علي مدي ثلاثة أيام هي مدة ندوة علمية سياسية عن الحوار الوطني اليمني عقدت في صنعاء, كانت تساؤلات اليمنيين من كل الاعمار والاتجاهات تقريبا مثل تلك التي يتداولها المصريون صباح مساء حول ما الذي يجري في مصر واحتمالات عبور أزمة الاعلان الدستوري ووفق أي صيغة, انطلاقا من وجود علاقة عضوية بين التطورات المصرية وبين ما يمكن أن يحدث في اليمن نفسه. حالة الانتظار اليمني هي جزء من حالة انتظار عربي عام, فالكل يريد أن يعرف نتيجة حكم جماعات الاسلام السياسي, وما يحدث من ارتباك شديد في القاهرة كالحاصل في أيامنا تلك علي خلفية أزمة الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر الماضي, وإصرار التيار الديني علي بقائه مهما يكن الثمن, وغضبة القضاء وتعليق العمل في المحاكم, واستنفار القوي السياسية المناهضة للإعلان وقرارها بالاعتصام في ميدان التحرير, ومن قبل انسحاب ممثلي التيار المدني والكنائس المصرية الثلاث من الجمعية التأسيسية التي اسرعت في إصدار دستور صاغه تيار سياسي واحد وترفضه احزاب عديدة.. كل ذلك يبعث برسائل سلبية عما يجري في القاهرة باعتباره صراعا مكشوفا حول مصير الدولة بين الاسلام السياسي وبين أنصار الدولة المدنية تماما كما يجري في كل من تونس واليمن مع اختلاف المسارات وآليات حل الأزمة. ففي اليمن صراع مركب بين شباب التغيير والقوي الحزبية التقليدية, وبين المؤتمر الشعبي برئاسة الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحلفائه من جهة, وأحزاب اللقاء المشترك التي تقاسمت السلطة معه في المرحلة الانتقالية الراهنة وفقا للمبادرة الخليجية, والتي نصت علي عدة مبادئ وآليات أهمها الحفاظ علي وحدة اليمن واستقراره, ومنح حصانة قانونية للرئيس السابق, وانتخاب رئيس توافقي, وتشكيل حكومة انتقالية, وتغيير الدستور, والاهم من ذلك عقد مؤتمر موسع للحوار الوطني يشارك فيه 565 مندوبا يمثلون كل اطياف المجتمع اليمني سياسيا واجتماعيا ومناطقيا. كل ذلك تحت رعاية أممية ودولية مباشرة, بمساعدة مبعوث دولي خاص وهو جمال بن عمر الذي يقوم بجهد هائل لإقناع الفرقاء علي المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني, ويساعده في ذلك لجنة فنية للتحضير للمؤتمر يرأسها أحد رموز اليمن السياسية والثقافية وهو د. عبد الكريم الإرياني, الذي يعمل في الآن نفسه مستشارا لرئيس اليمن المنتخب عبد ربه هادي منصور. وبينما تتقدم الخطوات نحو عقد المؤتمر الحوار الوطني الذي تحددت قضاياه الرئيسية وطريقة عمله التي سوف تستغرق ستة اشهر من الحوارات العامة واللجان الفرعية والزيارات الميدانية في ربوع اليمن, وأعلنت قبل اربعة أيام نسب التمثيل, تبين أن المطالبين أيضا بالانفصال من الحراك الجنوبي وغيرهم من القوي السياسية في المناطق الجنوبية, وكذلك الحوثيون الذين حاربوا الدولة ست مرات من قبل سيكونون مشاركين في المؤتمر, ولديهم جميعا فرصة البحث في كل قضايا اليمن, ووضع تصور شامل لإعادة بناء الدولة اليمنية وفق أسس توافقية سوف تعكس نفسها في الدستور الجديد.. بينما يحدث ذلك في اليمن, نجد أنفسنا في القاهرة وقد وضعت مسودة دستور في ظل شكوك متصاعدة حول قانونية وشرعية الجمعية التأسيسية التي يسودها تيار سياسي واحد, ونجد أنفسنا أيضا بعيدين عن معني الحوار الشامل من أجل الوطن والمستقبل. وإلي جانب ذلك يوجد الاختلاف الحاد في الأولويات وشطط في المواقف واستعلاء وثقة متناهية لممثلي تيار الاسلام السياسي باعتبار أنهم الأغلبية التي من حقها أن تفعل بالوطن ما تشاء, وكأن الآلاف الرافضة للإعلان الدستوري ليسوا من الشعب وليس لهم حق في أن يتجاوب الرئيس مع مطالبهم مادامت تصب في مصلحة الوطن. وبالرغم من تعقيدات الحالة اليمنية وارتباطها بدور خارجي يجمع بين الاقليمي الخليجي والدولي الأممي, فهناك ما يدعو إلي التأييد, ويتجسد ذلك في ثلاثة عناصر مجتمعة, أولها الاتفاق الوطني علي أن الحوار بالرغم من صعوباته وعقباته العديدة, هو السبيل الوحيد لبناء يمن جديد يقوم علي المواطنة والعدالة الاجتماعية ورفع المظالم, والأهم من ذلك كله حماية التراب اليمني ووحدته القائمة من مايو 1990, وثانيها أن اسلوب حل عقبات التحضير للحوار الوطني يستند إلي الاقناع والجذب والمراوغة وتقديم الحوافز المختلفة من نسب التمثيل وشمول جدول المؤتمر مطالب عدة من كل صوب وحدب, وثالثا أن هناك إرادة عليا من قبل الرئيس التوافقي والحكومة الائتلافية والقوي السياسية والاجتماعية علي أن الخروج من الأزمة المركبة في اليمن مرهون بالحوار والتعقل ونبذ السلاح والتصعيد, والتنازلات المتبادلة, ورفض أي هيمنة كلية أو جزئية. وما احوجنا نحن في مصر إلي أن نجعل الحوار الوطني الشامل طريقنا للخروج من أزمة الاعلان الدستوري والدستور المكروه واستعداء القضاء, مع تجنب تام للاستعلاء السياسي من أي طرف يمكننا أن نضع مصر علي طريق للنهوض وليس علي طريق الاحتراب والصراع الأهلي الذي تتزايد مؤشراته إن بقيت الأمور علي النحو الذي نشهده حاليا. ولنفكر معا في صيغة وسط تجمع بين تجميد الإعلان الدستوري محل الأزمة مقابل إقرار حق الرئيس المنتخب في البقاء في منصبه مدة السنوات الأربع, وعودة القضاء إلي عمله الطبيعي, ووقف خطوات التصعيد من كل الاطراف, وأن يعاد تشكيل الجميعة التأسيسية بحيث يضم إليها ممثلون لفئات ومؤسسات مصر بصورة منصفة وشاملة علي أن تكون مهمتها فحص المسودة التي انتهت إليها الجمعية التأسيسية محل الاعتراض وليس وضع مسودة جديدة تماما, وأن يدعو الرئيس إلي حوار وطني شامل وموسع يعد له جيدا من لجنة مختارة بعناية وتكون لها صلاحيات واضحة, وذلك بهدف خروج الحوار الوطني الشامل بخطة عمل لإعادة بناء مصر فكرا ومؤسسات علي أن تتجاوب كل القوي السياسية مع هذا المسعي. وأخيرا فإن مصر النموذج لا يعيبها أبدا أن تنظر حولها وتستفيد من تجارب الآخرين, فالوطن يستحق التضحية من الجميع. المزيد من مقالات د. حسن أبو طالب