وجهك مرسوم علي سحابة بيضاء تعبر السماء. وتحتها وجهي الذي يغيم في سحابة من البكاء, سحابتان عالمي الذي يتيح لي في رحلة الوجود بعض صبوة, وبعض ماء. ياقطرة الضوء التي تنهل في عيني فجرا من صبا ومن سناء. وياملاذ روحي الغريبة الأطوار, حين تجمع الأشتات في لقاء. ساعتها, أكاد لا أري سواك, لا أحس غير ذاتك البديعة الصفات والعظيمة البهاء. لا صوت غير صوتك الأثير في سمعي وفي نفسي معا, حين يدب في قرار روحي الظمأي التي يسكنها ومض الرجاء. ميلي كما تميل هبة النسيم واستديري مثلما ينعقد الضياء, كوني لي الرحيق, والمدي السحيق, والغروب والشروق, والمكان والزمان, والوجود والشرود, والصباح والمساء. ولوني أيامنا بلونك الذي جعلته صفاء سحرها المسكوب في الطعام والشراب, وهيئي الكؤوس والأكواب. الآن, لا سواك لي, حصيلة للعمر في خاتمة المطاف, يا بهية الأوصاف, يارفيقة الدرب الذي يموج بالظلال والوجوه والأطياف, ياشهية الثمار في مواسم الجفاف ياسخية العطاء دونما ضفاف. يا أنت يا لؤلؤة تسكن في الأصداف! هل كنت في صفحة الأزل؟ وكنت لك! وحينما دار الزمان واستدار, حين شارف الفلك, ماذا جري لذلك السر الذي انتهك, وفاح عطره الفريد في كياننا معا, علي زماننا الذي امتلك. أضاءت الدنيا ونور الوجود والحلك. وسبحت يمامة بلحنها الوديع في شرفتنا: الملك لك, الملك لك, فجاء بلبل من البعيد هاتفا مرددا: ما أجملك ما أجملك! في زحمة الوجوه لا يغيب وجهك الغريق في الصفاء. في زحمة العطور لا يضيع عطرك الشفيف بالنقاء. تنساب نفحة من ياسمين سحره الفواح في الأرجاء, فتستفيق الروح من غشاوة الرؤي, وتعبق الأنفاس, والأصوات, والأشياء. تنساب موسيقي خفية تدغدغ الجوانح النشوي, وتملأ الفضاء. عطر وموسيقي معا؟ فليصدح الوجود بالغناء! مالي أراك مطرقا, ياأيها الحزن الشفيف, واقفا بلا ملال, تعبرك الأضواء والظلال, والسفائن المسافرة, لا أنت منتم إلي هنا, ولا مغادر وراء حلمك البعيد, والقوافل المهاجرة. هل كنت غير ذرة تائهة بين سديم الكون, في دوامة الغبار؟ ليست تطيق أن تظل وحدها, بعيدة عن غيرها, لكنها طليقة الجناح في مدي فضاء لا يضيق! يا أيها الحزن الذي يأتي مذكرا بكل من غابوا, وصرنا وحدنا من بعدهم نموج في إطلالة الذكري, وأشجان رحيل دائم, وتوقنا لما افتقدناه, وضاع منا. ألم يكونوا صفونا الجميل, عمرنا الحفيل, بعض سمتنا الجليل, في مهابة العيون, وارتجافة القلوب؟ أنت حزين مثلنا ياأيها الحزين النبيل لفقد من ترحلوا, وأنت باق بيننا, متكأ لشجونا وبوحنا, حين تطل هذه الوجوه والأطياف, مثل هالات الضياء حولنا, ويسبح المكان في سحابة البخور والعطور, وتشرق العيون بالدعاء والهتاف والحنان.. هيا بنا نفتح الأبواب والنوافذ البعيدة, كي يدخل الصباح حاملا أنفاسه الجديدة, مبتدئين دورة الحياة والوجود, لاهثة أنفاسنا لخبر تحمله الجريدة! المزيد من مقالات فاروق شوشة