مخطئ من يظن أن اقتصاد مصر يمكن أن يسير بشكل طبيعي وهو يخطف لجنة تأسيسية ودستورا ويمنع القضاء من البت بشأنهما ويحصنهما بإعلان دستوري جري إلغاؤه بعد أن أدي دوره مع تحصين كل القرارات التي اتخذت في ظله... مخطئ من يظن أنه يمكن أن يختار نائبا عاما بصورة مزاجية مخالفة للقواعد القانونية لهذا الاختيار, ويعطي مجلسا استشاريا هو مجلس الشوري سلطة التشريع خلافا لما انتخب علي أساسه ويتصور أن شئون مصر وأحوال اقتصادها ستمضي بشكل طبيعي... مخطئ من يظن أنه يمكن أن يستخدم نفس آليات العنف من خطف وسحل واعتقال وتعذيب وقتل التي استخدمها مبارك ضد المتظاهرين وبعض من أنبل شباب الثورة ويتصور أن الشعب سيصمت وأن الاقتصاد سينمو, وأن من حقه أن يتهم الشعب أو المعارضة بأنهم سبب أزمة الاقتصاد... إن الاقتصاد المصري الذي يشكل أساس القوة الشاملة للدولة يعاني بضراوة وتفاقم وضعه السيئ الموروث من العهد السابق وأصبح أكثر سوءا ووصل لحالة حرجة فعلا بسبب سياسات د. مرسي وحكومته علي الصعيد السياسي والأمني, فضلا عن أنه يتبع نفس السياسات الاقتصادية-الاجتماعية التي كانت تتبعها حكومات مبارك والتي لم تؤد إلا للفشل وتراجع مكانة مصر وسوء توزيع الدخل وتزايد الفقر والبطالة وخلق احتقانات اجتماعية ساهمت في انفجار الثورة ضد مبارك وهي سبب رئيسي أيضا في الاحتجاجات أو الثورة ضد د. مرسي. وخلال سبعة أشهر من حكم د. مرسي انخفض احتياطي مصر من15.5 مليار دولار إلي13.6 مليار دولار وهي تعادل نحو2.8 شهر من الواردات, أي أنها في وضع حرج, والأسوأ أن هذا الأمر تم رغم زيادة الديون الخارجية من34.4 مليار دولار في نهاية يونيو2012, إلي أكثر من41 مليار دولار حاليا بعد اقتراض4 مليارات دولار من إحدي الإمارات الخليجية الصغيرة في صورة وديعة في البنك المركزي, ونحو2.5 مليار دولار من بنك التنمية الإسلامي, تم سحب مليار منهم, والاتفاق علي اقتراض2 مليار دولار من تركيا. كما أن الديون الداخلية ارتفعت لأكثر من1350 مليار جنيه في نهاية العام الماضي, بزيادة بلغت112 مليار جنبه في الستة أشهر الأولي من حكم د. مرسي. كما تزايدت البطالة حسب البيانات الرسمية محل الجدل إلي12.5% بدلا من نحو9% في نهاية حكم الرئيس المخلوع مبارك. كما ارتفعت معدلات الفقر لتضرب ما يقرب من نصف السكان بسبب تزايد البطالة التي تعني عدم تمكين من يعانون منها من كسب عيشهم بكرامة من خلال عملهم, وأيضا بسبب تدني مخصصات معاشات الضمان الاجتماعي التي وعد د. مرسي بمضاعفتها, لكنها بلغت في الموازنة الجديدة نحو2.6 مليار جنيه, وهي أقل كثيرا في قيمتها الحقيقية وقدرتها الشرائية عن مخصصات العام الماضي البالغة2.5 مليار جنيه, إذا أخذنا ارتفاع الأسعار أو معدل التضخم في الاعتبار. والأدهي أن أحد الوزراء صرح بأن الدخل الذي يبلغ8 جنيهات للفرد في اليوم يكفي لحياة كريمة, وهو نفس نمط التصريحات الهزلية لبعض وزراء مبارك في هذا الشأن. وانتشر الفقر أيضا في ظل ضعف مخصصات الإنفاق العام علي الصحة والتعليم وبقائهما بلا تغيير عند نفس المستويات التي كانت سائدة في عصر مبارك والتي تؤدي إلي ضعف الرواتب في هذه القطاعات وتدني مستوي الخدمات الصحية والتعليمية, رغم أن د. مرسي كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بزيادتهما إلي5.2% من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للتعليم, وإلي مستوي يتوافق مع ما تطلبه منظمة الصحة العالمية أي ما يعادل15% من الإنفاق العام, لكنه لم يف بوعوده وترك الأمور علي ما كانت عليه. كما أن تشوه الدعم وتوجيه الجانب الأكبر منه إلي الأثرياء والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية في صورة دعم الطاقة لهم ودعم الصادرات, والتركيز فقط علي إزالة جزء من الدعم المحدود أصلا الذي يحصل عليه الفقراء والطبقة الوسطي.. هذا التشوه يساهم في تفاقم مشكلة الفقر وتعميق التوجه الرديءبالانحياز للأثرياء المحليين والأجانب علي حساب الفقراء والطبقة الوسطي. وزد علي ذلك أن وزير البترول يعتبر أن الدعم هو رشوة انتخابية وأن حكومته تدرس إلغاءه مقابل زيادة الأجور, دون أن يعي أن أغلب الدول المتقدمة والنامية لديها مستويات من الدعم والتحويلات تفوق كثيرا ما هو موجود في مصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي, وهو أمر سنناقشه في مقال قادم. كما استمر نظام الأجور علي تشوهاته وفساده, واستمر نظام الضرائب علي انحيازه للأثرياء والطبقة الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية. وحتي التغييرات الضريبية الجديدة التي طرحت في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي, فإن أعباءها ملقاة بالأساس علي كاهل الفقراء والطبقة الوسطي. إن الوضع الاقتصادي حرج حقا, وأصبح يتجاوز المعادلة السياسية المضطربة بين الرئيس والحكومة والمعارضة, لأنه يهدد مصر وشعبها, وهنا لابد للشعب ولأجهزة الدولة من وضع الجميع أمام مسئولياتهم التاريخية, فلن يكون بمقدور الاقتصاد أن ينمو ويتطور في ظل خطف الرئيس والمتحالفين معه للدستور والتشريع وإعادة إنتاج نفس النمط التسلطي والقمعي الذي خرب العلاقة بين الشعب والشرطة لزمن طويل ويعيد تخريبها حاليا بعد فترة قصيرة من التوجه للمصالحة في نهاية عهد وزير الداخلية السابق اللواء أحمد جمال الدين. ولن يكون في مقدور السلطة أن تحقق الاستقرار بالقمع أو بتشويه الثورة والثوار, فالشعب الذي دفع الدم والتضحيات من أجل إنهاء نظام فاسد ومتحيز ضد مصالح الشعب, ومن أجل صناعة مستقبل يليق بقيمة وقامة مصر وشعبها العظيم, لن يخضع لسلطة القمع والقهر, ولابد من الاستجابة لمطالبه العادلة علي كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والأولي بالسلطة أن تنهي محاولة الاستحواذ علي كل شيئ في الدولة, لأن مثل هذا النزوع لن يحقق هدفه في ظل شعب حي, ولن ينجح إلا في خلق الاحتقان والاضطراب الذي يهدد الدولة واقتصادها بصورة جعلت الشعب يتوق ويسعي إلي إنهاء كل هذا العبث بإرادته وبمساندة الروافع الرئيسية للدولة المهددة فعلا بمشروع الاستحواذ التسلطي الذي لن يكتب له النجاح, وكل ما يمكن أن يؤدي إليه هو خلق المزيد من الاضطراب والتدهور في العلاقة بين الشعب والسلطة وفي اقتصاد مصر والأحوال المعيشية لشعبها. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار