ياله من اسبوع صاخب عاشه الاناضول بأركانه الاربعة ، ففي أنقرة كان الفرح والحبور والصراخ والبكاء كل هذا في آن. فعلى بعد خطوات من بوليفار اتاتورك الشهير بوسط العاصمة حيث برلمانها الكبير ومن تحت قبته انطلقت أهازيج السعادة إبتهاجا بالنصر العظيم والذي تمثل في إقرار التعديلات الدستورية من قبل نواب الشعب ، وإذا شئنا الدقة اعضاء العدالة الحاكم فقط ، فهم الذين وضعوا البنود ووافقوا عليها دون غيرهم ، وفي ذات القاعة ارتسم الوجوم والصمت على الرافضين من الاحزاب الأخرى وكذا غالبية المستقلين ، لكن يبدو أن هؤلاء جميعا غير مهمين للفريق الذي يمتلك النصيب الأكبر من المقاعد ، فقد حسم اردوغان المشهد برمته قائلا : أن البرلمان " برلمانه " كتب تاريخ جديد للديمقراطية بتركيا. وفي اسطنبول كانت قوات الأمن تبطل مفعول قنبلة وضعها من لا يريدون أن يروا البلاد واحدة موحدة ، وهناك في الضفة البعيدة نحو مدن الشرق وتلك القريبة من الجنوب استمر مسلسل المواجهات العسكرية ضد العناصر الانفصالية الذين ينجحون بين الحين والآخر في شن هجمات وحصد الاوراح . أما الشمال فقد خرج مواطنيه حاملين الاعلام الحمراء يشيعون شهدائهم من ضباط وجنود والذين سقطوا في إنفجار لغم زرعته عناصر تابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني المحظورة إلى مثواهم الأخير وسط نجيب الامهات والشابات اللاتي أصبحن فجأة أرامل ، ولم تخل المواكب الجنائزية بطبيعة الحال من شعارات وصيحات غاضبة تلعن وبشدة ما يسمي الانفتاح الكردي والذي تبدل إلى الانفتاح الديمقراطي، فلسان حال الغاضبون كان يقول أن ما تسعي إليه الحكومة ما هو إلا مكافأة للقتلة الانفصاليين . زخم هذه الاحداث وتسارعها ، بدا لقطاع مهم في الحياة السياسية مثير للازعاج بالاضافة إلى كونه يسحب البساط من تحت أقدامهم ، ومن ثم فلابد من " فرقعة " مدوية تقلب الموازين المتعادلة رأسا على عقب ، وتعيد الخصوم الذين قويت شوكتهم ، وزادت شعبيتهم على نحو مقلق ، إلى المربع الأول ، كان التفكير الجهنمي الذي يدور وراء الكوليس ينسج خطط تسير على نهج الايطالي الشهير نيقولا ميكافيللي وكتابه الأمير ، فرغم التمسح بقيم الدين إلا أن التأويلات لا تتوقف فالضرورات تبيح المحظورات وطالما كانت النيات تحقيق أشياء مثيرة فريدة غير مألوفة والنيل من الاعداء عبدة أصنام العلمانية وقد كان لهم ما ارادوا ، وها هم الناس يستقيظون على خبر بصحيفة " وقت " VAKIT اليومية ، وهي بالمصادفة ذات ميول إسلامية ، وبالمصادفة أيضا فهي قريبة من أهل الحل والعقد ، الصورة لم تكن واضحة تماما لكن ما هو مكتوب من قصة خبرية كان كفيلا لأن يعرف القاص والدان ان المقصود هو زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال الذي اقام علاقة غير شرعية مع مديرة مكتبه السابقة " نسرين بايتوك " والتي عملت معه لمدة سبعة اعوام ، والان فهي نائبة بالحزب ذاته عن مدينة انقرة ، وسرعان ما انتقل شريط الفيديو إلى عشرات ومئات المواقع الالكترونية ، انه الضرب تحت الحزام ! أذن انكشفت الخبايا وظهر ما كان مستورا ، ووصل الصراع إلى قمة ذروته وبات السؤال إلى متى يستمر ؟ ولمن ستكون له الغلبة في النهاية ؟ نعم كانت هناك ارهاصات وبوادر لإزمة عاتية ، طرفاها هما نفسهما طرفي المعادلة السياسية الآن في تركيا الكمالية التي تناضل ضد خطط دؤوبة تنال من مبادئها ، لكن لا أحد توقع تلك القنبلة المدوية ، والتي تتابعت شظاياها باستقالة دنيز بيكال من زعامة حزب الشعب الجمهوري ، فالتوقيت قاتل لكلا المتنافسين اللذان يقفان ورائهما أجنحة ومصالح متشابكة تستخدم إسلحة الأخلاق فيها أمر غير ذي بال في البرلمان اعلن السكرتير العام لحزب الشعب الجمهوري اوندر ساف أن مديرية الامن العامة تلقت بلاغ بتاريخ 15 ابريل الماضي يفيد بوجود محاولة لاغتيال دنيز بايكال من جانبها لم تنف مديرية امن اسطنبول البلاغ بل أكدته فما هي التدابير أذن التي اتخذتها لحماية زعيم المعارضة ؟ هكذا تساءل ساف لكن دون أن يحصل على إجابة . بعدها بايام واثناء مارثون مناقشات التعديلات على الدستور تحولت إحدى الجلسات البرلمانية الى حلبة ملاكمة بين نواب الحزب الحاكم ، ونظائرهم بالشعب الجمهوري والسبب هو أن "عاكف اكيجي " النائب المعارض عن مدينة غازي عنتب المتاخمة على الحدود التركية السورية تساءل عن ممتلكات رئيس الوزراء اردوغان وكيفية وصولها الى 2 مليار دولار خلال فترة 8 أعوام منبها الحضور إلى أن اردوغان كان يعاني من مصاعب مالية لتعليم اولاده بالجامعات وكي يدلل الرجل إتهامه أورد نصا من دورية " الايكنوميست المحلية " وضعت اسم زعيم العدالة والتنمية في الترتيب الثامن بقائمة اغنياء العالم . غير أن الهجوم بالايدي لم يشف الغليل ، فاتجهوا إلى النيّل من الحياة الشخصية للمنافسين غير أن رد الفعل جاء هو الآخر غير متوقع ، وهناك كثيرون اكدوا ولازالوا على أن ما حدث ترك ظلالا على صورة العدالة الحاكم لدي الراي العام حتى وأن لم يكن له دور مباشر في صياغة وتفعيل شريط الفيديو والدليل على ذلك تعاطف المواطنون حول الشعب الجمهوري وزعيمه ، ويبدو أن الفاعلين أيا كانوا لم ينتبهوا إلى حقيقة مهمة في الواقع المعيش بعموم هضبة الاناضول وهي تقديس الحياة الشخصية للافراد ونسوا ما حدث قبل سنوات استقيظت تركيا على رحيل مطربها باريش مانشو وبكاه الشعب التركي بأسره ولم يتوقف أحد عند ظروف الوفاة والتي كانت سكتة قلبية مفاجئة داهمت الرجل وهو يستعد لقضاء ليلة حمراء ، لأنها ببساطة Ozel Haya وها هو المشهد يتكرر ومعه تؤكد تركيا من جديد إنتصارها للحياة الشخصية .