قصة الخصخصة حكاية أصبحت بلا نهاية, والأهم ليس في توقفها أو استمرارها, بل في مصير الأصول والموارد الاقتصادية التي كانت علي ذمة هذه العملية, وكيف سيتم التعامل معها. (1)الواقع المؤسف يقول إن عملية الخصخصة لم تسفر طوال تاريخها في مصر عن تحقيق انجاز اقتصادي له شأن, بالرغم من أنها بدأت منذ عشرات السنين من أوائل عهد الرئيس الراحل السادات.. وأغلب المشروعات التي نشأت في مصر منذ ذلك الحين لم تخرج من رحم الشركات التي كانت تتبع ما يسمي بالقطاع العام. بل نشأت في القطاع الخاص منذ البداية. وينطبق هذا علي مصانع تجميع السيارات, والغزل والنسيج والملابس الجاهزة والسيراميك وحتي الحديد( مع استثناء واحد تقريبا هو حالة مصنع حديد الدرفلة بالدخيلة.. الخ). وعلي الرغم من أن القطاع العام كان يهيمن علي أصول تزيد قيمتها علي600 مليار جنيه بأسعار التسعينيات, فانه يبدو أن غالبية الذين أقبلوا علي شراء المصانع القديمة أو امتلاك انصبة حاكمة في اسهمها كانوا من المضاربين علي الأسعار, سواء اسعار العقارات أو الاراضي, ولهذا يبدو أن دوافعهم لم تنصرف إلي تطوير و تنمية هذه المصانع, والتوسع في الاستثمار بها وتغيير هياكل ونظم إدارتها ولعل هذا هو السبب في عدم ظهور سلع ذات شأن في السوق المصرية من إنتاج تلك المصانع. لماذا؟ الغالب أن نوعية المستثمرين أو الباحثين عن فرص الاستثمار الذين أقبلوا علي مشروع الخصخصة في مصر كانوا من درجة متدنية جدا عند مقارنتهم برجال الأعمال في عالم اليوم. فلم تكن لديهم الخبرات والقدرات والمهارات التي تمكنهم من تطوير هذه الشركات, ورفع كفاءة الأداء بها, وزيادة الإنتاج وتنمية مهارات العمال. ووفقا للمتواتر فإنه قد اعتري هذه العملية فساد وجهل وغفلة وسوء إدراك أضاع علي المجتمع ثروة عظيمة. (2) عندما نتحدث عن الخصخصة يلزم ألا ننسي أن هناك دولا سبقتنا إلي هذا العمل, ففي حالة تشيكوسلوفاكيا يكفي أن نتذكر مثلا ذلك الاتفاق بين شركتي سكودا وفولكس فاجن لصناعة السيارات. وقضي هذا الاتفاق بأن تنفق فولكس فاجن خمسة مليارات دولار خلال خمس سنوات اعتبارا من عام1989 في تطوير سكودا. وبأن تباع السيارات الناتجة من الشركة الجديدة بعد الخصخصة باسم سكودا في أوروبا الشرقية, وباسم فولكس فاجن في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية, وفي باقي العالم بالاسمين معا, كما قضي ببقاء العمالة كما هي عند حجمها وقت الاتفاق, ويكفي الآن أن ينظر القارئ إلي الشوارع في مصر ليراقب ويري بعينيه حجم التطور المذهل المترتب علي الخصخصة في جمهورية التشيك نتيجة الاتفاق التاريخي بين شركتي فولكس فاجن وسكودا. وهنا توجد ملاحظات مهمة: أن برنامج الخصخصة التشيكي جذب عملاق السيارات الألماني وتعامل معه بكل جدية وعلي قدم المساواة وبندية كاملة, ووضع شروطا التزم بها الألمان ثم انه لم يتردد أبدا أي حديث عن فساد في مثل هذه الصفقة العملاقة التي تعتبر من أنجح صفقات الخصخصة عبر القرن ال20. (3) الآن, وقد قرأنا في مصر وقف برنامج الخصخصة والتوقف عن طرح الشركات ولوكانت خاسرة للخصخصة, فماذا سنفعل؟ القضية ليست في الخصخصة أو في عدمها, وليس صحيحا اطلاقا ما يقال من أن الخصخصة هي عملية بيع لمصر, فهذا كلام فارغ. فمصر ايضا ليست امتلاك منشآت خردة أو خرابات. أم القضية كلها دعايات انتخابية فارغة؟ القضية الجوهرية هي في سوء إدارة المنشآت والشركات المملوكة أو التابعة لقطاع الأعمال العام. والقضية ايضا في عدم وجود أي تصور أو تخطيط محدد لحجم الاستثمارات المطلوبة لتطوير وتنمية قدرات هذه المنشآت, ولا جدال أبدا في أن حظر بيع الشركات والمنشآت للمضاربين والسماسرة والمغامرين هو أمر جيد. فليس من العدل أبدا أن أبيع شركة ب225 مليون جنيه, ثم في اليوم التالي نكتشف أن الذي اشتراها يعرض أرضها فقط للبيع ب4 مليارات جنيه! فإذا كان جحا أولي بلحم توره, فإن المصريين أولي بمنشآتهم. المطلوب هو تطويرها وتنميتها وتحديثها. وهذا يحتاج إلي إدارة وتمويل ومحاسبة صارمة, فكيف يتحقق هذا؟ ثم أنه لابد من وجود برلمان قوي يحاسب المسئولين عن أعمالهم ويضع النتائج نصب عينيه, وعلي أتم استعداد لأن يفرض غرامات علي المخالفين, كما فعل مع وزير أسبق عندما أرغمه علي رد المبالغ التي تقاضاها دون وجه حق. إن تجميد التصرف في الشركات ليس الحل. انه يمنع الفساد أو علي الأقل يمنعنا من أن نظهر أمام العالم كأننا عبط لا نعرف قيمة ما في أيدينا, لكن الأهم هو ماذا نفعل بها؟ ان الامساك بها دون حل واستمرار الانفاق عليها ومنح المرتبات والحوافز والمكافآت للعاملين بها برغم الخسائر التي تحققها لن يجعلنا نحتل درجة عبط أقل إذا رسمنا سلما لمستويات العتة والبلاهة. ماذا نفعل؟! [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن