1 بعدما شربنا الشاي الذي أعده الساعي وديع وقدمه لنا في كوبين أحدهما أكبر من الآخر, علي صينية من الصاج النظيف, حملت حقيبتي واستأذنت مدير المكتب في الانصراف. وهو هم بالقيام وقال: الحضور الساعة ثمانية. معاهم يا عبدالغفار. وعبد الغفار لحقنا. قلع الطربوشي. أمسكه في يده ولحقنا. 2 كانت ترعة كبيرة تمتد بالعرض وتفصل ما بين الأرض التي يوجد بها محطة السكة الحديد والمكتب وبين المدينة, ونحن عبرنا الجسر بسياجه الحديدي إلي الناحية الأخري حيث الطريق الذي يمتد موازيا لهذه الترعة, وعبد الغفور رفع يده التي تحمل الطربوشي وقال: طريق البحر. ثم توقف وقال إن كل المقاهي التي تطل علي الماء هي مقاهي البورصة. واتجهنا الي الشارع الكبير في مواجهة مدخل الجسر وقال إنه شارع العباسي, أهم شوارع المحلة. وبعدما تقدمنا توقف والتفت إلي الناحية اليسري وأشار إلي لوكاندة تعلو مطعما صغيرا وقال إن كل الزملاء الجدد ينزلون فيها حتي يستأجروا سكنا, وأنها قريبة وأسعارها معقولة. ورحنا نواصل المشي علي مهل. كان عبد الغفار سعيدا وهو يقودنا ويطوح الطربوشي في يده ويلقي التحية علي أصحاب بعض المحلات والورش المفتوحة التي كانت تشغل الأدوار الأرضية ويريد منهم أن يرونا برفقته. وكانت عربات قليلة مركونة علي الجانبين وأعداد قليلة من الناس تمشي في عرض الشارع أو علي الرصيفين. ظللنا هكذا حتي وصلنا إلي تقاطع كبير لشارع أخبرنا أن اسمه البهلوان. في الناحية اليمني منه كان موقف الحناطير: أي واحد عاوز حنطور, لا يبحث إلا هنا. في الناحية اليسري دعانا إلي مقهي له شرفة مفتوحة علي الشارع. جلسنا ووضع ساقا علي ساق ولبس الطربوشي واعتذر عن سجائرنا وأخرج علبة دخانه وأصر أن يلف لنا سيجارتين مع القهوة. عندما كنا نحتسيها نظر وقال إن هذه هي الكنيسة, وإن هذا جامع أبو الفضل, هذه هي مدرسة الأقباط. 3 في المطعم, عملنا بنصيحة عبد الغفار وتناولنا طاجنين, كانا من الفخار الساخن وممتلئين باللحم والبطاطس, وصحون من الباذنجان الأسود المتبل بخليط من الفلفل الأحمر والأخضر والكمون والمنقوع في الخل والليمون المعصور, وكان العيش طازجا, ونحن أكلنا بشهية وشربنا الشاي ودخنا. وتوفيق أصر علي دفع الحساب ثم صعدنا إلي اللوكاندة من المدخل المجاور للمطعم. كانت الحجرة بالطابق الأول فوق الأرضي. الدرج من الخشب وكذلك الدرابزين. كان عامل اللوكاندة يرتدي السترة علي الجلباب ويسبقنا إلي أعلي وهو يحمل حقيبتي. في الطرقة الطويلة توقف وفتح باب الحجرة رقم35 سبقنا ووضعها علي الفراش وأضاء النور. أعطيته قرشين فتهلل وقال محسوبك رزق, أي شيء تريده اضرب الجرس أكون عندكم بعد دقيقة واحدة: وبعدين القهوة والمطعم تحتكم علي طول. أحسن حاجة تطلبها في الغدا طاجن باللحم, وتقدر تدفع بالشهر. كل زمايلك عندهم حساب بالشهر. وتركنا وانصرف. 4 كانت الحجرة متسعة, وهناك سريران يواجه كل منهما الآخر بملاءات نظيفة ومشدودة, ودولاب بني من الخشب القديم الناعم وفي وسطه مرآة بيضاوية صغيرة وصافية, وفي الناحية الأخري كانت منضدة صغيرة عليها أباجورة مطفأة وراءها مقعد. اتجهت إلي باب البلكونة وفتحته فهبت علينا أصوات الشارع الرئيسي وبرودته. وهناك في أقصي اليمين كان مبني البريد يبدو واضحا وفروع الأشجار الكبيرة في حديقته مائلة عليها, وعندما ملت أكثر علي السور رأيت قوس الجسر الخشبي الذي يعبر الترعة إلي شارع العباسي, وإحدي عربات الكارو تنحدر إلي يسار البلدة وتختفي. 5 دخنا مرة أخري ونحن نتفرج من البلكونة علي الشارع, ثم أغلقنا بابها واستلقي كل منا علي سرير. أنا ارتديت بنطلون البيجامة وتوفيق قلع السترة والقميص وظل بالبنطلون. أردنا أن نرتاح قليلا سهرنا مع حمادة طول الليل. وللكلام, غالبا, بقية [email protected] المزيد من مقالات إبراهيم اصلان