على الرغم من أن نتيجة الاستفتاء على الدستور قد جاءت " نعم " إلا أنها فى ذات الوقت أنهت أسطورة قدرة " الجماعة والأحباب والأهل والعشيرة " على تعبئة وحشد الجماهير .. وعلى الرغم من أن الرفض الشعبى للدستور قد تجاوزت نسبته "36% " إلا أنه قد صدم رموز " جبهة الإنقاذ الوطنى وتوابعها من الإئتلافات " وحظر عليها التشدق بأنها تعبر عن جماهير المواطنين وتتحدث باسمها !! وإذا كان عدد من يحق لهم التصويت فى الاستفتاء قد اقترب من " 52 مليون مواطن " ولم يشارك فى مرحلتيه سوى 17 مليونا فقط فعلى الجميع " مؤيدين ومعارضين " التزام الصمت بعد أن أدار رجل الشارع ظهره لهم ' وبدا أنه يتعامل مع الاستفتاء كما ولو كان على دستور جزيرة " مدغشقر " !! وبعيدا عن تلك المحاولات التى كانت تستهدف التضييق عليه لمنعه من التعبير عن رأيه فإن هناك ثلاثة أمور تفسر انصراف المواطن عن المشاركة ' الأولى : أنه ربما اعتبر المواطن أن مشاركته هذه فى الاستفتاء إنما هى فى الحقيقة مشاركة فى الصراع على السلطة بين قوتين لم تعمل أى منهما أى حساب له .. الثانية : أن أى من القوتين لم تستطع الوصول إلى رجل الشارع الحقيقى على الرغم من مغريات التصويت ب "نعم " وتلك التخوفات التى يجب أن تدفعه إلى التصويت ب " لا " الأمر الذى أقنعه – أى المواطن – بأن المشاركة مجرد " ترف " باعتبار أن الاستفتاء عمل نخبوى لا يحق له الاقتراب منه ! .. الثالثة : أن المواطن قد أصبح رهينة " لضيق الحال و" أسيرا للحاجة " وبات مهموما بمحاولة تدبير أمور معيشته يوما بيوم دون النظر إلى المستقبل " الذى لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى " !! ليست شروطا نفرضها على أحد ولكن باعتبار أن القرار فى يد ساكن الاتحادية فلا بد أن يُنهى تلك الممارسات المرتبطة بفكرة اعتماد ما يراه فقط حزب الأغلبية من إجراءاتٍ سياسية ملائمة، وليس ما تفرضه قيادة البلاد للمرحلة الانتقاليّة من اعتماد أسلوب التوافقات بين مختلف القوى السياسيّة - دون انتقاء أو إقصاء – على قواعد إدارة الحكم دون أن ينفرد تيار واحد بتحديد هذه القواعد حتى لو انتُخب ممثّلو هذا التيار بالأغلبية في أى انتخابات وحتى وإن توهم هذا التيار بأنه صاحب الحق والأرض والوطن وما عدا أعضاءه مجرد " ضيف " قد يكون غير مرحب به فى يوم من الأيام . على جانب جبهة الانقاذ فما يواجهه الوطن يستلزم على أعضائها هجرة ميكروفونات منصات الميادين خاصة التحرير والنزول إلى رجل الشارع فى موقعه ودون أى تعال والعمل بين الجماهير استعدادا للإنتخابات البرلمانية المقبلة .. وإذا كانت أهداف المرحلة الانتقاليّة هي إنجاز مهمة وطنيّة تتعلق باجتياز عملية التحول الديمقراطي، وإنشاء المؤسّسات وإقرار التشريعات والاتفاق على المواثيق والأدوات التي تحمي هذه الديمقراطيّة، فمن الضروريّ الوصول إلى توافقاتٍ مع القوى السياسيّة والاجتماعيّة الرئيسة دون تخوين أو تكفير أو إبعاد ودون أن يحق لأى تيار تغيير قواعد "لعبة الديمقراطية " منفردا بعيدا عن مشاركة الجميع . قبل كل هذا يجب أن نعتمد فقط الحوار وسيلة للتفاهم دون أن نُبدله ب " المولوتوف والحجارة " ودون اللجوء إلى العنف وسيلة للتعبير , فالوقت لم يمر بعد والفرصة لا تزال متاحة على الرغم من تلك المخاطر وخاصة الاقتصادية منها التى ينزلق إليها الوطن 'ويكفينا هنا تخفيض درجة الإئتمان الدولى لمصر وتجريف احتياطى النقد الأجنبى إلى مستوى يهدد الجميع فلنتكاتف لنوقف خطوات الصعود إلى قمة الهاوية !