الاقتصاد هو عصب الحياة, ولا تقام أعمدة الدول إلا علي ثوابت قوية حقيقية راسخة علي أرض الواقع.وما من دولة إلا وتتعرض لهزات اقتصادية ما بين مؤشرات الصعود والهبوط . ولكن مصر خلال المرحلة الماضية لها ظروف استثنائية, نتيجة الاضطرابات التي أثرت علي مجريات الإنتاج والاستقرار الاقتصادي, مما أثر بشكل واقعي وحقيقي وملموس علي أسس ودوافع الاقتصاد, مما جعل للخبراء آراء كثيرة متعارضة ما بين مؤيد ومعارض لفكرة الاقتراض من صندوق النقد الدولي, وتطبيق برنامج اشتراطات الاصلاح الصعبة.. من رفع ضرائب وزيادة في الأسعار لمواجهة عجز الموازنة وانخفاض الاحتياطي من النقد الأجنبي, الذي أثر بطبيعة الحال علي الجهاز المصرفي. ومن هنا, كان لصفحة الحوار لقاء مع الدكتور محمود أبوالعيون الخبير الاقتصادي ومحافظ البنك المركزي الأسبق: ما وصفك للحالة الاقتصادية في مصر الآن؟ الوضع الاقتصادي ليس بالسوء لدرجة أن تشكك في إمكانية وقدرة مصر علي سداد ديونها الخارجية, أو في سلامة جهازها المصرفي, فمقولة إفلاس مصر أو علي وشك غير صحيحة, فالدول لا تفلس, فالأرجنتين في الثمانينيات أو البرازيل والمكسيك واليونان, هذه البلاد لم تعلن إفلاسها, فإن كانت هناك رغبة في الانتقاد فلا يجب أن يصب البنزين علي النار بهذا الشكل. قضية الدين الخارجي.. كيف يمكن التعامل معها؟ عن طريق التفاوض مع الدول المدينة حول إعادة جدولة الديون الخارجية, وهذا أفضل من أن نستدين لسدادها, كما يمكن الطلب من صندوق النقد الدولي أن يرعي مؤتمرا دوليا لبناء مصر وتمويله من أجل تخفيض الدين الخارجي وإعادة جدولته, وتوفير آليات جديدة لتمويل التنمية في مصر. وماذا عن الدين الداخلي والذي تعدي التريليون جنيه؟ أري ضرورة العمل علي توحيد موارد الدولة وإعادة النظر في الرسوم الجمركية, بدافع زيادة الحصيلة من الاستيراد غير الضروري, بالإضافة الي استحداث نظم التراخيص عند السماح للقطاع الخاص بتقديم خدمات عامة. ما هو تقويمك لأداء الحكومة الحالية؟ أداء سييء بلا رؤية واضحة, وبلا فكر اقتصادي وتعاملوا وكأن قرض صندوق النقد الدولي هو بيت القصيد. فما هو التصرف الصحيح لهذه الأزمة من وجهة نظرك؟ يجب أن نخفض الانفاق العام غير الضروري, وأن نبقي علي الضروريات فقط ويسمح للقطاع الخاص بأن يشارك في مشروعاتنا الإنمائية من طرق وكباري ومطارات ومستشفيات ومدارس, وأن يعطي الأولوية لاستكمال المشروعات المتوقفة بأقل قدر من التكلفة. ولا يجب أن نفكر في فرض ضرائب عقارية لأن لأنه لا يملك أحد أموال ليدفعها لهم, ولكن يجب أن نفكر في فرض رسوم جديدة لاستخراض التراخيص وفرض ضرائب علي الخدمات التي تؤديها الدولة, كما يجب فتح الباب للحصول علي مبالغ اضافية عند فتح التراخيص لانشاء البنوك الجديدة وشركات للاتصالات. هل معني ذلك أنك لا توافق علي الاقتراض من صندوق النقد الدولي؟ أوافق علي هذا القرض شريطة أن تستخدم تلك الأموال في البناء وليس استيراد الأكل والمشروبات. كيف نحصل علي القرض من صندوق النقد الدولي دون رفع للأسعار والضرائب خصوصا أن الصندوق معروف عنه أنه يشترط زيادتهما في برنامج الاصلاح؟ هذا كلام غير صحيح, فالصندوق لا يشترط زيادة الاسعار أو الضرائب, فلو كان الصندوق هو الذي يضع الروشتة لكان أول من نادي بخفض الدعم الذي يشوه نظام الأسعار في البلد, إلا أنه لم يقدم للحكومة أي شيء بخصوص الدعم للنجاح في توصيله لمستحقيه. ولكن هذه الاشتراطات مصرية, وهي التي تقدم خطاب النوايا للصندوق, فالصندوق يقرر المشكلات التي تعاني منها البلد والحكومة تتقدم برؤي بكيفية علاج تلك المشكلات, وإن كانت رؤي الحكومة ذهبت بزيادة الضرائب فالصندوق غير مسئول عن ذلك. ما قولك في الإصرار علي إصدار قرارات برفع الضرائب بدعوي الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي؟ لا أري ما يستدعي فرض ضرائب جديدة, إلا أن هذه رؤية الحكومة الحالية ولا أوافق عليها, لأنها ستؤدي الي رفع الأسعار ولن تزيد الإنتاج ولن تشجع المستثمر علي الاستثمار في مصر. ما هو البرنامج الذي يجب أن تقدمه الحكومة ليوافق الصندوق علي منح القرض دون اللجوء لزيادة الضرائب؟ بتوفير موارد جديدة, من مصادر غير اعتيادية لا تؤثر في الطلب الاجمالي لخدمة البلد مثل نظام التراخيص الذي تحدثت عنه من قبل, بالاضافة الي خفض تكلفة الدين العام من خلال خفض أسعار الفائدة التي تدفعها الحكومة مقابل الاقتراض من البنوك والتي وصلت الي6.51%. ما هو وضع الجهاز المصرفي ورؤيتك للخروج من عثرته الحالية؟ أري أنه لا توجد أزمة تواجه البنوك المصرية وقدرتها علي خدمة احتياجات المودعين كبيرة جدا, وأموالهم مؤمنة بالكامل وشهادتي هذه وأنا خارج السياق الحكومي, فأنا لا أمتص غضب أحد ولا أسعي لأي شئ وكمصري أقول لكل مصري أموالك مضمونة بحكم القانون بالرغم من وجود بعض القلاقل الناشئة بسبب مرور عامين علي اقتصاد كان ينمو بمعدل7% وأصبح ينمو بمعدل أقل من نمو السكان, حيث كنا نتلقي سنويا عشرات المليارات من الاستثمارات الأجنبية وأصبح يتعامل حاليا في مئات الملايين, إلا إني أري أنها أمور مؤقتة والبنوك قادرة علي مواجهتها وسبق أن واجهنا أزمات أصعب. أما الأزمة الحالية فالمشكلة في دولة وما تعانيه من عدم الاستقرار السياسي, خلال عامين متتاليين مما أدي الي هذا الوضع. ما الحل من وجهة نظر المصرفي؟ لا توجد حلول سحرية ولا نتوقع أن مجرد بقاء محافظ البنك المركزي في موقعه هو الحل للمشكلة, فهو ليس علاما للغيب, وليس بيده عصا سحرية ليصلح بها الحال, فالحلول لن تتأتي إلا بالبدء في الاصلاح الاقتصادي والذي يجب أن تسبقه استقرار سياسي وأمني وأن تكون لدي الدولة رؤية لتشجيع المستثمر للعمل في مصر, ولابد أن يكون الفكر الاقتصادي البناء يسبقه الفكر السياسي لأن الأمر مرتبط بحياة المواطنين, فالتنمية ليست أقوالا ولكنها أفعال لتوجد فرص عمل وتزيد الدخول. ما قولك في المخاوف لدي البعض من صدور قرارات بمصادرة أموال المستثمرين للخروج بالأزمة المالية؟ لا يمكن أن يحدث ذلك, فلا توجد مصادرة أموال أو أصول أو ممتلكات لأحد إلا لو كانت ناتجة عن جرائم, كما لا توجد مصادرة لأموال المودعين لأن الدولة تضمنها بالقانون. هل الأجواء تشجع علي الاستثمار الأجنبي في مصر؟ الأجواء لا تشجع بالمرة, فهل نتوقع استثمارات جديدة ونحن لا نتوقف عن مطاردة المستثمرين برفع قضايا عليهم بدعوي عدم صحة التعاقدات التي تمت معهم, كما تم مع بعض حالات شركات القطاع العام!! لكن هناك صفقات تمت بأبخس من الثمن الحقيقي؟! أري أن يعاقب كل من قام باستغلال وتلاعب, ورغم ذلك فإن كل التعاقدات هي في الاجراءات التي تم اتخاذها بالمناقصات إلا أن هذا لا يعني أن التعاقد نفسه وشروطه غير سليمة, وأغلب القضايا المطروحة بهذا الشأن في المحاكم تطلب فسخ العقود بسبب خطأ في الاجراءات, وليست بسبب عدم صحة العقد نفسه وهذا شيء غير منطقي ويؤدي الي هروب المستثمرين خشية ضياع أموالهم من مثل تلك القضايا. هل بناء المستقبل سيتم اعتمادا علي سواعد القطاع العام أم الخاص؟ أري أن القطاع الخاص له الأولوية في البناء لأن القطاع العام المتبقي بعد موجات الخصصة يقيل البلد من عثرتها ولابد من القناعة بأن يدا واحدة لا تصفق. ما الآليات التي تساعد القطاع الخاص علي العمل؟ عن طريق جدولة مستحقاته الضريبية ومديونياته للبنوك وخفض أسعار الفائدة وتوفير النقد الأجنبي وتحسين منظومة القوانين وفوق كل ذلك الهدوء السياسي ووضوح الرؤية. لو عرض عليك تولي رئاسة الوزراء مرة أخري هل ستقبل أم ستصر علي رأيك السابق؟ أنا لا أبخل بنفسي عن خدمة بلدي ولكن لابد علي أهل السياسة أن يعملوا علي استقرار الدولة سياسيا حتي يؤتي الاقتصاد أثره, فالاجواء يستلزم فيها الأمر علي عدم استبعاد أحد من إبداء الرأي والمشاركة الجماعية في صنع القرار وعدم تصيد الأخطاء والوقوف ضد أصحاب الرأي الآخر, ولا نغلق الأبواب أمام المنتقدين. كيف تري الدعوات لاتباع نظام الاقتصاد الإسلامي الآن؟ لا توجد غضاضة في تطبيق نظام إسلامي, إلي جانب النظام التقليدي, يتنافسان معا للصالح العام, وقد ضربت مثلا في ذلك بمطالبتي محافظ البنك المركزي بأن يسمح بتأسيس بنوك اسلامية جديدة بالكامل تعمل الي جانب البنوك التقليدية دون وجود شبهة اختلاط للأموال الربوية مع الأموال التي تفتح فروعا لتقديم الخدمات المصرفية الاسلامية. ولا أعلم لماذا رأي محافظ البنك أنه لا يسمح بفتح فروع تقدم الخدمات المصرفية الاسلامية. يتوقع البعض في الفترة المقبلة خروج فتاوي تحرم الفوائد والإيداع في البنوك فما أثر ذلك علي الاقتصاد المصري إذا ما حدث؟ لا أتوقع حدوث ذلك من الأساس لأن هناك في الفكر الاسلامي, وفي بعض أحكام الشريعة وفتاوي من قادة المسلمين, بأن الفائدة المطبقة ليست ربوية لأنها غير مرتبطة بالمأكل والمشرب, ورغم هذا يسأل في هذا الشأن العلماء, ففي كل الأحوال لست عالما في هذا الأمر, إلا إنني لا أتصور أن تصدر هذه الدعاوي في الوقت الحالي إن كنا نريد بناء الدولة المصرية, كما لا أنصح بها, وعلي من يريد أن يطبقها أن يدرس أولا عواقبها بالكامل بحيث تتوافر نظم مصرفية تطبق أحكام الشريعة لأن البنك المركزي غير مستعد لذلك, كما أن القوانين المصرفية غير جاهزة ولا تصلح للتطبيق ويستلزم الأمر وجود تشريعات ونظم وأجهزة رقابية مصرفية قبل التفكير في تحريم الفائدة. حتي لا يساء فهمي أقول إن الضرورات تبيح المحظورات, ولدينا ضروريات لبناء الاقتصاد ثم النظر في تلك الأمور فما بعد. هل هناك أخطاء للبنك المركزي أدت الي زيادة الأزمة؟ نعم له أخطاء, بداية من سوء إدارة سوق الصرف الأجنبي, والذي أدي الي نقص احتياطات الدولة منه بالتدخل المستمر في السوق بحجة الحفاظ علي سوق سعر الصرف لمدة عامين, ومن هنا بدأت المشكلات فهنا البنك يدافع باستماتة عن قضية خاسرة وهي سعر الصرف, والأجدر أن يحافظ علي أموال الدولة والشعب بدلا من استنزافها بالدفاع عن سعر الصرف علي الرغم من زعمهم عدم التدخل. بالإضافة الي أخطاء في تأجيل تطبيق قواعد الرقابة المصرفية المتعلقة بلجنة بازل للرقابة علي البنوك, وكذلك أخطاء في تطبيق نظام السوفييت والذي يكلف الدولة أموالا طائلة علي كل تحويل لهم للخارج من النقد الأجنبي, بالإضافة الي فشل البنك المركزي في سياسة استهداف التضخم والذي لن يتمكن من تخفيضه بسبب عجز الموازنة العامة. كيف نستطيع القضاء أو حتي خفض معدل التضخم؟ لا يمكن القضاء عليه أو تقليله في الوقت الحالي. لماذا؟ لان الطلب أقل من العرض في كل الأسواق وتكلفة الانتاج مرتفعة, وكذلك الاجور فاذا تغير سعر الصرف فسيؤدي الي زيادة تكلفة الواردات, فالتضخم شر لابد منه. ما تصورك لمنظومة ضرائب تحقق العدالة الاجتماعية؟ لابد من الرجوع عن مبدأ خفض الضرائب علي أرباح الشركات الي سعر موحد, كما ابتكره الوزير الفذ بطرس غالي!! وهناك ضرائب متدرجة تزداد بازدياد معدل الربح, بالاضافة الي وجود أنشطة مصرية كثيرة تحت السلم لا توقع ضرائب عليها, فيجب أن نترك فرض ضرائب علي العقارات ونبحث عن الأنشطة الأخري, كما أري أن هناك تطبيقات للضرائب خاطئة كالتي تطبق علي مستوردي السيارات من الخارج, حيث يمكن أن تفرض الضريبة علي قيمة التراخيص السنوية لتلك السيارات وبهذا فهي حصيلة مستمرة للخزانة العامة. الصكوك الإسلامية هل تساعد في حل الأزمة؟ ليس حلا ولكنها أداة من أدوات التمويل ولجذب رؤوس الأموال للبلاد, خصوصا ممن يرغبون في عدم اللجوء للنظام الربوي. وهل تغني الصكوك عن الاقتراض من الصندوق؟ لا تكفي, بل هي أداة مكملة فالصكوك لابد أن يقابلها مشروعات انمائية ولن تكتمل تلك الفكرة إلا باكتمال مشروعات تحتاج لتمويل ورؤية وأري أنه لن يصلح أن يطبق نظام الصكوك حاليا في سد عجز الموازنة العامة للدولة. كيف نسد عجز الموازنة العامة للدولة وزيادة الاحتياطي الأجنبي؟ عن طريق زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي من السياحة والتصدير ويشترط أن يتم ذلك في جو من الاستقرار باركان الدولة والتوحد في مواجهة الأزمات.