أرجو أن يسمح لي سعادة المؤرخ الكبير المستشار طارق البشري بأن أستعير منه هذا العنوان العبقري, الذي يلخص الأسباب الكامنة خلف هذه الحالة الغريبة التي تعيشها مصر الآن, من احتقان سياسي, وتضليل إعلامي, وعنف إجرامي, وفوضي مصنوعة, إنهم: الخائفون من الديمقراطية! بوضوح أكثر, علي المستوي السياسي ماذا يمثل الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسي وحمدين صباحي والسيد البدوي, وغيرهم من متصدري المشهد السياسي الآن بعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة؟ إنهم يساوون حجم المقاعد التي ينجحون في الحصول عليها, ويمثلون الشعب من خلالها في مجلس النواب, وهذه هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها, ومن الواضح أن غالبية هؤلاء المتصدرين للمشهد الآن يدركون هذه الحقيقة وهي ضعف فرص حصولهم علي مقاعد مناسبة. لقد تابعت في الفترة الأخيرة تصريحات عدد كبير من قيادات ورموز الأحزاب والتيارات السياسية العلمانية, فلم أعثر علي رأي أو تصريح يتحدث عن قبولهم لإرادة الشعب, أو التزامهم بما تفرضه العملية الديمقراطية, أو احترامهم للتداول السلمي للسلطة, وبدلا من ذلك تتباري التصريحات في الدعوة لإسقاط أول رئيس مدني منتخب, ورفض الدستور الجديد, والادعاء بأنه دستور الإخوان, رغم أن كل التيارات السياسية شاركت في إعداده, ووافق عليه الشعب المصري بالأغلبية! الخائفون من الديمقراطية لا يحترمون في أعماقهم حرية وإرادة الشعب, ولا يعترفون ببلوغه سن الرشد السياسية رغم قيام ثورة يناير, ويبحثون بكل الوسائل والأساليب مهما كانت خستها ولا أخلاقيتها, عن كيفية منع استكمال المسار الديمقراطي, وحرمان الشعب من أن يعبر عن نفسه, وأن يمارس دوره ومسئوليته في اختيار من يمثله في العمل السياسي, وهذا حق طبيعي للشعوب في كل النظم الديمقراطية والليبرالية في العالم, لكن العلمانيين الجدد في مصر لا يرون ذلك!. وتذكروا معي أن أحداث العنف في شارع محمد محمود وقعت قبل أيام فقط من المرحلة الأولي من الانتخابات الماضية, ثم جاءت أحداث مجلس الوزراء لتحاول أيضا الضغط من أجل وقف المرحلة الثانية, وانتشرت في تلك الفترة تصريحات رموز علمانية تحذر من أن إجراء الانتخابات في تلك الظروف سوف يجعل الدماء تسيل أنهارا في شوارع مصر, وعندما فشلوا صبوا جام غضبهم علي أول برلمان بعد الثورة, بسبب حصول القوي الإسلامية علي نحو ثلاثة أرباع مقاعد المجلس!. إذن سخونة الأحداث وإشاعة حالة الفوضي وترهيب الشعب واستخدام البلطجة والعنف في التخريب الآن هو جزء من أجندة الخائفين من الديمقراطية أو علي الأقل يمنحونه الغطاء السياسي, لأنهم لم يتخيلوا إمكانية مشاركة الإسلاميين في السلطة, ولم يتوقعوا أن يأتي اليوم الذي يفرض فيه الشعب اختياره الحر علي الجميع, وبالتالي يقفون الآن في وضع شديد الحرج لأنهم ببساطة يتنكرون للإطار الفكري للدولة المدنية, وهو سيادة الشعب, واحترام نتائج الصندوق الانتخابي. ومن طرائف المشهد في بلادنا الآن أن التيارات الإسلامية, التي روج اليساريون ومدعو الليبرالية من العلمانيين, أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية, ولا يحترمون إرادة الشعب, وأنهم سوف ينظمون الانتخابات لمرة واحدة فقط, كي تأتي بهم ثم يمنعوها إلي الأبد, هؤلاء الإسلاميون هم بالفعل الأكثر حرصا علي الدولة المدنية, والتسليم بإرادة الشعب. الحل واضح لا لبس فيه في اعتقادي, إن كان هؤلاء الخائفون من الديمقراطية يبحثون عن مساحة حقيقية في المشهد السياسي الآن, فأمامهم النزول إلي الشارع, وطرح مبادرات لحل الأزمات الاقتصادية, وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين, والإعلان عن قبولهم التعددية السياسية, واحترام إرادة الشعب, والتغيير من خلال الصندوق فقط.. فهل يفعلون؟! أتمني ذلك. المزيد من مقالات بدر محمد بدر