برغم الجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس الأمريكي أوباما من أجل تهيئة مناخ دولي أفضل, يساعد علي تشديد العقوبات والإجراءات التي تجعل معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي تم توقيعها قبل40 عاما أكثر قوة وفاعلية. تقدر علي إلزام برامج الدول النووية بالشفافية الكاملة, وتمنع فرص وصول السلاح النووي إلي أيدي جماعات الإرهاب, وتكتل جهود المجتمع الدولي لحصار إيران النووية, وإلزامها بالانصياع لقرارات مجلس الأمن والتزام الشفافية في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة, أو الخضوع لمجموعة رابعة من العقوبات تصدر عن مجلس الأمن, توشك الولاياتالمتحدة علي الحصول علي موافقة الصين بعد موافقة الروس عليها, لايزال مصير مؤتمر مراجعة معاهدة الحظر الذي يضم189 دولة وقعت علي المعاهدة, وبدأ أعماله في نيويورك هذا الأسبوع, والمنوط به الموافقة باجماع الآراء علي تشديد العقوبات والإجراءات لإحكام الحظر علي انتشار الأسلحة النووية معلقا علي المجهول, وثمة احتمالات قوية في ان يواجه المؤتمر الذي يعقد مرة كل خمس سنوات وتستمر اعماله شهرا كاملا الفشل الذريع, كما حدث لمؤتمر المراجعة السابق بسبب الابقاء علي المعايير المزدوجة التي تسمح لإسرائيل امتلاك ترسانة نووية ضخمة تضم مابين100 و200 رأس نووي, وتعفي منشآتها النووية من دون كل دول العالم من الخضوع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة. وبرغم تباين المواقف بين القاهرةوطهران واختلاف منطلقاتها السياسية, تلتزم الدولتان, مصر وإيران, مند فترة طويلة برفض المعايير المزدوجة في قضية التسلح النووي والعمل علي إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل, كما تصر الدولتان علي ضرورة تكافؤ حقوق الدول النووية الأعضاء في معاهدة الحظر مع حقوق الدول غير النووية التي تخضع منشآتها للتفتيش الدولي من قبل الوكالة الدولية للطاقة, وتتعرض لعقوبات مجلس الأمن لأبسط المخالفات, ويتم التضييق علي حقها في استخدام الطاقة النووية في مشروعات التنمية السلمية, وفي المقابل تسعي الولاياتالمتحدة إلي حصار الموقف النووي الإيراني, وقطع الطريق علي إمكانيه توافق مواقف الدولتين, مصر وإيران حول بعض بنود المؤتمر خاصة مايتعلق منها بالمعايير المزدوجة, كما تحاول اغراء مصر علي قبول حل وسط في قضية إخلاء الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل علي امل ان يتوافق مؤتمر المراجعة علي وثيقة جديدة تلبي مطالب الإدارة الأمريكية. وما من شك في ان إدارة اوباما فعلت الكثير من اجل تغيير المناخ الدولي الذي يحيط بقضية احتكار الاسلحة النووية, علي امل ان يصبح المجتمع الدولي أكثر قبولا لعدد من التعديلات الجديدة المشتددة التي تريد واشنطن ادخالها علي المعاهدة, كما سعت إلي الالتقاء في منتصف الطريق مع مطالب الدول غير النووية الأعضاء في معاهدة الحظر, وغيرت كثيرا من الثوابت التي كانت تحفظ للدول النووية الخمس الكبري الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن حق احتكار السلاح النووي, كما التزمت إدارة أوباما سياسة نووية جديدة أكثر شفافية, لكنها مع الاسف لم تزل ترعي المعايير المزدوجة التي كانت السبب الرئيسي في توافق الموقفين المصري والإيراني وترفض المساس بها, برغم ادراك الرئيس أوباما لقوة الترابط والتداخل بين الملف النووي الإيراني وبقية قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, وبرغم نصائح الموقف المصري المتكررة التي تؤكد دائما ان المدخل الصحيح لمعالجة الملف النووي الإيراني هو توحيد المعايير التي يتم استخدامها مع كل من إيران وإسرائيل والعمل الجاد من اجل اخلاء منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل وانهاء المعايير المزدوجة احتراما للشرعية الدولية. عمل الرئيس الأمريكي علي أكثر من محور كي يغيرالمناخ الدولي ويؤكد مصداقية سياسته النووية الجديدة, والتزم بالعمل من اجل عالم خال من الاسلحة النووية ربما يصعب انجازه خلال حياته لكن المهم ان يبدأ, وأنجز اتفاقية خفض متبادل للأسلحة النووية بين روسياوالولاياتالمتحدة تحدد عدد الأسلحة النووية في ترسانة كل منهما, واعتمد سياسة أمريكية نووية جديدة تمنع الولاياتالمتحدة من استخدام السلاح النووي الأمريكي ضد أي دولة غير نووية باستثناء إيران وكوريا الشمالية, وتعهد بعدم انتاج وتطوير أي أسلحة نووية جديدة, وشجع الدول النووية الخمس علي تبني برامج لخفض ترساناتها النووية وعدم إنتاج اسلحة جديدة, وكشف لأول مرة منذ الحرب الباردة سرا خطيرا كان دائما من الاسرار العسكرية الأمريكية التي لايمكن لاحد الاقتراب منها, عندما اعلن قبل عدة أيام عن الحجم الحقيقي للرؤوس النووية الموجودة في الترسانة الأمريكية الذي يصل إلي5113 رأسا نوويا, ليحفز الدول الاعضاء في معاهدة الحظر علي الالتزام بالشفافية الكاملة في كل مايتعلق ببرامجها النووية, هدفه من ذلك, حصار الموقف الإيراني وعزله عن باقي مواقف دول المؤتمر وحرمانه من أي تعاطف دولي. وماحدث بالفعل, ان المؤتمر تحول منذ لحظة افتتاحه إلي مواجهة عنيفة بين إيرانوالولاياتالمتحدة في وجود الرئيس الإيراني احمدي نجاد الذي كان رئيس الدولة الوحيد الذي شهد اعمال المؤتمر وشن هجوما شديدا علي الولاياتالمتحدة انكر فيه ان تكون إيران تسعي إلي إنتاج سلاح نووي, لأن إيران ترفض ذلك من موقف مبدئي وديني, وتعتبر إنتاج سلاح نووي واستخدامه كما اعلن الرئيس الإيراني عملا غير اخلاقي لانه يدمر الحياة والبشر والخلق والطبيعة مؤكدا رفض طهران لرضوخ لمطالب الولاياتالمتحدة التي تريد حرمان إيران من استخدام التكنولوجيا النووية لخدمة اهدافها في التنمية, مع تأكيده استعداد إيران لقبول تسوية سياسية للملف النووي الإيراني عبر وساطة جديدة تقوم بها تركيا والبرازيل, كما ابدي الرئيس الإيراني استعداده لإعادة مناقشة عرض الوكالة الدولية للطاقة لنقل1200 كيلوجرام من مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب إلي روسيا وفرنسا لإعادة تخصيبها هناك, ولكن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اتهمت الرئيس الإيراني بالخداع والمناورة والسعي إلي كسب الوقت وتعويق جهود المجتمع الدولي لاستصدار مجموعة رابعة من العقوبات ضد إيران من مجلس الأمن خاصة ان واشنطن قاربت علي النجاح في كسب مساندة الصين التي كانت ترفض إقرار عقوبات جديدة ضد طهران. تعرض أحمد نجاد داخل المؤتمر لحملة هجوم وانتقاد ثلاثية الابعاد, بدأها سكرتير عام الاممالمتحدة بان كي مون الذي طلب من إيران الانصياع لقرارات الأممالمتحدة, والالتزام بقرارات مجلس الأمن ووقف عمليات تخصيب اليورانيوم التي تهدف إلي إنتاج سلاح نووي, والتزام الشفافية الكاملة في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة, وتبعه مدير الوكالة الدولية للطاقة امانو الذي اكد في خطابه امام الجمعية العامة ان الوكالة الدولية عاجزة عن اثبات ان جميع انشطة إيران النووية انشطة سلمية لان طهران لاتتعاون علي نحو جاد مع الوكالة الدولية, ولاتقدم الإجابات الصحيحة عن العديد من الاستفسارات المطروحة, ثم جاء هجوم وزيرة الخارجية الأمريكية التي رفضت استئناف الحوار مع طهران حول قضية تصدير اليورانيوم الإيراني إلي الخارج, لأنها لاتعدو أن تكون خدعة جديدة لتعطيل مسار العقوبات. وسواء نجحت واشنطن في عزل الموقف الإيراني أو اخفقت فان مؤتمر المراجعة لايزال يواجه رفض العديد من الدول في مقدمتها مصر وعدد من الدول غير المنحازة لاستمرار المعايير المزدوجة التي مكنت إسرائيل من إنتاج السلاح النووي وإنشاء ترسانة تضم مايقرب من200 رأس نووي واعفاء منشآتها النووية من رقابة الوكالة الدولية للطاقة في تميز فريد من نوعه لايحظي به بلد آخر, وتحاول الولاياتالمتحدة والدول الغربية البحث عن مخرج صحيح لهذه الأزمة التي تهدد بفشل المؤتمر, لأن مشكلة المعايير المزدوجة كانت العقبة الكؤود التي سببت فشل مؤتمر المراجعة في دورته السابقة قبل خمس سنوات, عندما رفضت إدارة بوش البدء في اتخاذ أي خطوات عملية محددة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الاسلحة النووية تنفيذا لقرار صدر عن مؤتمر المراجعة عام1995 كان يمكن لو انه خرج إلي حيز التنفيذ ان ينهي مشكلة الملف النووي الإيراني ويمنع التسلح النووي في الشرق الأوسط ويوفر مناخا دوليا جديدا يساعد علي انجاز تسوية نهائية للصراع العربي الإسرائيلي, لكن الولاياتالمتحدة ابتعلت تعهداتها السابقة ورفضت القيام بأي خطوة لتنفيذ القرار الذي صدر عام1995, بدعوي ان اخلاء الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل سوف يتم في موعده الصحيح! بعد انجاز سلام عادل شامل! ومع الأسف تواصل إدارة أوباما النهج نفسه وان يكن الوضع قد اصبح أكثر سوءا بعد ان اصدرت الولاياتالمتحدةوروسيا قبل اسابيع قليلة تأكيدا مشتركا علي تأجيل نزع سلاح إسرائيل النووي إلي مابعد تحقيق السلام الشامل.. ومعني الكلام ان تظل اسرائيل علي تفردها النووي وان تنصاع إيران وحدها لقرارات مجلس الأمن ورقابة الوكالة الدولية للطاقة وان تبقي المعايير المزدوجة الامر الذي يهدد بفشل المؤتمر مرة أخري. صحيح ان الدول الخمس الكبري, امريكا, وروسيا, وبريطانيا, وفرنسا, والصين اصدرت قبل يومين تعهدا مشتركا يؤكد التزامها بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية, وإنشاء مناطق مماثلة خالية من السلاح النووي في العالم عندما يكون ذلك ملائما ومتوافقا مع آمال دول المنطقة, لعل ذلك التعهد يخفف من مشكلة المعايير المزدوجة ووطأتها علي اعمال المؤتمر, لكن الواضح من التعهد الدولي الذي تروج له الولاياتالمتحدة انه مجرد اعلان نيات لاترتبط ببرنامج عملي ولايحدد سقفا زمنيا لهذه المهمة ولايرتب آليات محددة لتطبيق هذا التعهد بما يجعله مجرد آمال في الفراغ لايختلف كثيرا عن قرار مؤتمر دول المراجعة عام1995 الذي لم يتم تنفيذه.. ولااظن ان المصريين والعرب يمكن ان يقبلوا بهذه الصيغة الغامضة إلا ان يتم تعديلها طبقا لاقتراح مصري. بحيث ترتبط بخطوات عملية محددة أبسطها تحديد موعد لعقد مؤتمر دولي العام القادم للبدء في مناقشة آليات تنفيذ هذا التعهد.{