اذا كانت هناك بعض المخالفات تتم بعيدا عن العيون في السر والخفاء فإن مخالفات البناء ليست من هذا النوع, فهي تظهر لرجل الشارع العادي لأن أي بناء يجب أن يوضع بجواره لافتة تبين رقم الترخيص . و تبينن كذلك تاريخ صدوره واسم المالك والمهندس المسئول عن التصميم والتنفيذ وعدد الأدوار وغيرها من البيانات, فإذا كان المواطن العادي يستطيع من خلال قراءتها ان يتبين إن كانت هناك مخالفة أم التزام فكيف يدعي مسئولو الاحياء ومأمورو الضبط القضائي جهلهم أن هناك بناء مخالفا مع أن عملهم يستلزم منهم المرور يوميا لمتابعة الوضع في منطقتهم واستصدار قرارات الازالة فورا لكل مخالف؟! اذا حدث ذلك فإننا سنطبق مقولة الوقاية خير من الازالة فهي مقولة صحيحة ولكن تحتاج إلي تفعيل, وذلك بعدم السماح للمواطنين بالبناء الا بعد الحصول علي تراخيص, ومحاسبة المقصرين من الجهات المعنية علي عدم منع ارتكاب المخالفات في وقتها بدلا من تفاقم الأزمات, واللجوء إلي الدراسات الأمنية وما يتبعها من إزالة عادة ما يتسبب في أضرار مادية ومعنوية كبيرة لا يتحملها فقط مرتكب المخالفة بل مواطنون دفعوا تحويشة عمرهم لشراء شقق تكون مأوي لهم. المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس نادي قضاة أسيوط يؤكد أنه في الاصل أن الوقاية خير من العلاج, وبالتالي فإن الواجب يقتضي عدم السماح لأي مواطن بإقامة بناء بغير ترخيص خاصة انه لا يمكن إخفاء هذا البناء حيث يستغرق وقتا طويلا من الزمن, ولا يستساغ إبداء الأعذار بجهل القائمين علي الإدارات الهندسية بمجالس الأحياء أو مأموري الضبط القضائي لرجال الشرطة حيث إنهم لم يشاهدوا البناء قبل إتمامه, فإذا ما تم تشييده كاملا وتزويده بالمرافق من أجهزة الدولة ذاتها فإن عذرها بجهل إقامته يكون عبثيا ومن ثم فهناك القصد السيئ لها مادامت سمحت بالبناء بغير ترخيص بالسكوت ثم أمدته بالمرافق, وبالتالي لابد من الحفاظ علي هذا المسكن ولا تجوز إزالته الا اذا كان خطرا علي الأفراد ويشكل خطورة جسيمة لا يمكن تداركها إلا بالازالة وشأن الدولة مع تابعيها المقصرين حين ذاك يكون بإلزامهم بتعويضات أو غرامات أو غيرها حسبما تري. وبالنسبة للدراسة الأمنية فهي لا تكون يضيف الا بعد صدور قرار الازالة, وذلك بعد صدور الحكم من القضاء واستنفاد جميع وسائل الطعن فيه أو أنه باتت إقامة المبني خطرا جسيما علي المارة والأرواح.. ووقتها لابد أن تكون الدراسة الأمنية التي تعني تشكيل فريق من قسم الشرطة دوره دراسة وسائل التنفيذ والأدوات المستخدمة والعقبات التي قد يتعرض لها القائمون علي التنفيذ, ودور الشرطة يكمن في توفير الأمن والحماية للجهات القائمة علي التنفيذ, وأن هذه الاجراءات. إن صحت النوايا لا تستغرق سوي ساعات فقط وليس أياما, فإذا أفترضنا جدلا أن هناك عصابة من المجرمين تهدد الأمن العام وتتصدي لرجال الشرطة عند محاولة القبض عليهم, وأن لديهم أسلحة للمقاومة فالدراسة الأمنية التي تتخذ حيالهم بالرغم من هذه الخطورة لا تستغرق سوي بضعة أيام لأن التأخير في التصدي لهم يشكل خطورة علي الأمن والنظام وبالتالي فلا عذر اذا ما كانت هناك مبان تعرض حياة الناس للخطر في أن تقوم الأجهزة التنفيذية بالأحياء في حماية الشرطة بتنفيذ القرارات في أسرع وقت ممكن. وإذا كانت الإنشاءات مازالت في المهد الكلام مازال للمستشار رفعت السيد وصدر قرار الجهة الادارية المختصة بالإزالة فيتحتم علي الأجهزة الامنية أن توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذه القرارات في أقصي سرعة ممكنة حفاظا علي الأموال والثروة العقارية التي سوف تزال. الطريق الإداري من جانبه يشير محمد زكي المحامي الي أن قانون البناء رقم119 لسنة2008 قد حدد المخالفات التي تزال بالطريق الاداري بست مخالفات محددة علي سبيل الحصر بالمادة60 من ذات القانون التي لا يجوز التجاوز عن إزالتها, وهذه المادة موازية للمادة15 من القانون106 لسنة1976 الملغي, وجري نص المادة60 علي أنه تزال بالطريق الاداري علي نفقة المالك المخالفات التالية: المباني والمنشآت والأعمال التي تقام بدون ترخيص والأعمال المخالفة لقيود الارتفاعات المقررة قانونا والصادر بها قرار المجلس الأعلي للتخطيط والتنمية العمرانية والتعديات علي خطوط التنظيم ومناطق الردود المقررة بالاشتراطات, وكذلك الأعمال المخالفة لتوفير الأماكن التي تخصص لإيواء السيارات والتعديات علي الأراضي الخاضعة لقانون حماية الآثار والمباني والمنشآت والأعمال التي تقام خارج الحيز العمراني المعتمد للمدينة أو القرية, ويصدر بذلك قرار من المحافظ المختص دون التقيد بالأحكام والإجراءات الخاصة بإيقاف الأعمال, ولا يجوز التجاوز عن إزالة هذه المخالفات, وإذا فرض وارتكب المالك مخالفة لا تدخل ضمن أي من تلك المخالفات الست فلا يجوز إزالتها وإنما تطبق عليها باقي مواد القانون حيث إن المخالفات الموجبة للإزالة محددة علي سبيل الحصر. ومن المعلوم أن ارتكاب أي من هذه المخالفات لا يتم بين ليلة وضحاها وإنما يستلزم وقتا ليس قليلا, فعلي سبيل المثال من يقوم بإنشاء عقار كامل بدون ترخيص أو تعلية دور أو أكثر بعقار في غفلة من الجهة الادارية( الأحياء) قد أسهم في إنشاء العشوائيات التي نعاني منها حاليا, والسؤال: أين كان المسئولون بالاحياء قبل الشروع في هذه المخالفات؟ وهل ظهرت فجأة علي سطح الارض حتي تتم إزالتها دون محاسبة المسئول الذي سمح بإقامتها؟ وعلي الرغم مما قرره قانون البناء من أنه يجوز لجهة الادارة وقف الأعمال المخالفة بمجرد البدء فيها فقد نصت المادة59 من قانون البناء علي أن توقف الأعمال المخالفة بالطريق الاداري, ويكون لجهة الادارة المختصة بشئون التخطيط والتنظيم اتخاذ ما تراه من إجراءات تكفل منع الانتفاع بالأجزاء المخالفة أو إقامة أي أعمال بناء جديدة فيها, وفي جميع الأحوال تضع الجهة الادارية المختصة لافتة في مكان ظاهر بموقع العقار مبين بها الأعمال المخالفة, وما اتخذ من اجراءات أو قرارات في شأنها, فضلا عما يتطلبه الأمر لتنفيذ الإزالة من دراسة أمنية, تستنفد كثيرا من الوقت, وقد تعد في كثير من الأحيان معوقا لإجراء الازالة, حيث يقوم المخالف باستغلال الفترة الزمنية بين تحرير محضر الازالة وتنفيذه بشغل الوحدات المخالفة بمستأجر لها يسكنها هو وأسرته مما يحول دون تنفيذ الإزالة فعليا, وإذا قامت جهة الادارة بتنفيذ الازالة تكون هناك مشكلة تلك الأسر التي أصبحت بلا مأوي, وتصبح جهة الادارة ملزمة بإيجاد مأوي لهم. هذا الأمر الكلام مازال لمحمد زكي يستلزم رقابة مشددة علي مسئولي الأحياء التي تقع تلك المخالفات تحت سمعهم وبصرهم مع ضرورة تبسيط إجراءات استخراج تراخيص المباني, وتوعية المواطنين بخطورة العشوائيات, وما يترتب عليها من آثار سلبية علي حياتهم.