تراجع دور الطبقة الوسطي وأصبحت الأغلبية تفتقد إلي الجزء اليسير من الثروة والمكانة التي كانت متاحة لها حتي ثمانينيات القرن الماضي. ويحلو للبعض القول باختفاء تلك الطبقة وليس تراجعها فقط خاصة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، واتساع الفوارق بين الدخول وظهور فئات جديدة تقوم علي النشاط الطفيلي مثل المضاربة علي الأراضي والسمسرة والتجارة في العملة وتكوّن ثروات كبيرة في وقت قصير، بالإضافة إلي تفشي ظاهرة البطالة التي وصلت إلي 40%، كما ترجع أزمة الطبقة الوسطي وتاَكلها أيضا إلي تعرضها لنهب حقيقي لثرواتها من خلال شركات توظيف الأموال التي استغلت الدين، ونهبت منهم المليارات، كما تعرضوا لعمليات تحايل وتلاعب من خلال شركات السمسرة. وتتعدد التعريفات التي أطلقت علي الطبقة الوسطي التي اعتمدت معظمها علي معيار المهنة، حيث إن تلك الطبقة تضم التجار وأصحاب المصانع الصغيرة والمهنيين من المهندسين والأطباء والأدباء والكتاب وهي جماعات لا تؤهلها دخولها للانضمام للأغنياء، كما أنها لا تنتمي لأبناء الطبقة الدنيا التي تعيش علي حد الكفاف. وعبر التاريخ كانت الطبقة الوسطي هي التي تحمل لواء التحولات الاجتماعية والسياسية، حيث كانت هي "الوقود" والمفجر الأساسي لثورتي 1919 و1952. فما مصير الطبقة الوسطي الاَن؟ وهل هي حقا إلي زوال؟ وما أثر ذلك علي الأوضاع الاجتماعية والسياسية؟ وكيف يتم تحديد الطبقة من خلال مستوي الدخل، خاصة أن د. أحمد نظيف أكد علي زيادة معدلات الطبقة الوسطي وعدم تاَكلها، كما يقال من خلال ذكره لمؤشرات أهمها زيادة عدد تراخيص السيارات، وزيادة معدلات تناول المياه الغازية. حد الكفاف ويحصر رزق أحمد رزق الخبير الاقتصادي والضريبي الطبقة الوسطي في هؤلاء الأفراد الذين يتقاضون من 2000 إلي 3000 جنيه شهريا وهو حد الكفاف الذي يتمكن فيه الفرد من تغطية احتياجاته الأساسية. ويشير رزق إلي أن الحكومة والقطاع الخاص يعمل بهما 12 مليون مواطن، 8 ملايين منهم يتقاضون ما لا يتعدي الألف جنيه، وال 4 ملايين يحصلون علي أجر قد يصل إلي 3 اَلاف جنيه. وبسؤال رزق حول المقتنيات الأساسية للطبقة الوسطي وما إذا كانت هذه المقتنيات مؤشرا علي الانتماء لتلك الطبقة، أجاب أن أفراد تلك الطبقة قد يمتلكون سيارة بالتقسيط علي اعتبار أنها أوفر بكثير من استخدام المواصلات العامة، وقد يضطر الفرد لبيعها في حالة احتياجه للمال، مشيرا إلي أنه نوع من الادخار السلبي الذي أصبح من أهم سمات الطبقة الوسطي، التي تشتمل أيضا علي شراء أراض وتسقيعها، وشراء ذهب وتخزينه أو إيداع الأموال داخل البنوك والحصول علي فائدة شهرية من خلاله أو الاستثمار في البورصة بدلا من الدخول في مشروعات غير مضمونة النجاح، التي قد تكلفه ضرائب ورسوما تتزايد بشكل يومي. وأكد رزق أن الادخار السلبي يحرم الدولة من الكثير من الإيرادات، كما يحرم الشباب من فرص العمل المتوقعة في حال إقامة أحد المشروعات الاستثمارية. أما د. حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي فيوضح كيفية تحديد مستوي دخل الطبقة المتوسطة بقوله إن المؤسسات الدولية لم تحدد سوي دخل الفقراء والمعدمين الذي لا يتعدي 2 دولار يوميا، ويري أن دخل الطبقة المتوسطة في مصر يتراوح ما بين 350 حتي 1000 جنيه شهريا للفئة الدنيا من الطبقة الوسطي بينما يتراوح ما بين 1000 إلي 5000 جنيه للفئة العليا من الطبقة الوسطي التي تكاد تقترب من الطبقة العليا. توقعات متفائلة د. جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة يتوقع أن يكون للطبقة الوسطي دورها في التاريخ ويقول إنه متفائل لأن ما يحدث حاليا هو بداية عودة الحركة والحيوية إلي الجسد السياسي المصري متمثلا في كثرة الإضرابات والاحتجاجات، ويصف جودة الطبقة الوسطي بأنها مرشحة إما للصعود إلي أعلي أو الهبوط إلي أسفل، لذلك فهي أكثر الفئات الخاسرة بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة، حيث يتاَكل الدخل مع ارتفاع نفقات المعيشة، وانخفاض القيمة الحقيقية للعقارات حيث إن بعضهم مالكون لها، ويشير جودة إلي أن الطبقة الوسطي أصبحت طبقة غير تنويرية بعد أن كانت تلعب دورا ثقافيا بارزا في المجتمع، كما تحولت من مؤازرة العمال والفلاحين إلي مغازلة الحكومة. هناك فارق وفي مقارنة بين الطبقة الوسطي في مصر ونظيرتها في الولاياتالمتحدة وأوروبا يشير د. عصام منصور أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية إلي وجود اختلاف كبير بين مصر والدول المتقدمة فيما يتعلق بأوضاع الطبقة الوسطي، ففي الولاياتالمتحدة يمتلك من ينتمي إليها منزلا وسيارة وكل الأدوات الكهربائية بالإضافة إلي قدرته علي قضاء اجازة سنوية في أي بلد في العالم، في حين يفتقر المصري من الطبقة المتوسطة لأبسط هذه المزايا، حيث يعيش علي حد الكفاف. ومن جانبه يري المفكر السياسي د. ميلاد حنا أن الحكومة ضيعت الشعب المصري عامة والطبقة الوسطي بصفة خاصة بما منحته من علاوة تعتبر كبيرة جدا وهي 30% علي الرغم من أنها في العادة تكون 5% معللة ذلك بأنه تحرك اقتصادي لابد منه، وتبع ذلك زيادة كبيرة في الأسعار، ولم يتمكن أحد من تفسير هذا التصرف، إلا أن الطبقة الوسطي هي التي ستتحمل تكلفة هذا التحرك وستواجه أزمة حادة، مشيرا إلي أنه يتوقع أن تكون ردود الأفعال من أبناء الطبقة العاملة مع حالة من التذمر المكتوم من أبناء الطبقة المتوسطة. بينما طالب ياسين تاج الدين نائب رئيس حزب الوفد الطبقة الحاكمة بتحمل مسئولية التغيرات السياسية والحراك الاجتماعي بشكل كامل بعد أن كانت الطبقة المتوسطة تقع عليها هذه المسئولية في السابق، إلا أنها قد تاَكلت في الوقت الحالي، ومن ثم لابد أن تقوم الحكومة بهذا الدور بدلا منها. ويشير تاج الدين إلي أن العصر الذهبي للطبقة الوسطي كان في الفترة من 1936 حتي ،1975 ورغم طبيعة الحكم الشمولي في تلك الفترة فإنها حملت لواء الحراك السياسي متمثلا في ثورة الطلبة عام 1968 احتجاجا علي هزيمة ،1967 كما ظهرت في يناير 1977 بعد ارتفاع الأسعار، ويوضح أن أندونيسيا قد مرت بهذه المرحلة من انسحاق وتاَكل الطبقة الوسطي إلا أنها تمكنت من تحسين أوضاعها بالدخول في حزمة من الإصلاحات الاقتصادية.