة ليحمل الكثير من المعاني من بينها الشعور الافريقي الجارف بالتعاطف والاحترام للنجوم السوداء التي رفعت رؤوس الأفارقة علي المستطيل الأخضر وخرجت من المونديال بعد ان تركت علامة حقيقية في هذه البطولة. وكان نيلسون مانديلا الزعيم التاريخي لجنوب افريقيا ورئيسها السابق قد حرص علي توجيه التحية لمنتخب غانا باعتباره الفريق الذي يمثل كل الأفارقة في المونديال بعد الخروج المتوالي لمنتخبات جنوب افريقيا ونيجيريا والجزائر والكاميرون وكوت ديفوار. واصدر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب افريقيا بيانا عقب المباراة اشاد فيه بأداء منتخب غانا مؤكدا ان النجوم السوداء برهنوا علي ان الكرة الافريقية قادرة علي التنافس عالميا علي ارفع المستويات وانها مؤهلة لأن تحقق نتائج افضل في مونديال البرازيل2014 ولم تكن تعليقات الشارع المصري عقب هذه المباراة لتختلف عن تعليقات بقية الأفارقة كما تتوالي عبر تقارير وسائل الاعلام العالمية مثل ذلك المواطن المصري البسيط الذي قال: كنا نشجع غانا من اعماق قلوبنا..لقد شرفونا ورفعوا رؤوس الأفارقة في هذا المونديال..احيانا تكون كرة القدم غير عادلة في نتائجها وهذا ماحدث مع منتخب غانا..النجوم السوداء جديرة بكل الحب والاحترام والتقدير, وقبيل مباراة النجوم السوداء مع منتخب اورجواي كانت صيحة كلنا غانا تتردد بقوة علي امتداد القارة السمراء من ارض الكنانة وحتي بلاد البافانا بافانا حيث العرس الكروي العالمي فيما استرعت هذه الصيحة اهتمام وسائل الاعلام العالمية ووكالات الأنباء الدولية التي تتحدث عن الروح الافريقية في مونديال2010. واذا كان منتخب غانا الشهير ببرازيل افريقيا قد خرج من المونديال بعد اداء مشرف وقوي فان البرازيل ذاتها ودعت البطولة لتصيب عشاق كرة السامبا بحالة من الوجوم بعد ان تمكن منتخب هولندا من الفوز علي البرازيليين بهدفين مقابل هدف واحد لتصعد الطاحونة البرتقالية للمربع الذهبي. وضاعف خروج منتخب البرازيل من مونديال2010 من احزان الأفارقة الذين تأثروا الليلة الماضية خروج المنتخب الافريقي الوحيد الذين كان يمثلهم في البطولة بينما يحمل اغلبهم عشقا للكرة البرازيلية وفنون السامبا علي المستطيل الأخضر. وكانت دراسات بحثية قد اظهرت ان منتخب البرازيل يحظي بأعلي نسبة توقعات للفوز بمونديال2010 والتتويج بلقب بطولة كأس العالم للمرة السادسة في تاريخ كرة السامبا. وجاء الاداء البرازيلي خلال مونديال2010 شاحبا ومخيبا لأمال الجماهير الأفريقية التي تشعر باعجاب يكاد يصل لحد الشغف بكرة السامبا فيما كان شعب جنوب افريقيا بعد خروجه منتخب الأولاد من الدور الأول للعرس الكروي العالمي لايشجع الا منتخبي غانا والبرازيل. واذا كان نقاد يتحدثون في سياق خروج البرازيل من دور الثمانية لمونديال2010 عن تغيرات جوهرية في الخريطة الكروية العالمية والمنافسات المونديالية, فالأمر المؤكد بعد مافعلته النجوم السوداء في العرس الكروي العالمي ان الأفارقة لم ولن يعودوا يتامي علي مائدة المونديال.