توقفت طويلا أمام تصريح الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار, الذي يؤكد فيه بقاء كل شركات قطاع الأعمال في حوزة الدولة وأنه لا نية لديها لطرح أي شركة من هذه الشركات لمستثمر رئيسي في الوقت الحالي, بما فيها الشركات الخاسرة, لكنه لم يستبعد إمكان إجراء طرح جزئي لنسب صغيرة من بعض الشركات للمصريين فقط في اكتتاب عام مع احتفاظ الدولة بأغلبية حاكمة فيها. من ناحية أخري فقد أشار الوزير إلي أن السلطات الإدارية بالمحافظات هي صاحبة الحق في الموافقة علي تغيير تخصيص الأراضي التابعة للشركات من نشاط إلي آخر وأن أي مستثمر لا يستطيع تغيير تخصيص نشاط إحدي الشركات من صناعي إلي عقاري دون الحصول علي موافقة الجهة الإدارية المختصة. ثمة قراءة نراها مهمة وضرورية فيما جاء بهذا التصريح الذي يشي بجلاء بعدة حقائق جد مهمة, لا لبس فيها, نرصدها علي النحو التالي: أولا: تنبهت الدولة( وإن جاء ذلك متأخرا) إلي أن انتهاج اقتصاد السوق لا يعني الفوضي وأن تشجيع الاستثمار لا يعني بيع الشركات لبعض الذين يسمون أنفسهم مستثمرين أجانب فإذ بهم هواة أو بالأحري حواة لهم أجنداتهم الخاصة التي هي أبعد ما تكون عن الاستثمار, ولكنها تندرج يقينا تحت مسميات أخري كالجشع والمضاربة وتصقيع الأراضي والتربح من فروق الأسعار وناهيك عن أكل حقوق العمال جهارا نهارا فلم نر تطويرا ولا تنمية في الشركات التي تم بيعها وهو ما تجلي في عدم ظهور سلع جديدة لهذه الشركات في السوق المصرية, مما حدا بالدكتور زكريا عزمي البرلماني وأحد أقطاب الحزب الوطني إلي أن يصرخ بأعلي صوته تحت قبة مجلس الشعب:( لعن الله الخصخصة وحرامية الخصخصة). ثانيا: من المعروف أن عقود تخصيص الشركات التي بيعت تضمنت نصا صريحا مفاده عدم الإضرار بالعمالة الموجودة بالشركات, وعدم فصل العاملين تحت أي مسمي, ولكن الممنوع يصبح في كثير من الأحيان متاحا وممكنا, والدليل علي ذلك ما نشرته الأهرام من انه في الفترة من مايو2009 وحتي إبريل2010 تم فصل وتشريد67 ألفا و884 عاملا من الشركات التي خصخصت.. وهؤلاء وأسرهم بلا ريب ضحايا للخصخصة التي تمت علي طريقة السداح مداح من سوء تخطيط وهرولة غير مبررة لبيع شركات كان من بينها شركات ناجحة بكل المعايير الاقتصادية. ثالثا: إن ما جاء في تصريح وزير الاستثمار يعيد الأمور إلي نصابها, فإن رفع الدولة يدها وغيابها عن السوق والاستثمار كان خطأ بكل المقاييس. ولا غرو فقد حذر آدم سميث الذي يعد من أكبر منظري الرأسمالية من مغبة وتبعات غياب الدولة عن مراقبة الأسواق والاستثمار وترك الحبل علي الغارب لجشع التجار ورجال المال, وليس ببعيد عنا ما اتخذته حكومات الدول الرأسمالية من إجراءات رقابية صارمة علي البنوك والمؤسسات المالية إبان الأزمة المالية العالمية الأخيرة, وهي إجراءات وصفها البعض تندرا بأنها حلول اشتراكية لمشاكل الرأسمالية. رابعا: لا شك في اننا نتفق مع رؤية الحكومة بالتريث وإعادة الحسابات في مسألة الخصخصة لتجنب مشاكلها ومثالبها مستقبلا, ولكننا نتحفظ علي جزئية إمكانية تغيير تخصيص الأراضي التابعة للشركات من نشاط إلي آخر, حتي ولو كان هذا التغيير مرهونا بموافقة السلطات الإدارية بالمحافظات. إن القاصي والداني يعلم كم تربح بعض( المستثمرين) من بيع هذه الأراضي حتي أن بعضهم قد انتقل من خانة المقترضين من البنوك إلي خانة المليارديرات( تم بيع إحدي الشركات بكل أصولها بمبلغ225 مليون جنيه, وفي اليوم التالي قام المالك الجديد بعرض أرض الشركة فقط للبيع ب4 مليارات جنيه!!), كذلك فإنه لا يخفي حجم الفساد الموجود في المحليات. لذا فإننا نري أهمية عدم جواز تغيير تخصيص الأراضي التابعة للشركات التي يتم بيعها إلا إذا اقتضت المنفعة العامة ذلك وبقرار من مجلس الوزراء ونزعم أن هذه هي الضمانة الوحيدة للحيلولة دون تحول الاستثمار إلي استنهاب إن جاز هذا التعبير. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية