عندما رأيتها منذ عدة أيام تعجبت كثيرا لأنه كان من المفترض أن تعود إلى بلدها لقضاء أيام عيد الميلاد مع أهلها وأصدقائها في فرنسا، وعندما سألتها لماذا لم تسافري كان ردها أنها فضلت قضاء الأعياد هذا العام في مصر. بالفعل فقد أمضت أفضل عشية عيد الميلاد، حسب قولها، في مصر من خلال ثلاثة احتفالات مختلفة، حيث تمت دعوتها لحضور احتفال بسيط مع أسرة مصرية، لم ينس المحتفلون خلاله الصلاة لمن فارقوهم خلال عام 2012 ولكل شهداء الثورة، أما الاحتفال الثاني فكان مع الأيتام ومع بعض الأصدقاء المصريين الذين فضلوا الاحتفال مع الأطفال وإعطائهم الهدايا، وبعد ساعات رائعة وفق وصفها ذهبت لتمضي بعض الوقت في نهاية اليوم مع بعض الأصدقاء الفرنسيين والمصريين، مسلمين ومسيحيين، حيث الحديث الطويل والغناء بأرق الأغنيات المصرية والفرنسية. لقد أخبرتني أنها لم تكن تتخيل أبدا أن تكون عشية عيد الميلاد بهذا الجمال، وأنها لأول مرة تعيش هذا الاحتفال في مصر وقد استمتعت به كثيرا. حقا إن ليالي الأعياد في مصر من أفضل الأوقات التي إذا تسنى لأي إنسان أيا كانت جنسيته أن يقضيها في مصر، فهو يعتبر نفسه محظوظا، وربما يعترف لأصدقائه أنها من أمتع الأوقات في حياته، وكيف أنه يتمنى تكرار الزيارة في مثل هذه المناسبات. في حالة زميلتي الفرنسية كانت قد قررت ترك باريس والعيش معنا في بلدنا، فوفق كلماتها هي تعشق العيش في مصر ووسط أهلها، رغم كل ما تمر به البلاد، حيث تشعر بنبض الحياة في مصر عكس فرنسا، لم أفاجأ بكلماتها فقد سمعت القرار نفسه من أجنبي آخر قادم من جنوبإسبانيا حيث قرر البقاء في مصر وعدم العودة لبلده إلا للزيارات فقط. الدفء الذي يشعر به الأجنبي في بلدنا لا يشعر به في أي دولة أخرى مهما كانت إغراءات العمل والإقامة، وربما يكمن السر فينا نحن المصريين، فشعبنا شعب ودود مقارنة بشعوب الأرض، كما أننا خير من ينتهز المناسبات عموما والأعياد بشكل خاص لنتشارك معا الاحتفال بشتى الطرق، فسكان الشارع الواحد يشتركون جميعا في تزيينه في الأعياد ويفطرون سويا أيام رمضان، ويزينون مسلمون ومسيحيون شجرة عيد الميلاد .. ويكفينا أن أي دعوات هدفها قطع الوصل بين المصريين لا تجد إلا الاستهجان والاستنكار، فالمصريون بطبيعتهم يرفضون التطرف في الأفكار سواء كانت متعلقة بالتدين أو التحرر.. إن التطرف مرفوض لدى المصريين على مر العصور، ويكافحونه دوما على أرضهم، مهما يكلفهم الأمر. ونحن على أعتاب العام الميلادي الجديد هاهي تهنئة يتبادلها الكثير من المصريين على الهاتف مفادها : " كل سنة وكل المصريين طيبين، كل سنة ومصر حبيبتنا بتساعنا كلنا على أرضها الطيبة، كل سنة واحنا عارفين نفكر ونميز، كل سنة واحنا قادرين نتقبل خلافتنا واختلاف أفكارنا وعقائدنا، كل سنة واحنا فاكرين اللي سابونا و اللي ضحوا بنفسهم علشانا، كل سنة واحنا متفائلين وعندنا أمل إن الثورة مستمرة لحد ما نبني بلدنا بجد، كل سنة وربنا يحمي مصر لأنها كبيرة أوي " .. اللهم افرغ علينا صبرا وأهل علينا العام الجديد بالخير واحفظ لنا مصرنا من كل من أراد ويريد بها سوءا. [email protected] المزيد من مقالات رشا حنفى