مشكلة الحدود تعد أزمة أزلية لاتنتهي بين الدول, وتوجد في منطقتنا العربية أمثلة كثيرة علي تلك المشكلة خاصة المشكلات المزمنة في الحدود بين إيرانوالإمارات العربية المتحدة وكذلك ايران والعراق والتي أدت إلي حرب دارت رحاها نحو ثماني سنوات بين البلدين. والحقيقة أن النزاع بين دولة الإمارات العربية المتحدةوإيران علي الجزر الثلاث طنب الكبري والصغري وأبو موسي يسترعي انتباه الجميع لأن منهم من يري أنه انعكاس لتقلبات السياسة الدولية, ومنهم من يعتقد أنه ترجمة لنزاع بين العرب والإيرانيين. وبتتبع تاريخ الجزر تجد نفسك أمام دراسة كاملة لتاريخ المنطقة وكأنك في رحلة عبر تاريخ منطقة الخليج العربي يكتشف المرء من خلالها وقائع إقليمية ودولية كان لها تأثير كبير في صنع تاريخ تلك المنطقة المهمة. فالجزر الثلاث أقرب للإمارات من إيران وسكانها من العرب وليس من الفرس, لكن طهران سيطرت عليها منذ انتهاء الاحتلال البريطاني.والسبب أن لتلك الجزر أهمية استراتيجية كبري في مضيق هرمز, وفيها معادن مهمة مثل البترول وأكسيد الحديد. وعلي سبيل المثال جزيرة أبو موسي بها بترول وتقع في قلب مضيق هرمز مما يجعلها قاعدة سهلة لمراقبة الملاحة في المضيق. أما جزيزتا طنب الكبري والصغري فقد تحولتا حاليا بفعل السلطات الإيرانية المسيطرة عليهما إلي قواعد عسكرية للجيش الإيراني. وقد بدأ الصراع علي الجزر بين عامي1971 و1984 وما إن أعلنت بريطانيا انسحابها من الخليج حتي بادرت إيران إلي اقتناص الفرصة فانقضت عليها في نوفمبر عام1971. واقترحت دولة الإمارات العربية المتحدة عرض القضية علي محكمة العدل الدولية, ولكن إيران تعلم أنه بقبولها لهذه الفكرة فسوف تضع ملكيتها لهذه الجزر موضع شك وتردد. وشكل مجلس التعاون الخليجي لجنة ثلاثية بهدف التوسط بين إيرانوالإمارات في هذه القضية, لكن إيران رفضت هذه اللجنة أيضا, وكل ما لدي إيران من حجج هي خريطة عسكرية قدمتها وزارة الخارجية البريطانية عام1886 لشاه إيران ظهرت فيها الجزر الثلاث وهي تنتمي للمحيط الفارسي,إلا أن هذا الدفع لايصمد أمام الحقائق التالية. أن هذه الخرائط من الخرائط الخاصة التي تستخدم في الملاحة البحرية وليس لأغراض ترسيم الحدود الدولية وأن القاعدة بالنسبة للخرائط المتعلقة بأقاليم المنطقة تؤكد عروبة الجزر الثلاث, كما أن هناك خريطة إيرانية صادرة عام1955 أشارت بوضوح إلي أن الجزر الثلاث تتبع لإماراتي الشارقة ورأس الخيمة. كما أن الاعتماد علي الخرائط البريطانية لايستقيم خاصة أن بريطانيا اعترفت بتبعية الجزر للجانب العربي وليس لإيران. وحتي الخارجية البريطانية قد اعتبرت الخريطة التي تستند إليها إيران خطأ غير مقصود. ومما يكشف حقائق تلك الجزر أن إيران طلبت من قبل عام1930 استئجار تلك الجزر من إمارة رأس الخيمة. ويعني هذا أن حل نزاع الجزر الثلاث لن يتم إلا من خلال الحوار بين الجانبين الإماراتيوالإيراني والاتفاق علي أرضية مشتركة, علي أن يكون هذا الحوار مباشرا لأن بهذه الطريقة فقط يمكن حل المشكلة. وثمة مشكلة حدودية أخري بين إيران والعراق في منطقتنا العربية, والحقيقة أن تلك المشكلة قديمة متجددة وقد تم بحث هذه المشكلة مرارا, وتوصل الجانبان إلي اتفاقات محددة لكن الأطماع الإيرانية كانت تحول دون تنفيذ تلك الاتفاقيات. وفي الواقع فالعلاقات بين إيران والعراق تتسم بالتوتر منذ أكثر من1300 سنة فقد قامت الدولة الفارسية بتحدي الدولة العثمانية فوق أرض العراق ورغم التوتر الذي كان بينهما إلا أن الجانبين نجحا في وضع عدة اتفاقيات تشكل نقطة ارتكاز لتحديد حقوقهما علي الحدود المشتركة. إلا أن إيران لم تكف يوما عن التدخل في الشئون العراقية وتطالب بحقوق في شط العرب. وقد سيطرت القوات الإيرانية علي بعض المناطق الحدودية مع العراق وظلت الأمور متوترة بين البلدين برغم توقيع اتفاقيات بينهما في عام1973 إلا أن شاه إيران أعلن إلغاء تلك الاتفاقيات من طرف واحد, إلي أن جاء عام1975 وأبرمت اتفاقية الجزائر في هذا العام علي تقاسم شط العرب بحيث يرفع العلم الإيراني في الجانب الشرقي, والعراقي في الجانب الغربي مع مراعاة عدم التدخل في الشئون الداخلية لكلا البلدين, وعندما تسلم الخوميني السلطة عام1979 أعلن العراق بلدا عدوا لنظامه, وقرر عدم الاعتراف باتفاقية الجزائر لأنها من صنع الشاه وصدام حسين علي حد قوله. [email protected]