الاتفاق النووي الذي أبرمته روسيا الاتحادية والولاياتالمتحدةالأمريكية في العاصمة التشيكية «براغ»، يعتبر التطور الأبرز والأهم في هذه الألفية علي صعيد جهود نزع الأسلحة النووية، حيث وقع الرئيسان «باراك اوباما» و«ديمتري ميدفيديف» علي المعاهدة الجديدة المعروفة باسم (ستارت 2) والتي تخلف المعاهدة القديمة (ستارت 1) الموقعة بين الاتحاد السوفيتي (السابق) والولاياتالمتحدة سنة 1991 ، والتي انتهي العمل بها في الخامس من ديسمبر الماضي. وتنص المعاهدة الجديدة التي تم انجازها بعد عدة جولات شاقة من المفاوضات تحت إشراف مباشر من أوباما وميدفيديف علي التزام كل جانب بخفض ترسانته النووية إلي 1550 رأسا و800 منصة اطلاق، اضافة إلي 700 من حاملات الرؤوس مثل الصواريخ والغواصات والطائرات، وستخفض المعاهدة ترسانتي البلدين بنسبة 30% في غضون 7 سنوات، لكنها تبقي لكل منهما قوة نووية جبارة بمثابة عنصر قوة ردع للآخر، يمنعه من مجرد التفكير في توجيه ضربة نووية، لأنه يعلم تماما أنه سيتلقي ضربه رد ستكون في قوة الضربة الأولي، وهو ما يعرف بالردع النووي المتبادل0 وإذا كانت القوة النووية للبلدين ماتزال قائمة وتمثل خطرا داهما علي القوتين الكبيرتين في حال نشوب حرب بينهما تتطور إلي استخدام الأسلحة النووية، فما هي أهمية المعاهدة الجديدة0 وضع حد للتدهور الرئيس اوباما مثلا اعلن أن توقيع المعاهدة يظهر أن واشنطنوموسكو وضعتا حدا لتدهور علاقاتهما، مشددا علي أن الاتفاق سيجعل العالم أكثر أمنا، حيث ستسلم المفاوضات من أجل التوصل إلي تخفيضات قادمة في إطار التوصل إلي اتفاق حظر الانتشار النووي، يكون الأساس لعدم الانتشار النووي في العالم. أوباما اعتبر ايضا أن هذه المعاهدة تمثل تخليا عن الأفكار النمطية في التعامل مع روسيا، وإلي مرحلة جديدة للانطلاق في أطر للتعاون وهو ما تقتضيه المرحلة الجديدة، وبشكل فاعل وايجابي. إشارة لإيران وحديث اوباما عن متقضيات المرحلة الجديدة تم تفسيره دوليا علي أنها اشارة موجهة إلي ايران التي ينبغي ألا تراهن علي خلافات روسية أمريكية في مجال حظر انتشار الاسلحة النووية، وعلي أهمية ان تستوعب ايران أن القوتين العظميين يتخليان طوعا عن ترسانتهما النووية خطوة خطوة، ولا مجال لظهور قوي نووية جديدة. وابدي الرئيس الروسي ميدفيديف تأييدا لأفكار اوباما مشددا علي أن المعاهدة فتحت صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، وأن هذا الحدث سيكون اساسيا في مسيرة نزع السلاح والتعاون الدولي وجهود منع انتشار اسلحة الدمار الشامل، والحفاظ علي توازن مصالح روسيا وأمريكا. الدروع الصاروخية وإذا كانت الرسالة واضحة لإيران ، فإن هناك قضايا لاتزال معلقة بين روسيا وأمريكا، اخطرها قضية الدرع الصاروخية الأمريكية في دول مجاورة لروسيا، وعلي الرغم من التطمينات الأمريكية فإن هذه القضية ماتزال محل تفاوض مستقبلي في ظل اصرار الولاياتالمتحدة علي انها جزء من منظومة دفاعية ضد أي هجمات ايرانية بالصواريخ. عقوبات رسمية وهناك خلافات حول شكل العقوبات علي إيران، حيث عرض ميدفيديف فكرة «العقوبات الذكية» ضد إيران الخاصة بحظر نفطي ومنعها من الحصول علي معدات تكنولوجية متطورة، اضافة إلي الحظر المالي والتجاري وحركة السفر من وإلي إيران. والعقوبات الذكية التي تقترحها موسكو لا تلبي الطموحات الأمريكية التي تريد عقوبات حادة، تشمل في مرحلة لاحقة امكانية فرض حظر جوي وبحري علي إيران ، وهو عمل يمهد لحرب جديدة في المنطقة. الغياب الأوروبي كما تبدو الدول الأوروبية بعيدة عن الاتفاقات الروسية - الأمريكية، حيث جري تغييب هذه الدول رغم أنها لاعب رئيسي في القضايا الإقليمية والدولية، وخاصة أن الدول الأوروبية ستكون مدعوة لدفع فاتورة أكبر للمواجهة مع إيران وخاصة في مجال امدادات النفط، وتأثر علاقاتها التجارية بالمنطقة إذا اشتعلت مواجهة في الشرق الأوسط، علاوة علي اتساع ساحة المواجهات الدولية إلي كوريا الشمالية وافغانستان ومناطق أخري في إفريقيا خاصة القرن الإفريقي. ومن المؤكد أن المعاهدة الأمريكية- الروسية ستسهل تعاون البلدين في مجالات دولية كثيرة، وسيكون الاختبار الأهم والأول تجاه القضية الإيرانية، أما قضية الشرق الأوسط فهي غير مدرجة حتي الآن في إطار تعاون أو تفاهم القطبين الكبيرين، حيث تنفرد إسرائيل بالتحكم في الموقف وسط عجز روسي وضعف أوروبي وتردد أمريكي، وأخيرا شلل عربي مطبق.