1 كانت القرية الأولي التي ابدا منها جولتي اسمها دنوشر وهي خارج حدود المحلة ومدخلها علي سكة سفر. علي يمين هذا المدخل الرئيسي كانت شونة صغيرة اجولة قمح وحولها سور من سلك شائك. وفي الناحية اليسري يوجد دكان صغير اسفل مبني لم يكتمل من الطوب الأحمر واعمدة المسلح النحيلة العارية, ابوابه الخشبية المدهونة بلون ازرق باهت مفتوحة إلي الجانبين, وامامه عدة طاولات مدهونة بلون الباب ومقاعد قديمة من القش مرصوصة كلها في ظل شجرة البانسيانا هي والزير الكبير, في موعد وصولي صباحا اصادف واحدا شبه نائم, اولا احد علي الاطلاق. اتقدم بالدراجة في هذا المدخل المنحدر, تلاحقني صفارة وابور الطحين المتقطعة. 2 مداخل القري لاتشبه مدخل القرية الأولي, اتقدم بالدراجة علي المدقات الضيقة التي تحفها الترع أو القنوات الضيقة من ناحية, والحقول المزروعة أو غير المزروعة اظل اتقدم حتي اصل إلي دوار العمدة حيث صندوق البريد الصغير المعلق انتهي من عملي واستمر مغادرا الزمام حتي اصل القرية الأخري. كل القري متشابهة: الرائحة الحارة التي اشمها اثناء مروري واشعر بها إذا ما غادرت إلي الهواء الطلق, الفلاحون القلائل الذين اصادفهم في ذلك الوقت من النهار متشابهون ايضا, الدور المقامة من الطوب اللبن, وتلك الطبقات العالية من عيدان الذرة الجافة التي تغطي اسطحها, البوابات المتسعة قليلا والتي تنحدر إلي حوش الدار شبه المعتم والذي ألمح في نهايته بابا من خشب, وعلي مقربة منه, غالبا, مدخل آخر مفتوح, علمت انه في هذه الحالة يكون مدخلا للزريبة. كل القري اذن متشابهة أكثر الدور التي أمر بها لها طابق ثان به حجرة واحدة علي الواجهة لها نافذة مغلقة يسمونها المندرة, بعد ما تسلم مني خطابا اصر شاب من عمري علي دعوتي لشرب الشاي في داره, صعدنا سلما طويلا في جانب من الباحة الداخلية المفتوح نصفها علي السماء, ورأيت الكانون والحصير المفروش والصندوق الكبير والزير ومدخل القاعة المفتوح, ولما مشينا علي الجزء المغطي من السقف وجدته يهتز ويلين تحت قدمي, وعند الواجهة كان الجزء المغطي من السقف وجدته عليه حجرة مبنية بالطوب باللبن ومطلية بالجير الاخضر الباهت. اخرج مفتاحا وفتح الباب, كان الهواء مكتوما وطاقم من المقاعد المكسوة القديمة وفي الجدار طاقة مستطيلة مسدودة بها بعض الكتب ولفافات من الورق, فتح النافذة وجلسنا ندخن ونتكلم ثم سمعت نقرا علي الباب وخرج هو وعاد بصينية نحاسية عليها اطباق من البيض المقلي وقطع الجبن القديمة والقريش وصحن من العسل الاسود وارغفة رقيقة بيضاء, وبعدما أكلنا دخنا مرة اخري وشربنا الشاي وانصرفت. 3 بالأمس شاءت الظروف ان اتعرف عن قرب علي ذلك الحمار الذي يركبه سليمان ليمر به علي مجموعة القري الموكلة إليه, وهي المعرفة التي جعلتني اعيد النظر بالحمير جميعا, انا الذي تصورت ان هذا المخلوق مجرد نسخة واحدة تم تكرارها. والحمار طبعا, كان متوافرا داخل الخمس عشرة قرية التي امر بها, مركوبا, او خالي الظهر أو محملا بالزرع أو بالطين, بل هو متوافر داخل المدينة ذاتها, اينما وليت وجهك لابد ان يصادفك حمار. كان ذلك هو الأمر حتي أمس, عندما عدت ووجدت سليمان عاد قبلي والتقينا في حديقة المكتب وقفنا نتكلم علي جانب, اثناء ما كنا نضحك فوجئت بمن يدفعني في مرفقي من الخلف, وعندما استدرت رأيت حمار سليمان وهو يباعد ما بين شفتيه وينظر إلي بعينين جميلتين وقد ارتسمت علي وجهه المرفوع ابتسامة لاشك فيها, تراجعت إلي الوراء ورحت اتأمله, واجسام الحمير كلها تمتد مع رقبتها وسطح دماغها المدلي في خط افقي, بينما وقف هذا في بردعته التي كساها سليمان بقطعة من القطيفة الخضراء وقد رفع رقبته إلي أعلي ومال بوجهه ناحيتي وهو يهزه مبتسما وقلت. إيه الحكاية دي هو الحمار بيضحك ولا إيه؟ سليمان قال طبعا الحمير ميش زي بعضها وللكلام, غالبا بقية..