البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    بالصور| التعدي على موظف حماية الأراضي خلال حملة تنفيذ إزالات بسوهاج    محافظ الغربية: ذبح 1168 أضحية مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    صرف المرتبات للعاملين بالدولة 18 يونيو    أصابوه بعاهة.. التعدي على مسؤول حماية الأراضي خلال تنفيذ إزالة بأرض زراعية بسوهاج "فيديو"    "بوليتيكو": من المُتوقع أن يتهم الاتحاد الأوروبي إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة    إعلام فلسطيني: جيش الاحتلال يقصف خيمة للنازحين في المواصي غربي خان يونس    الخارجية الروسية: نرفض استهداف منشآت إيران النووية ونسعى لحل بين واشنطن وطهران    حماس تنعى أمين حركة المجاهدين أسعد أبو شريعة    ملف يلا كورة.. وصول زيزو.. وإصابة إمام عاشور قبل مواجهة باتشوكا    السيطرة على حريق شب داخل عقار سكني بالتجمع    «صندوق المكافحة»: أنشطة بالمناطق «بديلة العشوائيات» للتوعية بأضرار المخدرات    مصرع مُسن سقط من قطار في نجع حمادي    انهار عليهم السقف.. مصرع شخص وإصابة 9 عمال في كفر الدوار    «المشروع إكس» يتصدر إيرادات أفلام عيد الأضحى    معتز التوني: الإخراج أقرب لقلبي.. وأتمنى تقديم مسلسل اجتماعي بعيدا عن الكوميديا    لقاءات تثقيفية وورش للأطفال.. قصر ثقافة الإسماعيلية يحتفل بعيد الأضحى    ممدوح عباس يوجه رسالة قوية للزمالك: لن آخذ على عاتقي التزامات جديدة    نجم الأهلي على موعد مع التاريخ في كأس العالم للأندية    «الفلوس؟».. زيزو يكشف سر انتقاله إلى الأهلي    اتحاد الكرة يخاطب الإمارات وقطر لمواجهة منتخبي الشباب والناشئين وديا    أحمد الشيخ يعلن الرحيل عن الإسماعيلى رسميا    ستام أسطورة هولندا: أرشح صلاح للفوز بالكرة الذهبية.. ومجموعة الأهلى بالمونديال صعبة    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 8 يونيو 2025    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    تعرف على الخطأ الطبي الجسيم وفقا للقانون    ضبط 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    رابط نتيجة الصف الأول الإعدادي 2025 برقم الجلوس    "قومي المرأة" ينظم لقاء تعريفيا بمبادرة "معا بالوعي نحميها" بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس    اندلاع حريق كبير في السوق القديم بمدينة بندر عباس جنوبي إيران    بعد هبوطه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 8 يونيو 2025    ابن شقيق عبد الحليم حافظ: صوت الفن ليس من حقها التعاقد على حفل مهرجان موازين    «باعتبرها أمي».. شريف منير يوجه رسالة مؤثرة إلى زوج ابنته أسما (فيديو)    أمريكا.. تفشي السالمونيلا في 7 ولايات وسحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق    ظاهرة جوية وصفتها الأرصاد ب «الخطيرة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحذر»    أخبار × 24 ساعة.. النقل: غرامة لمن يستخدم حارة الأتوبيس الترددى على الدائرى    «ماسك» يتحدى «ترامب» ب«حزب جديد» ينافس «الديمقراطيين» و«الجمهوريين»    وزير الخارجية يُندد بمواصلة إسرائيل «انتهاك القانون الدولي»    تصويت ساحق ل«عضوية فلسطين» كمراقب في «منظمة العمل الدولية»    مجلس الوزراء: التوجيه بالمتابعة المستمرة لذبح الأضاحي بالمجازر الحكومية    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    81 عاما من العطاء.. قضتها "نفيسة" في محو الأمية وتحفيظ القرآن للأهالي مجانا    أحمد زيزو: سأحترم جماهير الزمالك إذا سجلت في القمة    «الرعاية الصحية»: جولات ميدانية مكثفة لمتابعة سير العمل    قد تتحول إلى سموم ..تجنب وضع هذه الأشياء داخل الميكروويف    قوافل ومبادرات صحية تجوب المنوفية في ثاني أيام العيد.. صور    القاهرة الإخبارية: شرطة الاحتلال تعتدي على المتظاهرين وسط تل أبيب    الحجاج يخلدون رحلتهم الإيمانية في مشاهد مصورة.. سيلفى فى الحرم بين لحظة الخشوع وذاكرة الكاميرا    استمرار أعمال التجميل ورفع المخلفات بميادين الإسماعيلية    كل عام ومصر بخير    البابا تواضروس يلتقي شباب الإسكندرية بمنتدى كنيسة العذراء بسموحة يوليو المقبل    فى موسم الرحمة.. مشاهد البر تتصدر مناسك الحج هذا العام.. أبناء يسيرون بوالديهم نحو الجنة بين المشاعر المقدسة.. كراسى متحركة وسواعد حانية.. برّ لا يعرف التعب وأبناء يترجمون معنى الوفاء فى أعظم رحلة إيمانية    "أكلات العيد".. طريقة تحضير الأرز بالمزالكيا    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    12 عرضا في قنا مجانا.. قصور الثقافة تطلق عروضها المسرحية بجنوب الصعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ الذي قال لا
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 01 - 2013

لا‏..‏ النوارة المنيرة النيرة طليعة موكب النور والضياء‏..‏ لا‏..‏ الزاهدة في الحروف‏..‏ القانعة بالرشاقة‏..‏ المقتنعة بالاختصار‏..‏ الحاسمة في القرار‏..‏ الفاصلة في الحوار‏.. الرافضة لاجتماع منغلق المسار.. الفاضحة لخطابة الأكاذيب وزور الأرقام.. لا.. الجسور الشامخة.. الحرة الصادحة, ابنة الضمير الصاحي والفكر الواعي والعقل المتدبر والتدين الحق.. لا.. التي لم تعد تخرسها الصفعة علي الفم, ولا الركل بالحذاء, ولا السحل فوق الأسفلت, ولا التسديد لمقلة العين, ولا الخرطوش في الفؤاد, ولا الرصاصة في أم الرأس, ولا الإصابة من عل, ولا العزل ولا التجريف ولا التخويف ولا التهويش ولا التشويش, ولا التقليص والتقزيم والتحريم, ولا التأديب والتأنيب, ولا التنكيل ولا التكفير, ولا المنع, ولا القهر, ولا الطرد, ولا الترمل والثكل, ولا إطارات النار ولا قذائف المولوتوف ولا سيوف الرخام, ولا واردات أوتوبيسات الأقاليم, ولا الإحالة قبل المعاش إلي المعاش.. لا.. برأسها المرتفعة تناطح السحاب, ورنينها المدوي يرصده القاصي والداني, وصداها السابح في الآفاق فوق مآذن الحريات يمزق أستار الظلمات ويزرع الأمل الأخضر في أرض النعم القفر القابعة في كهوف التواكل والاستسلام وليس في الإمكان أفضل مما كان.. لا.. التي ينطقها اللسان فيتغني الإنسان الذي يسمع ويعي وسط غابة الطرشان.. لا.. التي قالها الرسل والأنبياء لأصنام العبادات فتفجرت رسالات الحق والإيمان.. لا.. التي حملتها لافتات الثورات فرحل الجبابرة صاغرين أمام إرادة الشعوب.. لا.. التي ذاقت حلاوتها الميادين فلم يعد لغضبتها عنها بديل.. لا.. الموجزة بعبقرية لتضع الفيل في المنديل, وتوقف زحف جيوش الأباطيل, وتفتح مغاليق قلاع الاستبداد, وتعترض علي عودة مواكب السيادة والجبروت, وتفضح من في قلبه مرض, وتشفر قوانين الليلة الغبراء.. لا.. التي قصت بها نساء مصر شعورهن في دعوة علنية للحاكم كي يجعل الحكم سلطة لا تسلطا, والبلاد وطنا وليس حظيرة, والمواطنين شعبا وليسوا قطيعا, والديمقراطية نظاما وليست كلاما, والنساء شقائق الرجال لهن مثل الذي عليهن بالمعروف.. لا.. التي في أوانها الموقوت جاءت, وفي مكانها الشاغر والمرتقب ظهرت, وفي الأفق المغبر بالضباب والتراب بزغت كالنجم القطبي الذي يهدي التائهين.. لا.. المعجزة التي تبدت, وكيف تنتهي المعجزات وخالقها وصانعها باق فوق عرشه ليس لقدرته غروب ولا غياب ولا انتهاء, صحيح أن معجزات الأنبياء والمرسلين قد طوت كتابها مع آخر نبي وأكرم رسول لكنها كما يقول فيلسوف باكستان وشاعرها الكبير محمد إقبال قد تركت مكانها لمعجزات الروح الإنساني والعقل الإنساني وإرادة الإنسان, وفي هذا يقول الصوفيون: إن لله عبادا إذا أرادوا أراد.. لا.. لا سبيل للم الشمل إلا بعودة الوطنية من أسفارها إلي منصتها العالية لتكون مصدر كل انطلاق ديني وسياسي وكل إصلاح اقتصادي واجتماعي وإنساني, أما أن نتفرق بعيدا عنها إلي منصات وجماعات مختلفة المصادر متناقضة المصائر فهذا خلل يفسر لنا ما نحن فيه من تصدع وخذلان ورحم الله الشاعر الذي قال عن أمثالنا:
وتشعبوا شعبا, فكل جزيرة..
فيها أمير المؤمنين ومنبرا
لا للكهانة التي لبست مسوح الدين وتشبهت به, واستطاعت أن تتطفل عليه, وتخالط بعض تعاليمه, ثم راحت تنفث سمومها في دأب ومثابرة لتبارك الرجعية الاقتصادية, والرجعية الاجتماعية حتي باتت الصدقة نظاما اقتصاديا لتجد الدعوة إلي الصدقة والبر والكفالة والإحسان في كل مناسبة ومكان وباب وشباك حتي لتكاد تشك: هل أنت في مجتمع أم في ملجأ!!
ولا.. وألف لا ولا لدعوة اليهود علي مائدة الغداء فماذا بعدها نعود نقول لأولادنا ونحن عرايا من قيم الجهاد والاستشهاد في أمر ملحمة العبور وانتصارات أكتوبر وأسر عساف ياجوري والسد الترابي ورفع العلم والعدوان الثلاثي وتهجير أهالي القناة ومدرسة بحر البقر ومحطة المطار السري والشاذلي والثغرة والجبهة والضبع الأسود والمدمرة إيلات وعيشوا كراما تحت ظل العلم, وأم البطل وجهنم هي حدودنا.. وعيد سيناء!!
وفي قول لا التاريخية تعد السيدة نفيسة حفيدة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب التي طرحوا قناعها علي صفحة النيل عندما غاض فزاد وفاض, تعد أكرم وأفصح من قال لا في وجه الحاكم الظالم وذلك عندما استغاث بها المصريون من ظلم ابن طولون فسألتهم عن موعد موكبه فقالوا في الغد, فكتبت إليه رقعة ووقفت تعترض طريقه في الغد, فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة التي جاء فيها قولها: ملكتم فأسرتم, وقدرتم فقهرتم, وخولتم ففسقتم, وردت إليكم الأرزاق فقطعتم, هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لاسيما من قلوب أوجعتموها, وأكباد جوعتموها, وأجساد عريتموها, فمحال أن يموت المظلوم ويبقي الظالم, اعملوا ما شئتم فإنا صابرون, وجوروا فإنا بالله مستجيرون, واظلموا فإنا إلي الله متظلمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. وكما ذكر القرماني صاحب المستطرف في تاريخه أن ابن طولون ما أن قرأ اعتراض السيدة نفيسة حتي عدل لوقته عن ظلمه.. ولا.. لم يكن شيخا واحدا من قالها في وجه المستبد فقد نطقت بها كوكبة من المشايخ الشامخين الذين يقودون الشعب في الحروب والثورات, وفي السياسة.. قالها من لم يخشوا في الله لومة لائم.. عشرة.. عشرون.. مائة.. وأكثر من المائة الخالدة من كبار العلماء الذين اعترضوا وثاروا وقاتلوا وقتلوا وحوربوا حتي الموت.. لا.. قالها الإمام الدردير الذي كرس حياته لنصرة المظلوم علي ظالمه, وقد أتاه يوما إلي أزهره أهل الحسينية بالقاهرة شاهرين أسلحتهم وهراواتهم يخبرون الشيخ بأن جنود الوالي الطاغية قد اقتحموا بيت الشيخ أحمد سالم شيخ مسجد سيدنا علي البيومي ونهبوا كل ما فيه, فإذا الشيخ يأمرهم بغلق أبواب الجامع الأزهر لتصعد طائفة منهم إلي مآذنه ينادون القوم ويدقون الطبول, فيغلق تجار الحي متاجرهم للإسراع بالانضمام, ويرسل الشيخ رسله إلي أحياء القاهرة فيلبون دعوته علي عجل حاملين سلاحهم فيقودهم الشيخ علي رأس مظاهرة عارمة هاتفا: إلي بيوت المعتدين لنأخذ ثأرنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم.. ويقطع المتظاهرون الأرض وثبا من خلف قائدهم الشيخ الجليل, وتترامي أصوات الهتافات القادمة بثورتها الهادرة إلي أسماع أمراء المماليك فلا يستطيعون ألا يعملوا لها ألف حساب قبل أن تسيل الدماء, ويسارعون إلي الشيخ الدردير يكتبون له عهدا برد جميع المنهوبات واعدين موقعين بألا يعودوا لمثلها أبدا.. هؤلاء المماليك أنفسهم هم الذين قوضوا الخلافة العباسية رغم بأسها واقتدارها وعنفوانها, لكنهم أمام الانتفاضة الغضبي للأزهر ومن خلفه شعب مصر صاروا هباء منثورا..
وعلي طريق اللا الساطعة رفض الشيخ الجليل حسن العدوي أن ينحني للخليفة العثماني السلطان عبدالعزيز حين زار القاهرة وكانوا قد أطلعوه مرارا وتكرارا أنه من آداب البروتوكول السلطاني الانحناء للخليفة ولخديو مصر الواقف إلي جواره, ولما لم يستحب العدوي للانحناء اصفر وجه الخديو إسماعيل وغص بريقه لتجاوز العدوي وانحني مرتجفا بالاعتذار للخليفة قائلا: معذرة يا مولاي فرغم أن هذا الشيخ من كبار العلماء فإن به لوثة تنتابه أحيانا, وإذا بالسلطان عبدالعزيز يرد عليه: كلا فإني لم أنشرح لمقابلة أحد مثل انشراحي بمقابلة الشيخ العدوي, ولا بأس عندي مطلقا إذا لم ينحن لي, أو أن يطالعني وجها لوجه وعينا في عين ثم أمر له بخلعة سنية.. وحين قامت ثورة أحمد عرابي وهزمته الخيانة وانحاز الخديو توفيق لها وتم القبض علي زعمائها وملهميها وبينهم شيخنا الجليل حسن العدوي سأله رئيس المحكمة العسكرية: هل أفتيت بعزل الخديو؟!! فأجابه العدوي ساخرا: حتي الآن لم أفت بعزله, ولكن إذا أردتم الآن فتواي, فإني أوقعها فورا بعزله, وليس في وسعكم إنكار أن الخديو توفيق مستحق للعزل, بعد أن خرج علي الدين والوطن!! وحكمت المحكمة بتجريد الشيخ من جميع رتبه وامتيازاته ومقعده الأمامي في الأزهر الشريف.. ويمضي الموكب الفريد المجيد من مشايخ الأحداث الكبيرة والثورات المتقدة يحفر كل منهم علي جدران تاريخ النضال المصري كلمة لا التي لا تأخذها هوادة أو مهادنة, وكان من بينهم الشيخ عبدالله الشناوي الذي وصفه الجبرتي بقوله إنه الإمام, الفقيه, المتحدث, الأصولي, المتكلم, الماهر, الشاعر, الأديب, الذي نشأ في بيت العلم والجلالة وكان يبدأ قصائده علي عادة الشعراء القدامي في الجاهلية والإسلام بالغزل الأنيق الرقيق كقوله:
وحقك أنت المني والطلب
وأنت المراد وأنت الأرب
ولي فيك يا هاجري صبوة
تحير في وصفها كل صب
وعلي ذكر شجاعة المشايخ في وجه الباطل الذين كانت الوطنية من فرائض دينهم, وأكثرهم كان يبحث عن أبعاد جديدة لرسالة الأزهر ووصله بكل أسباب الحضارة وجميع فنون المعرفة, يأتي الحديث علي ذكر الإمام محمد عبده الذي قال عنه العقاد: إن تاريخ محمد عبده في خدمة القضية القومية, هو تاريخ الإقدام إلي أقصي حدوده, وقد أقام يوما علي الترصد بالخديو إسماعيل عند قصر النيل للقضاء عليه, ولولا أنه أخطأه في هذه المرة لزال إسماعيل عن العرش مقتولا في أغلب الظن.. ولما وقع المحظور ودخل الإنجليز مصر محتلين, وبارحها محمد عبده منفيا عن وطنه ليعلن الحرب علي الاحتلال في عقر داره في العاصمة الإنجليزية, قال لهم في صحافتهم: إننا نري أن عطفكم علينا كعطف الذئب علي الحمل, ولقد قضيتم علي عناصر الخير فينا, لكي تكون لكم في ذلك حجة للبقاء في بلادنا, نحن نعلنها في دياركم( لا) لاحتلال ديارنا, ولم لا تغادرون أرضنا؟ لقد علمنا الإنجليز شيئا واحدا هو أن يتضامن المصريون جميعا في مطالبتهم بالجلاء.. لقد وحدتمونا علي قول( لا) لوجودكم بيننا..
ويحارب الإمام محمد عبده صاحب لا الرافضة للاستبداد والجمود حتي في موته وتشييع جنازته, فقد خشي الخديو عباس حلمي الثاني من أن تتحول جنازة الإمام إلي مسيرة ثورية, فحاول أن يخفت من جلالها, ويقلل من أعداد المحتفين بها والمشيعين من خلفها, فأرسل مندوبه إلي شيخ الأزهر يحمل أمره بألا يشترك هو أو العلماء في جنازة الوداع, وهز الشيخ رأسه بلا تعليق ونادي بإحضار فنجان قهوة لمندوب الخديو, وبقي صامتا ينتظر حضور موعد الجنازة ومجيء بقية العلماء, حتي إذا اكتمل الوجود سحب ساعته من جيب قفطانه لينظر فيها قائلا بجدية: والآن هيا بنا يا مشايخ فقد حان موعد تشييع الإمام!.. وبهت مندوب الخديو وعاد يسر للشيخ من جديد مذكرا بأوامر أفندينا عباس, وإذا بالشيخ ينتفض صارخا في وجهه: قم يا رجل عد لبيتك.. إن الله وحده هو أفندينا وسارت الجنازة الشامخة, يتقدمها الشيوخ الشامخون, وانتصر النعش علي العرش!
لا الإمام الأكبر محمود شلتوت المنطلق بفكره من قيود التقاليد, المنادي بالتجديد الانقلابي في الأزهر الشريف.. من أفتي بشجاعة الحق أن الإسلام لا يوجب علي أحد اتباع مذهب معين, ولمن اتبع مذهبا من المذاهب أن ينتقل إلي غيره ولا حرج عليه في شيء, وأن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا كسائر مذاهب أهل السنة, وذهب الشيخ في عدم اعترافه بالتفرقة المذهبية إلي أنه وهو شيخ الأزهر كان يقدم الدكتور القمي من علماء الشيعة للإمامة في الصلاة دون حرج ليصلي من خلفه, وعلي هذا الدرب في جهوده الفكرية والعلمية التي تبناها الأزهر الشريف في عهده احتضانه لكل المذاهب الإسلامية الموثقة المصادر, وإصدار الموسوعة الفقهية باعتماد المذاهب الثمانية: الحنفي, والشافعي, والمالكي والحنبلي والجعفري, والزيدي, والإباضي, والظاهري, مما جعل الأزهر متفردا بين كل الجامعات الإسلامية, فاتحا الباب أمام إسلام واحد بلا مذاهب.. وعلي الجانب الآخر كانت لا الأخري الأشد مفاجأة للإمام شلتوت التي رفعها في وجه كل من يدعو إلي تحريم الموسيقي والغناء وذلك عندما أفتي ليس بإتاحتهما فقط بكل ألوانهما ولكن بالدعوة إلي تعلمهما ومعرفة أصولهما, فالغناء والموسيقي الأصل فيهما الحل, والحرمة عارضة, وجميع ما قيل بشأن التحريم ضعيف, أو يتحدث عن توظيف الغناء والعزف في المحرمات, وأضاف الشيخ المستنير في فتواه أنه نقل عن النبي صلي الله عليه وسلم, ثم كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرمات, ويسوق الإمام المجدد مثالا بأن الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر في القرن الثالث عشر الهجري كان ذا ولع شديد بالسماع, وعلي معرفة بأصوله, ومن كلماته في بعض مؤلفاته قوله: من لم يتأثر برقيق الأشعار, تتلي بلسان الأوتار, علي شطوط الأنهار, في ظلال الأشجار, فذلك جلف الطباع حمار!.... وإذا ما كان الشيخ شلتوت قد أجاز الموسيقي والغناء فقد سبقه فضيلة الإمام الشيخ مصطفي عبدالرازق شيخ الأزهر في وصف أم كلثوم ذات نفسها في لحظة اندماجها الفني في عام1925 بقوله: وإني كلما ذكرت الشيوخ ذكرت أم كلثوم أميرة الغناء في وادي النيل, فإن لها هي أيضا شيوخا يحفون بها في عمائمهم المرفوعة وأكمامهم المهفهفة وقفاطينهم الحريرية الزاهية اللامعة, وجببهم الطويلة الواسعة.. عن اليمين شيخان وعن اليسار شيخان حول فتاة معتدلة القوام لا يشتكي منها قصر ولا طول, ولا يشتكي غلظ فيها ولا نحول, وتنظر بعينين فيهما شباب وذكاء, وفيها نزوة الدعابة ودلال الحسناء في وجه ليست تفاصيله كلها جميلة, ولكن لجملته روعة الجمال, تحت ذلك العقال البدوي مكفكفا علي جبينها بطراز مذهب ومرخي وراء ظهرها منه هداب الدمقس المفتل, في ثياب حشمة تميل إلي السواد وفي مظهر بساطة, كان علي سجيته يوم أن كانت الفتاة القروية حديثة عهد بسذاجة الريف, ثم أصبح حضريا مقدرا تقديرا.. تظهر أم كلثوم بادئ الأمر رزينة ساكنة تشدو بصوتها الحلو شدوا لينا, من غير أن يتحرك طرف من أطرافها إلا هزة لطيفة تنبض بها رجلها اليسري أحيانا ثم ينبعث الطرب في هيكلها كله فتنهض قائمة وترسل النغمات متعالية تذهب في الآفاق هتافا مرددا, أو تترجع رويدا حتي تتلاشي حنينا خافتا وتهزها أريحية الشباب والطرب فتساير النغمات في حركاتها, مندفعة بوثبات الشعور وراء مذاهب الفن, وتتلوي عن يمينها وشمالها أعناق الشيوخ.. وياليت شعري مالأم كلثوم والشيوخ؟!.. أم كلثوم نعمة من نعم الدنيا.
وتعد من شهيرات الرفض تلك اللا التي نطق بها المفكر الإسلامي خالد محمد خالد في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوي الشعبية في مساء يوم الاثنين الموافق4 من ديسمبر1961 وعنها يقول: فوجئت بمكالمة من مدير مكتب كمال الدين حسين يحمل إلي رسالة منه في رغبته في ضرورة مشاركتي في اللجنة التحضيرية التي تشكلت لمناقشة الآثار المترتبة علي انفصال سوريا, فقلت له: لا تنس أنني معارض, فقال: أنت تأتي وتعارض.. وطلبت منه قليلا من الوقت كي أصلي صلاة الاستخارة فأقرر بعدها, ولكنه تعجل في الاتصال ثانية وأنا مازلت أقرأ التشهد.. فقلت علي بركة الله, وكنا لا ندري ما سيعرضه الرئيس عبدالناصر, وأمام250 عضوا وقف عبدالناصر يلقي بيانه فإذا هو ينادي بالعزل السياسي لأعداء الثورة.. وما أن سمعت هذه العبارة حتي كدت أن أتقيأ نفسي! وقلت لنفسي ظلم جديد.. ألا يزال هناك أعداء للثورة ويريدون العزل السياسي, وندمت علي أنني قبلت الدعوة.. وعند مناقشة البيان كان يجلس معي الشيخ محمد الغزالي وقد ظهر جليا منذ البداية أن الأعضاء بدأوا يجنحون إلي العنف, ولذلك قلت للشيخ الغزالي: إن الضمير الذي سيتحكم في ضمير اللجنة إلي آخر دقيقة يتشكل الآن تجاه القسوة والعنف ولابد من تدخلنا فورا في تشكيل هذا الضمير.. وبعثت بورقة إلي أنور السادات علي المنصة لأطلب الكلمة وقلت يومها: في فجر ثورة23 يوليو1952 طلب من الشعب أن يتنازل عن حريته كي تؤمن الثورة, والآن وقد وضحت قواعد الثورة وارتفعت أعلامها فإن ما أخذ من حرية الشعب يجب أن يرد إليها ولا أقول غدا بل الآن, ولا أقول بعضه بل كله.. وإذا لم نفعل فسيقول التاريخ إن الأحرار الذين قاموا بالثورة هم الذين عادوا فعرقلوا سيرها!.. إنني أعلم أنه قبل الثورة كانت ثمة حياة سياسية تنطوي علي كثير من الفساد, ولكني أعلم أيضا أن هذه الحياة السياسية كانت تنطوي أيضا علي كثير من الجد والعمل الطيب, أنا ابن هذا الشعب, وثورة23 يوليو وليدة هذا الشعب, وليدة ماضيه وكفاحه, ووليدة أخطائه وصوابه.. إنني أهدم الشعب وأطعنه من الخلف حين أجرده من كل ميزة سياسية قبل23 يوليو.. أبدا.. كان لي آباء أفخر بهم ومن موقعي هذا أقول لا للفظة العهد البائد.. أتريدون أن تقولوا إن الثورة لقيط, ووجدت علي قارعة الطريق فجر23 يوليو, أهذا يشرف الثورة؟!! أم يشرفها أنها كانت مسبوقة بجهاد ونضال.. إننا اليوم في مجتمع ديمقراطي جديد نريد أن يأخذ الشعب فيه حقه في السلطة والثورة, ومن هذه اللحظة نبدأ جميعا, فمن دخل فيه فهو آمن.. ولا يجب أبدا أن ترتجف الثورة من عائلة أو عائلتين ولا من عشرات العائلات بعد أن أحرزت انتصارات عظيمة, ولنتق الله ما استطعنا في أداء المسئولية.. و..انتهت الجلسة ولم يحدث كالعادة في هذه الأحوال أن يسأل الأمين العام للجنة من يوافق, وإنما نادي السادات قائلا: المعارض يقف.. وهو أسلوب يتنافي مع كل التقاليد والأعراف الديمقراطية, لأن المألوف والمتبع هو إحصاء الموافقين أولا ويكتفي بهذا الإحصاء التقريبي غالبا, أما السؤال عن المعارض أولا فهو ينم عن تفكير بوليسي, وعلي أية حال ما أن سمعت النداء حتي وقفت.. لم يقف أحد سواي.. ابتلت عيناي بالدموع بشعور مختلط, فيه الفرح لأن الله قد وفقني في اتخاذ موقفي, وفيه من الأسي ليقيني بأن ثلثي القاعة كانوا ضد العزل لكنهم جبنوا, أي أن249 عضوا قد أجمعوا علي ضرورة العزل السياسي وكنت الوحيد بين الجمع الساكت عن الحق الذي قال لا للعزل السياسي.. وقديما وقف إبراهام لنكولن يخطب في مؤتمر حزبي حاشد, وراح يزف إلي الأعضاء بشري مصالحة أجراها مع خصومه الشخصيين وخصوم حزبه السياسيين.. وفجأة صرخت في وجهه إحدي العضوات غاضبة: أية مصالحة هذه مع قوم كذابين؟!.. لقد كان واجبك أن تقتلهم, لا أن تصالحهم.. وانحني لنكولن للغاضبة باسما وقال: هذا ما فعلته تماما يا سيدتي.. ألا ترين أني قتلتهم كأعداء حين حولتهم إلي أصدقاء!!!!
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.