لم يكن الكثيرون يصدقون تحذير البعض من ثورة جياع, وكانت قوي الإسلام السياسي تعتقد أنها أصبحت تسيطر علي الشارع برجالها وأنها هي الوحيدة القادرة علي حشد الآلاف في الشوارع. وعندما استطاعت المعارضة حشد الآلاف هي الأخري ارتفع صوتها وزادت من مطالبها ودعت الجماهير إلي النزول إلي الشوارع في ذكري25 يناير لاستكمال الثورة لدي البعض ولإسقاط النظام لدي آخرين. ثم جاء حكم المحكمة لمذبحة بورسعيد لتنقلب الشوارع رأسا علي عقب ويسقط الضحايا, وزادت الشوارع التي سيطر عليها العنف فانتقلت المواجهات إلي كوبري قصر النيل والكورنيش وكوبري6 أكتوبر وفي العديد من المحافظات, هناك الاشتباكات حول مقار المحافظات أما مدن القناة فخرق حظر التجول هو ما يفعله غالبية المواطنين تحديا للدولة, وانضم إلي المشهد العبثي من يطلقون علي أنفسهم البلاك بلوك لتزداد الفوضي ولا أحد يعرف من أين جاء هؤلاء ومتي تجمعوا ومن يحركهم؟. هذا العنف المتصاعد لن يوقفه حوار وطني دعا إليه رئيس الجمهورية مثلما لم يستطع إعلان الطوارئ وحظر التجول أن يهدئ مما يحدث في مدن القناة, لذلك وقبل أن تحترق البلاد وللمواجهة الصحيحة لما يحدث لابد من معرفة من هؤلاء الذين تزداد أعدادهم في مواجهات العنف في الشوارع, فأغلبهم شباب وصبية صغار أكاد أجزم أن غالبيتهم لا يعرفون ولايهتمون بالسياسة, ومن المؤكد أيضا أن قوي المعارضة وجبهة الإنقاذ لا سيطرة لها عليهم, وفي اعتقادي أن ما يدفع هؤلاء الشباب إلي العنف هو الإحباط فهو الذي يحركهم وهو الذي يسيطر الآن علي الشوارع وليست النخبة السياسية بكل أطيافها ولن يفلح معهم بيانات رئيس أو قنابل الشرطة بل ازداد وسيزداد عنفهم معها وفي النهاية الوطن ونحن أبناءه جميعا خاسرون لكي يكون هناك حل هل تستطيع قيادات الدولة والمعارضة أن تدرك بعض الحقائق ومنها: 1- من في الشوارع أغلبهم شباب محبط تولدت فيه آمال بتحسن الأحوال بعد الثورة فوجد أن أحواله تزداد تدهورا بينما النظام الجديد يوزع الغنائم علي أتباعه ويتعارك مع المعارضة حول الدستور والحكم ولا يهتم أحد بتردي الأحوال الاقتصادية. 2- العنف وسيلة احتجاج للضعفاء الذين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم وكأنهم ينفذون مقولة علي وعلي أعدائي فيدمرون المنشآت ويقطعون الطرق ويعطلون المصالح لأن لا أحد يهتم بمصالحهم. ومن الخطأ القول إن حكم محكمة مذبحة بورسعيد أو أن دعوة جبهة الإنقاذ للنزول إلي الشوارع هو المتسبب في ذلك فهذا من قبيل شرارة التفجير لغضب وإحباط يملأ الصدور أو القشة التي قصمت ظهر البعير, وبالتالي لن يكون هناك حل بتغيير وزاري أو تعديل للدستور فهذا شأن ومصالح النخبة, أما المواجهة السليمة للعنف فلن تكون إلا بمواجهة تدهور الأحوال المعيشية وتدهور الاقتصاد الذي لن يعالجه قرض الصندوق أو بيع الصكوك 3- إصرار الإخوان المسلمين ومن شايعهم أن ما يحدث هو مجرد بلطجة ليس فقط تكرار لمقولات نظام مبارك بل إغراق في تسطيح الحقائق وهروب من الواقع سيطيح بهم في النهاية,فمن المؤكد أن هناك بلطجية ولكن غالبية الاحتجاج والمشاركين هم شباب محبط لا يجد له مكانا في وطنه. الإخوان والرئاسة والحكومة والمعارضة هم من أسباب المشكلة وبالتالي فكيف يكونون وسيلة لحلها, والشرطة لا تعرف ماذا تفعل وتزداد احتمالات تفككها وكانت بدايته عندما خرج الجنود في السويس بعد مقتل زميلهم يدمرون ما في طريقهم, وعندما طرد الضباط وزيرهم من جنازة الضابط الذي سقط عند سجن بورسعيد احتجاجا علي مستوي تسليحهم, وبدأنا نقرأ عن وقفات احتجاجية لبعض الضباط مطالبين بإعادة النظر في تسليحهم, والجيش عليه أن ينفذ حظر التجول ولكنه لا يستطيع, فما الحل لوقف انهيار الدولة؟ الخروج من هذا المأزق في اعتقادي يتطلب العمل علي تنفيذ خطوات ثلاث: أولا: تحجيم الإخوان وعودتهم إلي شعارهم المشاركة لا المغالبة فعلا وليس لتهدئة الشارع فتراجعات الإخوان هي تراجعات وقتية كمن ينحني حتي تمر العاصفة. ثانيا: تكوين حرس وطني من الشباب العاطل لكي يشارك في حفظ الأمن وبشرط أن يكون مستقلا عن كل التيارات السياسية. ثالثا: الأولوية لإنقاذ الاقتصاد من خلال مشروعات صناعية وزراعية تسهم في زيادة الإنتاج والمصريون قادرون لو كانت هناك قيادة واعية تؤمن بذلك. علينا أن ندرك أننا ندمر أنفسنا بأنفسنا لو استمر الحال علي ما هو عليه, حكومة عاجزة ومعارضة تبحث لها عن دور وهدفها إسقاط النظام الذي لم يراعها في توزيع الغنائم ويحاول الاستئثار لنفسه بكل شيء, بينما الشارع يغلي فيخرج ليدمر, نحن في اللحظات الأخيرة قبل الانفجار فمن يمد يده لينزع الفتيل؟!. المزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل