وسط أجواء مشحونة وملبدة بالغيوم, ومشهد سياسي مشتعل في الشارع يهدد بالعصف بمصر ومستقبلها, يأتي الاستفتاء علي مشروع دستور مصر الجديد, وأتمني ألا يلقي نفس مصير دستور.1954 ومثلما حشد النظام وقتها المظاهرات ضد دستور54 حشدت القوي المدنية المليونيات والاعتصامات ضد مشروع الدستور الحالي, لا لهدف واحد سوي القضاء علي شرعية الرئيس, وفي إطار رؤيتهم المعادية للتيار الإسلامي,والتي تمثلت في إصرارالبعض علي وضع مادة انتقالية تسمح بإعادة انتخابات الرئاسة عقب إقرار الدستور.. وهذا في اعتقادي سر كل مانراه حاليا من اضطرابات. لا أعرف لماذا الإصرار علي رفض الاستفتاء؟ إلا إذا كان الهدف هو أن تظل مصر تدور في حلقة مفرغة, وفي حالة فراغ تشريعي بلا مبرر والحرص علي محاصرة الرئيس بإعلانات دستورية سابقة حتي لا يقدر علي استخدام صلاحياته ليحقق إنجازا علي الأرض.. فيزداد السخط الشعبي ضده, وتكتمل خطة إبعاد التيار الإسلامي عن المشهد السياسي, فالبعض يرفض أصلا أن يصبح رئيس الجمهورية من التيار الإسلامي ويستميت حتي لا يحقق إنجازا واحدا. وكان الأجدر أن تتكامل تلك القوي وتتعاون بدلا من أن تتعارك, ولكنها اتخذت العداوة مع التيار الإسلامي طريقا وحيدا, وكان عليها أن تجلس لتتفق علي حل, لا أن يتسببوا في اشعال نيران الفتنة, وكان الأجدر بهم أن يسألوا أنفسهم: هل نريد دولة مؤسسات أم دوامة لا تنتهي؟ وهذا ما أكدته صحيفة الجارديان البريطانية عندما قالت إن جبهة الإنقاذ الوطني تلعب دور الضحية واختلاق أزمة من أجل الإطاحة بأول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا. وقالت الصحيفة في إحدي افتتاحياتها مؤخرا إنه مع تطور الأزمة في مصر, بدأت أسبابها تتضح بشكل أكبر, فالأمر لا يتعلق بمسودة الدستور المقترحة, فالعديد من أعضاء المعارضة وقعوا عليها قبل أن يغيروا رأيهم وينسحبوا من الجمعية التأسيسية. لقد تناست هذه القوي في خضم صراعها علي السلطة مصلحة مصر والمصريين وأولوياتهم ومطالبهم الأساسية ومايعانونه من مشاكل في مقدمتها تدني أحوالهم المعيشية وعدم كفاية الأجور وغياب العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الدخل القومي, والبطالة المتفشية بين الشباب, والتي توقع الناس أن تكون من أولي مهام الرئيس مرسي, ولكنهم بدلا من أن يمدوا إليه يدهم راحوا يحاصرونه ويضعون العقبات في طريقه, متناسين أهداف ثورة25 يناير التي طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. فبدلا من أن يسهموا في تقديم الحلول, ويدفعون عجلة الإنتاج إلي الأمام, وبدلا من أن تكون معارضتهم بناءة, راحوا ينظمون المسيرات ويجيشون الشباب في مليونيات واعتصامات تعطل مصالح الناس, وتزهق الأرواح وكلفت ميزانية الدولة المنهكة أكثر من100 مليار جنيه, مع أنهم يعلمون جيدا أن المعارضة الصحيحة والحقة تكون من خلال توعية الناس ديمقراطيا, وأن يستعدوا لخوض الانتخابات البرلمانية في دوائرهم حتي يكون لهم تأثير في البرلمان القادم وتكون لدينا أحزاب قوية تحت القبة, ومن هنا يصبح لدينا طريق ديمقراطي للتداول السلمي للسلطة وتوازن برلماني بدلا من البكاء والعويل ونشر معاول الهدم في مصر كلها. اليوم يوم الصدق, الصدق مع النفس, ومع الوطن, مع الحاضر, ومع المستقبل, بإشارة أوعلامة, سنقرر أنا وأنت مصير بلدنا لسنوات بل عقود قادمة, فإما إلي نهضة وتقدم, واستقرار وتحقيق الأهداف, والحصول علي حقوق أهدرت طويلا, والوصول إلي مكانة تستحقها مصر, وتليق بعبقرية المصريين, وإما الدوران في دوامة الفراغ الدستوري والتشريعي والوقوف محلك سر, ولا أعتقد أبدا أن أي مصري حقيقي محب للحرية والعدل يقبل أن يكون صوته معول هدم لوطنه وتشريد لأهله, وخيانة لكرامته وهتكا لعرض مستقبله. المزيد من مقالات د .إسماعيل إبراهيم