رغم انه لا يوجد توافق بين القوي السياسية إلا أن هناك توافقا بين الجميع علي أن مصر تواجه خطرا من أبنائها قد يطيح بمقوماتها. فبعد ثورة كانت أملا للجميع في إعادة بناء مصر بما يحقق لها تقدما اقتصاديا وسياسيا أصبح شركاء الثورة أعداء اليوم وبدأت حرب تكسير العظام بين الفرقاء كل يحاول أن يقهر الآخر ويفرض رؤيته ومن المؤكد أن الخاسر هو الوطن والمواطن. بدأت حرب تكسير العظام بالخلاف حول تكوين اللجنة التأسيسية للدستور وتصاعد الخلاف حول نصوص الدستور المقترح وبدأ التلويح بالانسحاب من بعض القوي, ثم جاءت موقعة تعيين النائب العام سفيرا لتنتهي بتراجع الرئيس عن قراره وهو ما شجع المعارضين للرئيس وحزبه علي تصعيد موقفهم ثم جاءت المفاجأة بإعلان الرئيس عن إعلانه الدستوري الذي أطاح فيه بالنائب العام وحصن قراراته والتأسيسية والشوري من الحل, فكان التصعيد إلي حرب تكسير العظام حيث تجمع كل معارضي تيارات الإسلام السياسي في جبهة الإنقاذ الوطني وتمثلت الحرب في ما يلي: 1 تصعيد المطالب حيث ارتفع شعار لا تفاوض قبل التراجع ثم رفض الدستور والاستفتاء عليه ثم إسقاط النظام والرئيس, وعلي الجانب الآخر هناك قناعة بأن وقت قطف الثمار قد حان وإذا لم يطبقوا أفكارهم الآن فلن يتمكنوا من ذلك مستقبلا وهو ما جعلهم يمثلون ضغطا علي الرئيس لمنع تراجعه بل التهديد بالوقوف ضده إذا تراجع. 2 الحشد بالمظاهرات ولقد أغري نجاح القوي المدنية في الحشد في مظاهرتهم الأولي للدعوة لتكرار المظاهرات بل والاعتصام في التحرير ثم الذهاب للاتحادية, وهو ما جعل التيار الاسلامي يرد بحشد أكبر عند جامعة القاهرة وبدأ التباهي بالأعداد ويرد مناصري التحرير بالسخرية ممن نقلتهم الأتوبيسات من خارج القاهرة, ويمكن أن يستمر تصعيد الحشود ولتتعطل الأعمال في سبيل من يستطيع أن يحشد أكثر ولتصاب القاهرة بالشلل وليتهاوي الاقتصاد, أين العقل ومصلحة الوطن فيما يفعلون. 3 الحصار للمنشآت التي يرفضها كل طرف فبعد حصار الداخلية كان حصار المحكمة الدستورية ثم الدعوة لحصار مقر الرئاسة وهو ما ينبئ بضياع القانون وسيطرة الشارع لتغرق البلاد في الفوضي 4 ذ كان القضاء حكما بين الفرقاء إذ بالتيارات الإسلامية يصفون بعضا منهم بالفلول ثم امتنع أغلب القضاء عن العمل مطالبين بإلغاء الإعلان الدستوري وهكذا دخل القضاء في التصعيد ضد رئيس الجمهورية الذي حاول التراجع للأمام بالسرعة في إنهاء الدستور وهو ما يعني نهاية الإعلانات الدستورية ولكن استمر التصعيد برفض الإشراف علي الاستفتاء علي الدستور إلا بتراجع الرئيس عن إعلانه الدستوري. هكذا تعمق انقسام القوي السياسية بلا احتمال للتراجع أو التوافق فلقد بعدت المسافات وامتلأت النفوس بالضغينة ونتيجة لعدم قدرة أي من الطرفين علي إحراز النصر علي معارضيه فمن الواضح أن التيار الإسلامي يرتكز علي مناصرة الأغلبية من البسطاء وبالتالي يحاول أن يحسم معركته من خلال الاستفتاء والانتخاب بينما القوي المدنية التي تستخدم القوة الناعمة تعبئ الطبقة المتوسطة لصالحها وهو ما يجعل هناك نوع من توازن القوي, وبالتالي لابد من طرف مرجح, البعض يراهن علي العسكر بينما التجربة وواقع الحال يجعلهم خارج القدرة علي التأثير,وهو ما يفتح الباب للمحرمات سياسيا حيث يبدأ البعض في دعوة الأجانب لمساندته للتغلب علي خصومه, بل قد نجد أن القوي الأجنبية تستعد للتدخل بدعوي حماية الديمقراطية والأقليات وهو ما بدأت بوادره بتصريح وزيرة الخارجية الأمريكية عن القلق مما يحدث في مصر وتصريحات بعض مسئولي الاتحاد الأوربي ثم التلويح باستخدام لمعونات للتأثير والتراجع عن قرض صندوق النقد الدولي, وهي كلها مقدمات للتدخل الأجنبي الذي قد يتم بمباركة داخلية, فهل هذا ما نريده بعد ثورة كان من أهدافها القضاء علي النفوذ الأجنبي لنقع فريسة للتدخل الأجنبي, فهل نفيق ليسعي العقلاء والبسطاء لوقف حرب تكسير العظام هذه وهل نلحق بالفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد من جهالة البعض منا. المزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل