جلست إلي نفسي كثيرا, وفكرت في حالي طويلا, فوجدتني عاجزة عن إيجاد حل يريحني من العذاب الذي أعانيه, فأنا فتاة عمري ثلاثة وثلاثون عاما, نشأت في أسرة متوسطة لأب يعمل في جهة سيادية, وأم ربة منزل وعدد من الأشقاء الذكور, وشقيقة واحدة تكبرني بست سنوات. وانهينا دراستنا الجامعية وسافر إخوتي للعمل بالخارج ومنهم من تزوج, ومنهم من لم يتزوج بعد.. وبقيت أنا وأختي مع والدينا, ثم مرضت والدتي ولزمت الفراش, وما أن تتحسن حالتها من مرض حتي تجد نفسها فريسة لمرض آخر, وظللنا ننقلها من مستشفي الي آخر وتحملت عذاب العمليات الجراحية بصبر تحسد عليه, فلقد فاق عددها كل تصور لدرجة انني نسيت كم جراحة أجريت لها, ولم تمض شهور حتي أسلمت الروح إلي بارئها. وعشنا أنا وأختي حياتنا خلف الأبواب المغلقة, فلقد حبسنا أبوانا داخل المنزل, وأمليا علينا سلسلة من الممنوعات, ممنوع الذهاب في رحلات مع معارفنا أو المشاركة في أعياد ميلاد صديقاتنا, وعندما كان يزورنا أصدقاء إخوتي كان أبي يحذرنا من الخروج أمامهم أو فتح الباب إذا طرقه أحد, أو حتي مجرد الرد علي التليفون, ولا يصح أن نذهب الي السينما ولو بصحبة الأسرة خشية أن نري مشاهد مخلة, أو نسمع كلاما غير مهذب, فكبرنا وسط هذه الأفكار ونحن نتصور انها الصواب, وأن من تنتهج غيرها تكون مجرمة وخارجة علي القيم والأخلاق.. وهكذا مرت سنوات الدراسة الجامعية بنا من المنزل الي الكلية والعكس دون أن تتاح لنا فرصة التعرف علي زملاء الدراسة كما هو الحال بين كل الشباب والبنات. وقد تقدم لأختي ثلاثة عرسان ليس بينهم من يناسبها فهذا لم ينل مؤهلا مناسبا لها, وذاك يكبرها في السن كثيرا, والثالث يريدها أن تتوقف عن الدراسة! وبالطبع لم يوافق ابي علي أي منهم.. وكان حدسه في محله تماما إذ تزوج الثلاثة من أخريات ولم يطل بهم الاستقرار حيث انهم طلقوا زوجاتهم بعد شهور معدودة!. وعرف الحزن طريقه إلي أختي فكل العرسان الذين جاء بهم أقاربنا لها دون المستوي المهني والتعليمي, وكلما تقدم لها أحدهم تبثني همومها وتسألني في استنكار: لماذا يأتي لي هؤلاء بالأسوأ ولا يرضون لبناتهم من يقبلون به لي, وفي كل مرة أجيبها بأنه لن يجبرها أحد علي الزواج بالقوة, فمن حقها ان ترفض من لا تراه مناسبا لها, وكثيرا ما هدأت من روعها بان الله موجود.. وكم تمنيت ان يلتفت لنا إخوتنا فيهتمون بأمرنا, ويساعدوننا علي الزواج من شابين مناسبين, فنحن لم نعرف أي طريقة للزواج سوي هذا الأسلوب, بل وننتقد من عرفت خطيبها قبل الارتباط, ونستغرب ممن تخرج مع أي شاب ليست لها صلة به, إذ كيف سيكون موقفها إذا تركها بعد ذلك؟! ومرت الأيام وحاولنا جاهدين البحث عن عمل فلم نوفق, وتركز اهتمامنا في رعاية والدنا, ومتابعة أولاد اخوتنا من الذهاب الي المدارس, وزيارة الأطباء إذا أصيب أحدهم بوعكة صحية, وكنا نسمع منهم مديحا واطراء دون ان يفكروا في استضافتنا خلال الاجازة ولو مرة واحدة بعد المعاناة الطويلة التي عشناها, فربما تتيح زيارتنا لهم الفرصة لنا للتعرف علي أشخاص جدد, وقد نجد بينهم من يناسبنا لنا, والغريب حقا هو اندهاشهم من اننا لم نتزوج حتي الآن مع ان من هن أقل منا جمالا وتعليما تزوجن وأنجبن منذ سنوات! وكأن هذا الأمر بأيدينا ونحن لا نريده!. لقد تخيلت كثيرا انني واختي في وضع من أوضاع الوأد وأن علينا ان ننتظر الموت وليس لنا حق في أي شيء, حيث تضاءلت فرص زواجنا تماما وأصبح كل من يأتينا للزواج قد تخطي سن الستين, وأولاده في الجامعة, ولا أدري كيف يفكر من تزوج وأنجب وعاش حياته بالطول والعرض في أن يتزوج من فتاة تصغره بعشرين أو ثلاثين سنة! وكان من نتيجة تقدمنا في العمر أن الأقارب ابتعدوا عنا, فلا يدعوننا الي افراح أبنائهم, ولا يتحدثون أمامنا عن اخبارهم حتي خالي لم يخبرنا بزواج أبنائه وانجابهم بإيعاز من زوجته التي لا تترك فرصة إلا وتذكرنا فيها بأن خادمتها تزوجت في سن مبكرة.. ولا أدري لماذا لم يساعدنا علي الزواج, فعلاقاته متعددة بشخصيات محترمة ويشغلون مراكز مرموقة, فهو رجل أعمال معروف في البلد الأجنبي الذي يعيش فيه, وقد تسألني ولماذا لم يزوجنا من أبنائه فأقول لك أنه عشمني أنا وأختي بأننا سوف نرتبط باثنين منهم لكي نقيم معهم ونصبح أسرة واحدة, ثم جاءنا قائلا إن ابنيه لا يرغبان في هذا الارتباط وانهما يعتبروننا شقيقتين لهما. وزاد اضطراب حياتنا باصابة والدي بجلطة في المخ وتعرضه لحالة اكتئاب شديدة يرفض علي أثرهاالطعام والشراب والعلاج, وطلبت من إخوتي ان يأتي أحدهم الي مصر ولو في اجازة قصيرة للاطلاع علي حالته فلم يلق طلبي اي اهتمام, وانشغل كل منهم بحاله. ومنذ أيام تلقت أختي مكالمة هاتفية من إحدي صديقاتها تخبرها فيها بأن رئيسها في العمل, وهو في الستين من عمره ومتزوج ولديه ستة أبناء اكبرهم يقارب عمرها قد طلب مساعدتها في البحث له عن فتاة يتزوجها بشرط ان تكون جميلة ولم يسبق لها الارتباط علي ان يقيم لديها ثلاثة أيام في الاسبوع, ويقضي باقي الايام مع زوجته الأولي, وكان رد فعل اختي انها انهمرت في البكاء بعد ان تحطم أملها في أن تتزوج من شخص طبيعي يقاربها في العمر والتعليم. وهكذا شعرنا انه ليس من حقنا أن نحلم بالسعادة والاستقرار وعلينا ان نقبل بأي شخص, فهل وصلنا الي طريق مسدود, ولم يعد أمامنا سوي قبول الأمر الواقع, وهل مازال هناك أمل في أن نخرج من هذا الضيق الجاثم فوق صدرينا, فكم كنا نتمني ان نتزوج في سن مبكرة, ولكن لم تكن بيدنا حيلة؟ إنني أكتب اليك هذه الرسالة راجية ان تشاركنا وقراؤك الدعاء بأن يفرج الله عنا ما نحن فيه وان ينصرنا علي من ظلمنا, لعل منهم من هو مجاب الدعاء. {{ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: يخطئ كثيرون من الآباء حين يتصورون أن التربية الصحيحة للأبناء, تقوم علي الرقابة المشددة والإملاءات الصارمة, ويتجاهلون أنها في تبصير أولادهم بما ينفعهم وما يضرهم, ومساعدتهم علي وضع أقدامهم علي الطريق السليم لكي يتمكنوا من مواجهة الرياح والأعاصير دون أن ينزلقوا الي الأخطاء التي قد يرتكبها عادة من ليست لهم خبرة في الحياة. ولقد وقعت أنت وأختك فريستين لهذا الفهم الخاطئ, فمنعكما أبوكما من الخروج أو الحديث مع أي شخص, وظل الشباب بالنسبة لكما علامة خطر ممنوع الاقتراب منها, وإلا تعرضتما لما لا تحمد عقباه, فنشأت حالة خوف لديكما من التعامل مع الآخرين. ونسي أبواك الحكمة التي تقول لا تكن صلبا فتكسر ولا تكن لينا فتعصر, فخير الأمور أوسطها, وكان بإمكانكما التعامل مع الشباب بضوابط محددة وتحت سمع وبصر أبويكما, وتكون المصارحة والمكاشفة هي منهج حياتكما لكي تتفاديا أي عواقب أو مشكلات أولا بأول. أما وعد خالك بتزويجكما باثنين من أبنائه, ثم تراجعه, بحجة أنهم يرون فيكما أختين لهم, وأن ذلك بإيعاز من زوجته, فلا تلقيا بالا لذلك, فلقد اختار كل منهم طريقه في الحياة مرتبطا بمن رآها الأنسب له والأكثر قربا من قلبه, سواء كان هذا بتوجيه والدته أم أنه تصرف ناتج عن احساس عاطفي, وليس مستحبا أن يتزوج أي منهم علي غير رغبته, حتي ولو امتثالا لرغبة أمه, لأن مثل هذه الزيجات محكوم عليها بالفشل. فلا تعذبي نفسك بإيقاد الأحقاد في صدرك, ولا تفكري فيما مضي وافتحي أنت وأختك صفحة جديدة من حياتكما.. وعليك السمو علي كل ما حولك من مشكلات ومتاعب, وانتظري جوائز السماء التي وعد الله بها الصابرين.. وكلي يقين من أن أحوالكما سوف تتحسن وسوف تدركان أن مع العسر يسرا.. كما أكد الحق تبارك وتعالي في كتابه الكريم.. وأسأله عز وجل أن يسبغ عليكما من نعمه وكرمه, وأن يوفقكما لما يحبه ويرضاه وما ترضي به نفساكما.. إنه علي كل شيء قدير.