1 عزيزي جونيور. تحياتي. يوم الخميس الماضي, صباحا, جاء توفيق ليرافقني الي المحلة الكبري, وانا ودعت امي واخوتي, وحملت حقيبتي وتركنا البيت الي محطة السكة الحديد, وها انا اكتب لك بمنتهي الدقة, حسب رغبتك, عن كل ما جري. 2 غادرنا القطار في محطة طنطا, وانا رأيتها اكبر من محطة مصر, لان فيها قطارات كثيرة جدا, وبعدما جلسنا بمقهي في ميدان الساعة, علي مقربة من السيد البدوي, تناولنا الافطار وشربنا الشاي, ثم قمنا وركبنا قطارا آخر الي المحلة الكبري. كنت اجلس الي جوار الشباك وتوفيق الي جواري والغيطان لا اول لها ولا آخر. ورغم ان المسافة لم تكن تتجاوز نصف الساعة فقد توقف القطار في عدة قري, كنت أقرأ اسماءها في اللافتات المنتصبة علي أرصفة محطاتها الصغيرة: الرجدية, شبشير الحصة, محلة روح, صفت تراب, منية شنتنا عياش, ثم توقف في المحلة الكبري. 3 غادرنا القطار, وعبرنا الحصي في رائحة الزيت المحروق والقضبان الممتدة. وتجاوزنا الرصيف الي الجانب الآخر. كان المبني الحجري شبه المدور مثل قصر صغير في الناحية اليمني كما وصفوه لي بالضبط, بسياجه القصير المزروع, وحديقته التي تباعدت فيها الاشجار العالية, وكانت اللافتة البيضاوية الزرقاء واضحة من هنا, وهي معلقة اعلي المدخل المفتوح, وقد كتب فيها بالابيض كلمة بوستة. اتجهنا الي هناك, وتقدمنا علي الارض شبه الموحلة في الحديقة غير المعتني بها, ولاحظت ان جدار المبني الاصفر كان مبتلا من مياه الامطار التي توقفت بينما بقع اخري كانت قد جفت من شمس الشتاء الخفيفة التي تغرب, ثم تسطع من جديد. ودخلنا من الباب و قلت: سلام عليكم. 4 كنا في منتصف اليوم تقريبا. كانت مجموعة من اللمبات المحمرة متباعدة في القاعة الكبيرة الدافئة, ورئيس المكتب عاكف في عمق الناحية اليسري علي مجموعة من الاوراق وراء مكتب عريض من الخشب البني المصقول, وهو نظر الي من اعلي نظارته وقال: عليكم السلام. تقدمت اليه ووضعت حقيبتي وأعطيته خطاب التعيين, وبينما يطالعه اتجهت الي أقرب المقاعد وطلبت من توفيق ان يجلس وجلس. وكانت طاولة كبيرة تتوسط المكان عليها كومة من الخطابات ومجموعة من الختامات المفتوحة, والاختام ذات الايدي الخشبية, وهناك عدة أجولة مركونة عند الجدران وممتلئة بالخطابات, ومختومة بالشمع الاحمر, وكانت الجدران كلها عبارة عن خانات القيت فيها الخطابات وفي الركن كومة من الطرود الكرتونية والمغلفة بالخيش او القماس وصندوقان كبيران من اعلي يستقبلان الرسائل التي يدسها المارة عبر الشقوق الموجودة في جدار المبني من الخارج. وفي الركن البعيد كان شاب نحيل في بدلة رمادية كاملة, ويضع علي رأسه طربوشا احمر الوحيد الذي رايته هكذا حتي الآن كان يجلس منحرفا علي إحدي الطاولات المنخفضة, وقدمه القريبة مرتفعة والاخري مستندة الي الارض, وبين يديه علبة دخان مفتوحة من الصفيح. انتهي من لف سيجارة واقترب مني ومدها الي مبتسما وقال: اهلا وسهلا. انا زميلك عبد الغفار. وقلت: وأنا عبد الله. قال: من مصر طبعا. قلت: آه والتفت الي توفيق وقلت: توفيق, صاحبي قال: اهلا وسهلا, ولف له سيجارة اخري. وعلي فكرة, مدير المكتب رجل قصير جدا وراء المكتب لكنه انيق جدا ويرتدي بدلة من الصوف الرمادي الثقيل وصديري من نفس القماش وربطة عنق كحلي وبها زهور صغيرة حمراء, وفي جيب الصدر منديل بنفس الالوان. أخبرني انني سوف استلم العمل بعد غد. كنا يوم الخميس كما أخبرتك, وكان علي ان أختار إن كنت سوف استخدم الدراجة او الحمار, وان زملائي سوف يعاونوني في هذا الامر, قال: معاك عفش؟ قلت إنه سوف يصل خلال أيام, وقال انه لا توجد مشكلة: ممكن تقعد اليومين دول مع حد من زملائك, او تنزل في لوكاندة انت وصاحبك وديع. انت يا وديع. ورأيت بابا صغيرا يفتح في الجدار, ويقف في فتحته رجل عجوز بفانلة طويلة الاكمام وطاقية صوفية وفي جانب فمه سيجارة بنية معوجة. وقال المدير: اعمل شاي للطواف الجديد وصاحبه. ووديع التفت ثم أغلق الباب. وللكلام, غالبا, بقية.