ضبط 45 طن دواجن ولحوم فاسدة ومذبوحة خارج المجازر بالجيزة    إحياء لأسطورة "علبة الزيت" المزعومة، المستوطنون يستعدون لاقتحام الأقصى لمدة 8 أيام    نائب وزير الدفاع البريطاني: الحرب تطرق مجددا أبواب أوروبا    تحذير من تسونامي في شمال وشمال شرقي اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجات    مدرب برايتون: أتمنى مشاركة محمد صلاح غداً.. وأزمته مع ليفربول لا تهمنا    يورتشيتش: لاعبو بيراميدز قادرون على تخطي فلامنجو.. وهذه رسالتي للجالية المصرية    محمد صلاح يحصد جائزة لاعب شهر نوفمبر بالدوري الإنجليزي من "EA SPORTS"    الداخلية تضبط 11 متهما باستغلال الأطفال الأحداث في أعمال التسول بالجيزة    صور.. عمرو دياب يتألق في أحدث حفلاته بموسم الكويت    هيئة الرعاية الصحية تكشف حصاد 6 سنوات من التغطية الصحية الشاملة: 105 ملايين خدمة و6 ملايين منتفع حتى 2025    بريطانيا تفرض عقوبات على 4 من قادة الدعم السريع بسبب انتهاكات الفاشر    رابط التقديم والشروط.. خطوات دخول أمريكا ب«بطاقة ترامب الذهبية»    رئيس شعبة الكيماويات: صناعة البلاستيك تواجه تحديات عالمية    حملات ميدانية فى قطاعات الصحة والتعليم والنظافة ببنى سويف.. اعرف التفاصيل    كأس إنتركونتيننتال.. يورتشيتش يعاين ملعب "أحمد بن علي المونديالي" قبل مواجهة فلامنجو    مدرب برايتون عن إمكانية مشاركة صلاح: ليس لدي فكرة.. والأمر يتعلق بنا    مصر تعزز التحول الأخضر بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران والبناء المستدام    ضبط طرفي مشاجرة بالإسكندرية بسبب خلاف مالي    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبور الطريق الصحراوي بالنوبارية    تعرف على خطوات دخول أمريكا ب«بطاقة ترامب الذهبية»    نجوم العالم في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025    الغارات الإسرائيلية على لبنان لم تُسجل خسائر بشرية    الصحة تعلن تقديم 7.8 مليون خدمة طبية بالقليوبية خلال 11 شهرًا ضمن خطط تطوير القطاع الطبي    «جينا الفقي»: معرض مخرجات البحوث منصة حيوية لربط العلم بالصناعة    بحضور نائب المحافظ.. افتتاح مسجد "السلام" بمدينة سوهاج الجديدة    عزاء الناشر محمد هاشم فى مسجد عمر مكرم بالتحرير.. الإثنين    ياسمين عبد العزيز عن فترة مرضها: شوفت الموت ورجعت    فصل سورة الكهف....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم ب 3بركات    ضبط أكثر من 900 كيلو جرام مخدرات وتنفيذ 82 ألف حكم قضائي بحملة أمنية واسعة    لأسباب صحية.. الخطيب يعتذر عن المشاركة في المؤتمر العربي لجامعة هارفارد الأمريكية    «الرقابة الصحية» تعلن حصول دليل معايير مراكز العلاج الطبيعي على الاعتماد الدولي بنسبة 99.2%    تقارير إعلامية: 3 أندية أوروبية تهدد حلم برشلونة فى ضم جوهرة الأهلي    بالصور.. أحدث ظهور للفنان تامر حسني بعد وعكته الصحية الأخيرة    وزير المالية: مهتمون بتنمية الصناعة وفتح أسواق تصديرية للمنتجات المصرية    أحمد كريمة: «اللي عنده برد يصلي الجمعة في البيت»    خبير ضخ الفيدرالي الأميركي 40 مليار دولار شهريًا خطوة استباقية لضمان السيولة وتجنب اضطرابات السوق    مصر وقبرص تمضيان قدمًا في تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في قطاع الطاقة    "قصة حقيقية عشتها بالكامل".. رامي عياش يكشف كواليس أغنية "وبترحل"    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أنت صوفى ?!    وزارة التضامن تشارك بورشة عمل حول تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر    الحصر العددي لأصوات الناخبين في دائرة المنتزه بالإسكندرية    وزير الثقافة يعلن موعد انطلاق فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر ال37 بالعريش    «الصحة»: H1N1 وRhinovirus أكثر الفيروسات التنفسية إصابة للمصريين    وزيرة التنمية المحلية تناقش مع محافظ القاهرة مقترح تطوير المرحلة الثانية من سوق العتبة    رئيس جامعة العاصمة: تغيير الاسم لا يمس الهوية و«حلوان» تاريخ باق    انطلاق القافلة الدعوية بين الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء إلى مساجد شمال سيناء    منتدى الجامعات الروسية العربية شراكة في علوم الطيران والذكاء الاصطناعي    كأس العرب| الإمارات تصطدم بالجزائر في ربع النهائي    طريقة عمل الأرز بالخلطة والكبد والقوانص، يُقدم في العزومات    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 12 ديسمبر 2025 والقنوات الناقلة    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 12-12-2025 في محافظة قنا    مصرع تاجر ماشية وإصابة نجله على أيدى 4 أشخاص بسبب خلافات في البحيرة    فيديو.. لحظة إعلان اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات البرلمانية الجيزة    أعرف حالة الطقس اليوم الجمعة 12-12-2025 في بني سويف    رد مفاجئ من منى زكي على انتقادات دورها في فيلم الست    الحصري العددي لانتخابات مجلس النواب، منافسة محتدمة بين 4 مرشحين في دائرة الهرم    رئيس الطائفة الإنجيلية: التحول الرقمي فرصة لتجديد رسالة النشر المسيحي وتعزيز تأثيره في وعي الإنسان المعاصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حائط الصد الحضاري
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 02 - 2013

يتكون وجدان الشعب المصري من طبقات تراكمت ذراتها منذ العصور القديمة السابقة علي عصر الأسرات إلي الحقب الحديثة والمعاصرة. وامتلك المصريون موهبة فذة في تضفير مكونات وجدانهم, حتي صارت ضفيرة واحدة محكمة الفتل, بقيت مستعصية علي التفكك والتحلل, رغم تعرضها لعوامل تعرية وتجريف وتدمير, ومنها ما بدأ يحدث هذه الأيام إثر ظهور اتجاهات التشدد المذهبي, التي يعلو صوت منظريها ودعاتها بدرجة غير مسبوقة.
في الضفيرة الوجدانية المصرية تأخذ المرأة القوية الصابرة مكانة متميزة, وها هن إيزيس والسيدة العذراء والسيدة زينب يأخذن مكانة فريدة! فإيزيس تحملت مقتل أخيها وزوجها أوزوريس ومضت تجمع أشلاءه, بعد أن مزقها إله الشر ورماها في أفرع النيل التي تجاوز عددها الأربعين, ثم تمددت إلي جوار الجسد الممزق فحملت حملا معنويا في حورس.. ومن دموعها جاء فيضان النيل!.. وهي بذلك كانت طاهرة إذ حملت بغير لقاء جسدي!.
والسيدة العذراء حملت ابنها بغير لقاء جسدي هي الأخري وتحملت تشهير اليهود واتهاماتهم, ثم تحملت هي وابنها عسف الرومان وظلمهم, وشقت طريقها للأمان في مصر, ثم كانت محنتها الكبري حسب الاعتقاد المسيحي عندما أخذ ابنها في طريق الآلام حافيا يمشي علي الشوك, وعلي رأسه وضعت الأشواك ثم حدث الصلب!.
وتأتي المفارقة المبدعة في الوجدان المصري, عندما لقب المصريون السيدة زينب بنت الإمام علي وشقيقة الإمام الحسين بالطاهرة أم هاشم الطاهرة, ونصبوها رئيسة لديوان دولة الحقيقة وبثوها شكاواهم, وهي أيضا شهدت المحنة الكبري في كربلاء, عندما قتل جيش الطغاة أخاها ومعظم الرجال من آل البيت, وبقيت وحيدة تدافع عن آخر فتي من أبناء الحسين, هو علي زين العابدين, ثم مضت شامخة مفوهة الخطاب في موكب الأسري من أبناء رسول الله صلي الله عليه وسلم!.. ثلاث نساء جمعهن الطهر والمحنة فأخذن مكانة سامية في قلوب المصريين.
تلك لمحة من لمحات عبقرية الوجدان المصري في الضفيرة المصرية القديمة المسيحية الإسلامية, ثم أستأذنكم في لمحة أخري, حيث مازال المصريون في عمق الوطن يقاومون الشر بالخمسة وخميسة, وفيها جمعوا في الضفيرة خيوطا أخري تتجاوز ما هو مصري خالص إلي ما هو مرتبط بالأسر المقدسة, حتي وإن كانوا من غير المصريين, ولكنهم يجتمعون في حب مصر واللجوء إليها, باعتبارها حصن الأمان الشامل.. تطعم وتسقي وتكفل الأمن والطمأنينة...
الخمسة الأولي هي أسرة سيدنا إبراهيم الخليل, وأسرة النبي يعقوب, وأسرة النبي موسي, والأسرة المقدسة, والخامسة آل بيت النبي محمد صلي الله عليه وسلم وربما كانت الخمسة أيضا مكونة من النبي محمد صلي الله عليه وسلم والإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين!.. فماذا عن الخميسة, التي هي في اللغة مصغر خمسة, أي خمسة غير مكتملة, إنها الأسرة المقدسة أي السيدة العذراء والسيد المسيح له المجد ويوسف النجار خطيب مريم ومعهم سالومة أي أربعة أفراد!
هي الخمسة وخميسة التي تدفع عين الحاسد وتدرأ الشر وتحمي الإنسان, أفرأيتم تضفيرة عبقرية علي هذا النحو؟!.
ثم تعالوا بنا إلي ضفيرة ثالثة, هي ذلك المزج العبقري بين تراتيل مصر القديمة والتراتيل المسيحية والإنشاد الإسلامي, ومن عاش مثلما عاش كاتب هذه السطور وملايين آخرين من المصريين حياة القاع الشعبي, وطاف الموالد والاحتفالات الشعبية, وحضر القداسات واستمع إلي الأنغام في الكنيسة.. ثم إلي المنشدين في مولد مار جرجس وموالد العذراء والقديسين الآخرين, ثم شارك في حضرة الذكر الصوفية, وتمايل علي شدو منشد الحضرة وإيقاعات نقيبها, واستبد به الانتشاء مع أشعار ابن الفارض وابن عربي والحلاج, فإنه سيعرف عمق هذا الامتزاج العبقري, ولن ترفض أذنه كير ياليسون, بل ستحبها مثلما تحب مولاي صلي وسلم دائما أبدا!.
لقد كانت مشاهد وأضرحة آل البيت والقديسين في الأديرة, ثم أقطاب التصوف من القنائي والشاذلي والفرغل جنوبا إلي المرسي أبي العباس وسيدي بشر الحافي شمالا, مرورا بالبدوي والدسوقي وسيدي شبل ابن العباس وغيرهم, هي البوتقة التي انصهر فيها جزء كبير من وجدان المصريين, وعرفنا من نتاج هذه البوتقة أصواتا عبقرية هائلة قرأت القرآن الكريم, وأنشدت البردة والمدائح والأشعار الصوفية.. وكذلك الخولاجي المسيحي.
إننا إزاء خطر داهم كرياح السموم الصرصر العاتية, التي تحاول اقتلاع جذور وجذوع وأفرع وغصون وأوراق هذا التراكم الحضاري الثقافي الفذ, بدعوي أنه بدع وضلالات ولهو ولعب!!, ولن نستطيع المواجهة إلا بإقامة حوائط الصد الحضارية المتينة بأن نتوسع في برامج التذوق الفني لدي الأجيال الصاعدة.. وأن ننزل إلي الموالد والاحتفالات الشعبية لنسمع المادحين والمنشدين, ونستمتع بروح التكافل والتواد والتراحم ونطعم الجائعين ونروي الظامئين!.
لا بد من جبهة وطنية عريضة, ليس للسياسة والإنقاذ وما شابه, ولكن للحضارة والثقافة والوعي والتذوق!.
وهنا يتعين أن أذكر بكل الاحترام والتقدير والمحبة والإعجاب الفنان العبقري انتصار عبد الفتاح, الذي قدم وباقتدار شديد نموذجا جديدا فذا من نماذج الضفيرة التي أتحدث عنها, فمزج القديم بالقبطي بالإسلامي, واستطاع أن يجذب ألوف العاشقين لمصر وللتراث وللتفرد المصري, الذي لا مثيل له في كل الدنيا, وأدعو إلي أن يتحول جهد انتصار عبد الفتاح, الذي تتعاظم قيمته الآن أكثر من أي لحظة سابقة إلي مداميك في حائط الصد الحضاري الثقافي, وأن نكون نحن الشغيلة الذين يعملون تحت إشرافه في رص المداميك ووضع المونة.. وما المونة هنا بأسمنت وجبس, ولكنها المشاعر والإبداع والعطاء والحضور والكتابة والدعاية, بل والفعل المقاوم الذي هو أكثر دواما من أي قتال.
المزيد من مقالات أحمد الجمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.