مرة أخرى تتم دعوة الشعب المصري إلى استفتاء على وثيقة بعد الثورة وهذه المرة على الدستور الذي تم "تجهيزه" أو " تحضيره "، دون وجود العديد من الخبراء في المجال الدستوري وهم أساتذة كبار صاغوا دساتير دول أخرى شرقا وغربا، وبعد إنسحاب الكثير من القوى السياسية والوطنية والمجتمعية من الجمعية التأسيسية. وقبل أن يختار الشعب بين " نعم " أو " لا "، تتعين معرفة ما تنص عليه بعض المواد في هذا الدستور. هناك من مدح الكثير من المواد رغم العبارات الفضفاضة. بعض المتخصصين عبر عن رؤيته لهذه المواد، فأدان عدم إلغاء محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية على سبيل المثال وآخرون أدانوا مواد أخرى، فيقول أحد الخبراء القانونيين والدستوريين، الدكتور نور فرحات، محذرا من المادة 76 : " إلى كل مصرى يخشى على أمنه ونفسه وأسرته وحريته وسلامته، أخطر الألغام التى وضعت فى مشروع الدستور الجديد ليلا وبغتة ودون أن يتم تحذير أحد (المادة 76) تقول " أنه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص فى القانون أو الدستور". الدستور معلوم لطلاب المبتدئين فى كلية الحقوق أنه لا يعنى بالتجريم والعقاب؛ هذه المادة ستتيح للقضاة فى المستقبل أن يستندوا الى مواد الشريعة فى الدستور لتطبيق الحدود والتعزير حتى دون أن يحيطوا بشروطها الفردية والمجتمعية. إن هذه أول مرة فى دساتير العالم يتم النص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى. إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذى هو اللبنة الأولى فى النظام القانونى الحديث ستتم الإطاحة به فى هذا دستور". أما في الاقتصاد فيقول الدكتور أحمد النجار الاقتصادي الكبير : " المادة 14 تطالب بوضع حد أدنى لأجر العاملين عموما، وحد أقصى لأجر العاملين بالدولة، لكنها تضيف أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات من الحد الأقصى بقانون... يعني يبقى الحال على ما كان عليه وأسوأ، وبالمناسبة دستور 1971 كان ينص على وضع حد أدنى للأجر يكفي لحياة كريمة، ووضع حد أقصى لتقليل الفوارق في الدخول. لكنه مثل الدستور الحالي لم يضع معايير محددة لهذا الحد الأقصى مثل ألا يزيد على 15 أو 20 مثل الحد الأدنى. و"الطريف" أن هذه المادة تطالب بربط الأجر بالإنتاج، وهو جهل مطبق، لأن إنتاجية العامل ليست مسئوليته بنسبة 99%، حيث تتحدد بمدى حداثة الآلات التي يعمل عليها، والنظام الإداري الذي يعمل في ظله والذي توجد به آليات صارمة وعادلة للثواب والعقاب. إنه الظلم القائم على الجهل! ولم تتحدث هذه المادة عن أي علاقة بين الأجور والأسعار. يعني أيام النظام السابق كان فيه مقابل غلاء معيشة... الآن يمكنهم استنادا ل " الدستور" أن يلغوها ". أما المنظمات الدولية فكان لها رأي هي أيضا، حيث أدانت هذا الدستور وقالت أنه مقلق لعباراته المطاطة عن حقوق المرأة والطفل وعدم نصه على احترام المواثيق والإتفاقيات الدولية، كما أنه لم يتوافق عليه المصريون. الأيام القادمة ستوضح ما إذا كان هذا الدستور عادلا ويليق بدولة عريقة دستوريا مثل مصر، أم أن مصيره سيكون مثل دستور صدقي لعام 1930 الذي أسقطه الشعب المصري لينتصر لحقوقه في النهاية، رغم دهاء صدقي واستبداده ...اللهم افرغ علينا صبرا... [email protected] المزيد من مقالات رشا حنفى