فارق كبير بين الظروف التى دعت لتفريغ وسط العاصمة من الوزارات وهو القرار الذى تأخر لأكثر من 25 عاماً حينما تم إنشاء مجمع الوزارات بمدينة السادات وتشغله الأن جامعة المنوفية. وبين الظروف التي فرضت ضرورة نقل الوزارات إلي مدينة القاهرةالجديدة حاليا. لا مجال للمقارنة.. فالظروف مختلفة! فقبل25 عاما.. لم تكن الكثافة السكانية كما هي الآن.. لم تكن أزمة المرور معقدة بهذه الدرجة.. لم يكن التلوث البيئي بمعدلاته الحالية.. لم تكن العاصمة ذاتها تواجه نفس المشكلات التي تواجهها الآن! والآن: ضاقت العاصمة بسكانها.. ازدحمت شوارعها بالسيارات.. تغير هيكلها العمراني.. تدهورت حالة المباني ذات القيمة التراثية التي تشغلها الوزارات حاليا بسبب إهمال الصيانة! نقل الوزارات خارج وسط العاصمة, سوف يتحول إلي حقيقة بعد5 سنوات, لكن.. ونحن نستعد للنقل قد يتساءل البعض: كيف سيكون شكل العاصمة بعد نقل هذه الوزارات؟.. وما هي سيناريوهات التعامل مع هذه المنطقة التاريخية؟.. وكيف سيتم استثمار المباني ذات القيمة التراثية التي تشغلها الوزارات حاليا في وسط العاصمة؟.. وكيف سيذهب الجمهور المتردد علي هذه الوزارات إلي مقرها الجديد؟.. لا تتعجلوا فالاجابة تأتي في السطور القادمة: مشكلة الزحام, والتكدس في منطقة وسط البلد, كما يقول المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة أصبحت مزمنة, ولذلك اتجهنا إلي التفكير في نقل الوزارات, والمصالح الحكومية من هذه المنطقة إلي منطقة أخري في الجهة المقابلة للقاهرة الجديدة من الطريق الدائري, وقد تم تخصيص1500 فدان لنقل13 وزارة كمرحلة أولي, بالاضافة إلي انشاء مقر إضافي جديد لمجلس الوزراء, وهذه المساحة هي نفس مساحة منطقة وسط البلد, والقصر العيني, وجاردن سيتي, والمشروع الجديد ليس مجرد نقل وزارات, وإنما هو وسط مدينة جديدة للقاهرة, يتضمن الحي الحكومي, وحديقة كبيرة علي مساحة220 فدانا, ومنطقة إدارية للشركات, والبنوك, والجهات الدولية التي ترغب في أن تكون قريبة من مقر الوزارات, بالاضافة علي تخصيص مساحات لانشاء المساكن, والأنشطة التجارية, والتعليمية. وسوف يستغرق تنفيذ المشروع والكلام مازال لوزير الاسكان مدة زمنية تتراوح بين12 عاما و15 عاما, علي أن يتم الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولي والتي تتضمن نقل13 وزارة خلال5 سنوات من بدء التنفيذ, وخلال عام من الآن سوف يتم الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي, وسوف يتم تنفيذ هذا المشروع بنفس فكرة القرية الذكية, حيث ستتولي شركة إدارته, وتنفيذه, وسوف يغطي المشروع تكاليفه بالكامل, ويدخل في حسابات التكلفة إنشاء خط مترو يبدأ من منطقة المنيب بالجيزة, مرورا بالنيل, حتي يصل إلي المقرات الوزارية الجديدة في القاهرةالجديدة, وبذلك لن تتحمل ميزانية الدولة أية أعباء لتنفيذ هذا المشروع الضخم. الضغط البشري وتأتي قيمة هذا المشروع وفوائده الضخمة كما يقول الدكتور مصطفي مدبولي رئيس هيئة التخطيط العمراني من أنه سوف يقلل من الزحام والتكدس المروري في منطقة وسط البلد, فعملية نقل الوزارات سوف تشمل نقل60 ألف موظف يعملون في ال13 وزارة التي سيتم نقلها, والتي يتردد عليها نحو100 ألف مواطن يوميا, وهذه القوة البشرية سواء من الموظفين والجمهور سوف تنتقل بكاملها مع الوزارات إلي المقر الجديد, وبالتالي سوف يقل الضغط علي هذه المنطقة. رئة جديدة للعاصمة أما طموحنا للقاهرة الخديوية, بعد نقل الوزارات, هو أن تصبح منطقة سياحية, وتجارية, وثقافية, وترفيهية, تحافظ علي تاريخها, وتجعلها بمثابة متنفس جديد لمنطقة وسط البلد, فضلا عن التوسع في إنشاء جراجات تحت الأرض في كل الميادين الرئيسية بهذه المنطقة, كجراج ميدان التحرير, الذي سوف يتم افتتاحه خلال عامين, وآخر تحت ميدان باب اللوق, وثالث أسفل ميدان عابدين, وخامس تحت ميدان الأوبرا, وجراجين في أسفل منطقة الأزبكية, وميدان رمسيس, وبالتالي سوف يتم منع انتظار السيارات في قلب القاهرة تدريجيا, كما سيتم تحويل بعض شوارع وسط القاهرة إلي مشاة فقط, وبذلك سيتم تحويل أجزاء من شوارع قصر النيل, وسليمان باشا( طلعت حرب) وعبدالخالق ثروت للمشاة فقط, ويمنع فيها مرور السيارات نهائيا. القاهرة الكبري وبشكل عام, يري الدكتور طارق وفيق أستاذ التخطيط البيئي والعمراني بجامعة القاهرة, التوجه نحو نقل الوزارات بأنها خطوة ضرورية, ومهمة لتخفيف الأعباء المرورية عن منطقة وسط البلد, فضلا عن إعادة تخطيط هذه المنطقة كبؤرة ثقافية, وحضارية, ورئة خضراء للعاصمة, لكن هذا الحل يمثلا علاجا موضعيا وليس استراتيجيا, فالمشكلة تتعلق بالقاهرة الكبري ككل, والتي يقيم فيها نحو25% من سكان مصر, وليس منطقة وسط البلد وحدها, وإذا كنا لا ننكر جهود الدولة في إنشاء المدن الجديدة في شرق القاهرة, وغربها, فإنه ينبغي عدم التوسع, وعدم تكثيف العمران في منطقة القاهرة الكبري بالكامل, والاتجاه نحو فتح جبهات عمرانية جديدة في مناطق أخري خارج القاهرة. معايير نقل الوزارات وبشكل خاص يعتقد الدكتور عبدالمحسن برادة عميد كلية التخطيط العمراني السابق وأستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة أن تقوم فكرة نقل الوزارات من وسط المدينة إلي مقرها الجديد في القاهرةالجديدة علي انتقاء هيئات, ومصالح, وإدارات, في كل وزارة, وليس نقل كل الكيان بالكامل, وعلي ذلك ينبغي دراسة حالة لكل وزارة يمكن نقلها, بحيث يتم حصر عدد المترددين عليها, وعدد الموظفين العاملين بها, فضلا عن ضرورة إعداد تصور لمرحلة ما بعد النقل من حيث التعامل الجماهيري مع هذه الوزارات, بما ينبغي معه توفير خطوط المواصلات الحكومية اللازمة لانتقال الجمهور, وإذا كان الهدف من نقل الوزارات هو تخفيف التكدس والزحام في منطقة وسط البلد, فإنه من الضروري ألا تتحول مناطق الوزارات المنقولة علي شركات وفنادق لأنها سوف تعيد الزحام والتكدس مرة أخري, وبالتالي لا تكون هناك جدوي من عملية نقل الوزارات. يتفق معه, الدكتور ممدوح حمزة الاستشاري المعروف, والأستاذ بكلية الهندسة جامعة قناة السويس فهو يري أن النقل لابد أن يستثني مقر مجلس الوزراء, ومجلسي الشعب والشوري, لان هذه المقرات هي رمز العاصمة, لكنه يري أنه اذا كان الهدف من نقل الوزارات هو حل أزمة المرور, وتخفيف الضغط المروري في هذه المنطقة, فهذا لن يتحقق, مشيرا إلي أن أزمة المرور ترجع إلي تكدس السيارات في الشوارع, وعدم وجود أماكن لانتظارها, مما يؤدي علي احتلال السيارات نهر الطريق, فتنخفض سرعة السيارات إلي الثلث تقريبا, فضلا عن الخلل في منظومة المرور علي الطرق الطوالي كطريق صلاح سالم, وغيره من الطرق المماثلة, إلي جانب مشكلة التقاطعات, والدخول العشوائي إلي الكباري العلوية, وبذلك فإن نقل الوزارات سوف يحجب عن القاهرة نحو160 ألف نسمة فقط من إجمالي18 مليون نسمة موظفين أو مترددين علي منطقة وسط البلد من القاهرة, والمحافظات المجاورة. ** كيف سيكون شكل العاصمة بعد نقل الوزارات إلي مقرها الجديد في القاهرةالجديدة؟ الاجابة جاءت في دراسة أعدها مركز استشارات البحوث والدراسات العمرانية كلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة بتكليف من الأمانة العامة لمجلس الوزراء قبل3 سنوات من الآن, لوضع التصور التخطيطي الأولي لمنطقة مربع الوزارات بقلب مدينة القاهرة, باعتبارها جزءا متكاملا من منطقة قلب المدينة, والذي من شأنه إعادة صياغة هذه المنطقة بما يرفع من مستوي أدائها لأدوارها الثقافية والخدمية والسياحية المستهدفة, في إطار تأكيد الهوية, والعراقة بالتكامل مع متطلبات التحديث المطلوبة. الاستغلال الأمثل للمباني التراثية هنا يقول الدكتور أحمد رشدي مدير مركز استشارات البحوث والدراسات العمرانية بجامعة القاهرة, إن الهدف هو حل المشاكل المرورية الناجمة عن حجم التردد المرتفع, علي منطقة مربع الوزارات( الواقعة بين شارع القصر العيني غربا والشيخ ريحان شمالا, وشارع نوبار شرقا, والمبتديان جنوبا), والتي تولد بالضرورة حجما كبيرا من حركة المركبات منها, وإليها, وكذلك تهدف الدراسة إلي الاستغلال الأفضل للمباني ذات القيمة التراثية والتي تركت دون صيانة لسنوات طويلة, فضلا عن حل مشاكل التلوث البيئي في هذه المنطقة, واستثمار هذه المنطقة بما يحافظ علي قيمتها التراثية, ويجعلها مركز جذب ثقافي, وحضاري, وثقافي, واستثماري. مربع الوزارات وتطرح الدراسة خمسة توجهات لتطوير منطقة الوزارات, الأول استثمار عقاري بحث, من خلال الاستفادة الاستثمارية المكثفة لجميع قطع أراضي الوزارات, وإعادة طرحها للاستثمار, والتوجه الثاني استثماري عقاري يقوم علي استثمار بعض مواقع الوزارات, وإعادة توظيف بعض المباني ذات القيمة التراثية, واستثمار بعض الأراضي الخاصة, أما التوجه الثالث فهو ثقافي استثماري يقوم علي فكرة الحفاظ علي المباني التراثية, وتوفير مناطق مفتوحة وخضراء, واستثمار ملكية الأراضي العامة, وإعادة تخطيط بعض المناطق ذات الملكية الخاصة داخل الموقع وعلي حدوده, أما التوجه الرابع لتطوير منطقة مربع الوزارات فهو ثقافي, ويهدف إلي الحفاظ علي بعض المباني التراثية, وإيجاد مناطق مفتوحة, واستثمار بعض المباني التاريخية, وأخيرا يأتي التوجه الخامس ويشمل الحفاظ الكامل علي المباني التاريخية كمناطق واستعمالات ثقافية, وإنشاء حدائق, ومناطق مفتوحة.