مع تطور الأحداث في مصر سريعا حيث أصبح من الصعب توقع ردود أفعال المتخصصين والمحللين في تلاحق الأحداث بمصر المستشارة الدكتورة نهي الزيني أستاذ القانون الدستوري تتعامل مع الأحداث بالمنطق أحيانا والواقعية أحيانا أخري فهي أمرأة مصرية عصرية وقانونية متخصصة تقف علي الحياد لم تتأثر بالانقسام السياسي علي الساحة او الاستقطاب الحاد الذي تمارسه القوي السياسة مماجعلها تحبس رؤيتها السياسية داخلها ولكنها قررت ان تدلي بدلوها.. اكدت ان تعبيرات الأخونة والميليشيات هي باب المكايدة السياسية وان الدستور حقق المساواة للمرأة المصرية حتي وان لم تقل نعم له وان ليس جميع الأقباط رفضوا الدستور بل وافق بعضهم حتي تدور العجلة استجابة للدعاية وقتها.. كما ابدت رأيها في تصريحات بعض رموز الإخوان المسلمين واعتصام القضاة ومن المسئول عن ذلك ومن هو الحاكم الفعلي في مصر؟ كان للأهرام هذا الحوار كيف تقرئين المشهد السياسي الحالي؟ لاشك أن إقرار الدستور جعل المشهد اكثر وضوحا حيث كان من المفترض أن يتم بناؤه علي حالة التوافق الوطني لكن ماحدث كان عكس ذلك فتم إقراره بالمغالبة وبالصفقات السياسية فأصبح كأنه مانفيستو حزبي وليس وثيقة إجماع وطني لذلك انقسم المشهد السياسي الحالي الي فريقين رئيسيين يضم كل منهما مجموعة قوي غير متجانسة سواء من حيث الايديولوجية أو المنطلقات الوطنية والأهداف: الفريق الأول هو المؤيد للدستور ويضم جماعة الاخوان كلاعب أساسي والمتحالفين معها التي تعتقد أن اقرار الدستور بهذا الشكل يساعد علي تطبيق الشريعة الاسلامية أو بعض القوي السياسية التي ليس لها وجود حقيقي في الشارع وهي تري أن تحالفها مع النظام الحاكم سيسهل لها العمل والانتشار وتقلد المناصب أما الفريق الآخر وهو المعارض للدستور فيتكون من أحزاب صغيرة ناشئة ومعارضين حقيقيين وقوي وطنية شريفة تخشي علي مستقبل مصر من سياسات المغالبة والاستئثار التي تدفع باتجاه الفوضي والتقسيم والتبعية بالاضافة إلي أحزاب تحالفت مع النظام المخلوع واسهمت قبل الثورة في إفساد الحياة السياسية تتردد من وقت لآخر مقولات مثل الأخونة والميليشيات المخبأة لوقت اللزوم ؟ هذه تعبيرات تطلق من باب المكائد السياسية وليس لها مدلول محدد فمثلا الأخونة مصطلح هلامي وفي أغلب الدول حزب الاغلبية هو الذي يشكل الحكومة وعندما كان الوفد يحكم في الماضي كانت جميع المناصب من أول رئيس الحكومة حتي العمد والمشايخ في القري للوفديين ولم يتحدث أحد عن وفدنة الدولة وكذلك الكلام عن الميليشيات يشبه الكلام عن مؤامرات خفية بدون دليل. ما ملاحظاتك علي مواد الدستور ؟ مشكلة الدستور الأساسية هي طريقة إقراره وفي ظل صراع مجتمعي وصل إلي درجة التقاتل وإراقة الدماء وهي حالة لايجوز معها تمرير الدساتير لأنها لا تضمن لها الفاعلية والاستمرار, والدستور في أي بلد لاتصنعه الأغلبية فما بالك إذا كانت الأقلية هي التي صنعت هذا الدستور فهو دستور الأقلية المتغلبة نتيجة انسحاب كل التيارات السياسية والقوي الوطنية الممثلة في الجمعية التأسيسية باستثناء تيار واحد ثم جاءت نتيجة الاستفتاء لتكشف أن مايزيد علي ثلثي الناخبين رفضوا الدستور بالتصويت ب لا أو بمقاطعة الاستفتاء وهي إحدي آليات الرفض وبالتالي صدر دستور لايمكن أن يعيش طويلا, أما علي مستوي النصوص فهناك بلا شك نصوص جيدة ولكن هناك أيضا نصوصا خطيرة مثل المادة التي ربطت التجريم والعقاب بالنص الدستوري مباشرة وهو أمر قد يفتح الباب لممارسات تهدد حقوق المواطنين تحت ستار الاجتهاد القضائي كما أن المواد الخاصة بالحقوق والحريات تضع قيودا غير منضبطة علي ممارستها وتستخدم عبارات شعبوية فضفاضة مما يفرغ الحق من مضمونه كما جاءت نصوص الدستور متواضعة جدا ومخيبة للآمال في مجال دعم العدالة الاجتماعية رغم أنها كانت مطلبا أساسيا لثورة25 يناير. تقصدين أن الدستور لن يحقق الاستقرار المطلوب ؟ لايمكن لأي دستور أن يصبح أداة لعملية الاستقرار والنمو و يعتقد البعض أن التوافق معناه أن يوافق الجميع علي كل التفاصيل وهذا طبعا غير متصور عقلا نتيجة لاختلافات البشر, ولكن المقصود هو الاتفاق علي الثوابت والأهداف الوطنية الجامعة المتجاوزة للانتماءات الايديولوجية والعقائدية والفكرية والسياسية لأن هذا كله مكانه البرامج الحزبية وليس الدساتير, المشكلة أن من صنعوا الدستور خلطوا بينه وبين البرنامج الحزبي ثم جاءوا بمتخصصين متعاونين ليقوموا بتسويق الأمر الواقع مع الأسف. وماذا عن وضع المرأة في الدستور ؟ وهل يرضيك كامرأة ؟ أنا كنت دائما ضد إفراد المرأة بنص خاص كما تفعل كثير من الدساتير وهذا يعد نوعا من التمييز في النظرة للمرأة وكأنها كائن مختلف أو مواطن منقوص يستدعي أحكاما خاصة, لذلك يجب أن يعالج وضع المرأة قانونيا داخل إطارين الأول بصفتها مواطنا مساو للرجل تماما في الحقوق والواجبات وبالتالي تخاطبهما نصوص موحدة والثاني هو الاهتمام بوضعها داخل الأسرة دعما لمؤسسة الأسرة نفسها كنواة للمجتمع وأعتقد أن الدستور الحالي كان موفقا في هذه الناحية بالتحديد. هل وضع الأقباط سيكون مختلفا بعد إقرار الدستور؟ ليس الأقباط وحدهم من رفضوا الدستور فأغلب القوي الحية في المجتمع رفضته وبالمقابل ليس كل الأقباط رفضوا الدستور فبعضهم وافق عليه خصوصا من محدودي الدخل الذين تأثروا بدعاية قل نعم لتدور العجلة, وبالنسبة لوضع الأقباط بعد إقرار الدستور فلابد أن ينظر إليه من ناحيتين: الأولي بصفتهم مواطنين مصريين وبالتالي فكل النصوص الدستورية التي تدعم حقوق المصريين ستكون في مصلحتهم وكل مايهدد حقوق المصريين سيهدد حقوقهم, أما من ناحية خصوصيتهم الدينية فلا يوجد من الناحية النظرية ماينتقص منها لأن الشريعة الاسلامية إذا طبقت بشكل سليم فهي تحمي حقوق غير المسلمين وحرياتهم الدينية بشكل أكبر من أي نظام قانوني آخر ولذلك أنا أري أنه لم يكن هناك داع للمادة الثالثة بل ان مخاطرها أكبر من ايجابياتها. هل التيار الإسلامي في مصر يعمل بمنطق سياسي سليم ؟ جميع التيارات السياسية في مصر تخطو خطواتها الأولي بعد عقود طويلة من الانسداد السياسي والشلل الحزبي وأغلب السياسيين الآن يرددون شعارات أكثر مما يمارسون عملا حقيقيا علي الأرض والأحزاب التي كانت موجودة قبل ثورة يناير كانت تستخدم كديكور ديمقراطي لنظام استبدادي أما الأحزاب التي نشأت بعد الثورة فما زالت تتعلم عن طريق الخطأ والصواب وحتي شعبية الإخوان حصلوا عليها من العمل الدعوي والخيري أكثر من السياسي, لكن مايعيب التيار الاسلامي بوجه عام هو أنهم لايتحملون النقد ويزعمون أن من يعارضهم يقصد معارضة الاسلام أو المشروع الاسلامي وهذا كذب وتدليس لأن الطبيعي أن من وصل للسلطة توضع شعاراته موضع الاختبار ويوجه إليه النقد عندما تتعارض أفعاله مع أقواله وعندما لاينفذ وعوده ولابد لنجاح التجربة الديمقراطية أن نتعود الفصل بين المقدس وغير المقدس ونقبل النقد والمعارضة في جميع صورها السلمية. وكيف رأيت تصريحات عصام العريان الأخيرة بخصوص اليهود ؟ أعتقد أن تصريحاته لم تكن مجرد رأي شخصي ولكنها بالون اختبار لمعرفة رد فعل الشارع تجاه مزيد من الخطوات التطبيعية مع الكيان الصهيوني وأعتقد أن جماعة الاخوان كانت سعيدة لرد الفعل السلبي الذي قوبلت به هذه التصريحات لأن التعلل بالرفض الشعبي قد يساعدهم علي تأجيل استحقاقات الدعم الأمريكي خصوصا في هذه القضية الحساسة التي تتعلق بثوابتهم التاريخية. وكيف تنظرين لدور التيار السلفي في إدارة المرحلة ؟ التيار السلفي بوجه عام لايؤمن بالديمقراطية إلا باعتبارها آلية لحصد الأغلبية التي تمكنهم من تطبيق الشريعة, وهذا أمر جيد ومشروع لكن المشكلة أنه سيظل هناك نوع من الصراع بين العمل الحزبي بشكله الحالي والأصول السلفية المرتبطة بمرجعيتهم الاسلامية مما سيؤثر علي حيوية هذا التيار وقدرته علي العمل السياسي ككيان مستقل فعليا وليس شكليا فقط عن الاخوان ولذلك توقعت منذ أن دخل السلفيون العمل السياسي أنهم سينتهون إما إلي الانسحاب والاكتفاء بالعمل الدعوي أو التحول إلي نموذج مطابق للنموذج الاخواني والمسألة تحتاج لبعض الوقت. هل المعركة الدائرة بين القضاة والرئاسة كانت متعمدة لتمرير الدستور دون إشراف قضائي ؟ مايحدث علي الساحة القضائية أسبابه عديدة ومتداخلة منها محاولات الإفساد التي قام بها النظام المخلوع لجميع مؤسسات الدولة ومنها مؤسسة القضاء وفقدان بعض القضاة لحيادهم المطلوب في التعاطي مع الأحداث السياسية بالاضافة إلي العشوائية والتخبط في القرارات الرئاسية المتعلقة بالقضاء من ناحية ضبط مشروعيتها وتوقيت صدورها وطريقة الاعلان عنها ومعالجة آثارها, أما بالنسبة للدستور فقد تم الاستفتاء عليه تحت إشراف قضائي كامل ولايوجد حتي الآن مايؤكد خلاف ذلك وكثير مما أثير حول هذا الموضوع ثبت عدم صحته. وماذا عن أزمة النائب العام ؟ الحقيقة ان تغيير النائب العام السابق كان ضروريا لأنه أحد مطالب الثورة لكن الاسلوب الذي تم به هذا التغيير لم يكن موفقا فسبب حالة احتقان شديدة بين القضاة كما أن النائب العام الحالي أخطأ عندما تقدم باستقالته ثم تراجع عنها وحتي لو كان استقال تحت تهديد المعتصمين فلم يكن من اللائق إذاعة ذلك علي الرأي العام وأري أن هذا الموضوع لابد من معالجته بتعقل وداخل المؤسسة القضائية بعيدا عن التدخلات السياسية والاعلامية. نعيش في مصر حالة انقسام واضحة بين تيار اسلامي وتيار مدني, كيف تنتهي هذه الحالة ؟ أرفض مبدئيا مثل هذه التقسيمات التي ليس لها أساس فليس معني أني مسلمة أني ضد الدولة المدنية وليس معني أني رفضت الدستور أني ضد المشروع الاسلامي, أما الاختلافات بين البشر فهي أمر طبيعي ودائم بل ستظهر الاختلافات بشكل أكبر كلما تمتع المواطنون بالحرية لأن الناس لاتكون قوالب نمطية إلا في الأنظمة الفاشستية المستبدة ولذلك لاأتمني أن ينتهي الاختلاف ولكن اتمني أن ينتهي العداء بين الشرفاء بسبب اختلافات ايديولوجية أو سياسية فالعداء الوحيد يجب أن يكون بين الشرفاء سواء كانوا في السلطة أو المعارضة وبين أعداء الوطن والفاسدين ولكن عندما يتعاون الشرفاء مع المنافقين والذين أفسدوا حياتنا ليحققوا بهم أغلبية أو ليواجهوا منافسيهم كما يحدث حاليا فهذه هي المصيبة التي ستؤدي إلي إعادة انتاج النظام المخلوع. هل سيعود الجيش لإدارة شئون البلاد لانهاء حالة الفوضي والانهيار للدولة ؟ هذا ما يجب أن يرفضه أي وطني مخلص فعودة الجيش إلي مستنقع العمل السياسي يضر بالوطن ويؤثر علي مهنية وحيادية الجيش المصري ويبقينا في دائرة التخلف التي تجمدنا فيها لعقود طويلة ويقضي علي الأمل الذي بذل شهداء الثورة أرواحهم لتحقيقه, الجيش مكانه حماية الحدود وتجربة الحرية والتقدم لابد أن تنجح بإذن الله لكن بعد أن ندفع ثمنها كاملا. تدعو جبهة الإنقاذ الوطني إلي التظاهر يوم25 يناير لإسقاط الدستور, هل هي الموجة الثانية من الثورة ؟ مازال أمام الثورة المصرية موجات متعددة حتي نصل إلي الاستقرار وإلي وطن يسع الجميع بدون اقصاء أو تكفير أو تخوين, والثورة ليست مجرد مظاهرات ولكنها بالاساس حركة لتحقيق الأهداف ومع ذلك فإن تظاهر المعارضة أمر مشروع مادام يتم سلميا وعلي الطرف الآخر تجنب النزول أمامهم لإظهار القوة فالشارع يجب أن يبقي حقا للمعارضة وحدها لكي تستطيع توصيل صوتها ولكي نفوت الفرصة علي من يريد استغلال مثل هذه الاحداث للقتل والتخريب.