هي مقولة منسوبة للملك الفرنسي لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا 54 عاماً (1661- 1715)، وارتكزت قاعدة العمل السياسي لديه على الطاعة. لقد صارت هذه المقولة مثالا للاستبداد السياسي، حيث كان هذا الملك - الذي يطلق عليه أيضا " الملك الشمس"- يحكم البلاد حكما مطلقا، حيث بدأ تعزيز سلطاته بالسيطرة التامة على النبلاء والإقطاعيين والأمراء أصحاب النفوذ، وتوزيع المناصب على من يشاء ونزعها ممن يشاء دون محاسبة من برلمان أو هيئات رقابية، كما عمل على الحد من نفوذهم السياسي والعسكري في البلاد وحولهم إلى طبقة منقسمة على نفسها.. لم يقتصر استبداد لويس الرابع عشر على الجوانب السياسية بل امتد للدين فألغى مرسوم نانت لعام 1685 الذي يدعو إلى وقف الحروب الدينية ومنح البروتستانت حرية الاعتقاد والعبادة وقرر بدلا منه مبدأ التسامح الديني وكانت حجته في إلغاء ذلك المرسوم تأكيد الوحدة الدينية للبلاد، ولكن أدى قراره هذا إلى حرمان فرنسا من نخبة الصناع فيها وهم من البروتستانت الذين هجروا البلاد بحثا عن الأمن مما أثر سلبا على الحياة الاقتصادية للبلاد. وعلى الرغم من أن الحضارة الفرنسية في ميادين العلوم والآداب والفن قد ازدهرت كثيرا في عهد هذا الملك، فإن التاريخ حفظ بالمقابل عن لويس الرابع عشر صورة الملك المستبد الذي جسد خير تجسيد مبدأ الحكم الإلهي المطلق. لقد أدت هذه السياسات التي توارثها من أتى بعد " الملك الشمس" إلى الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789 وامتدت حتى عام 1799. ما أشبه تاريخ الأمم، لقد اندلعت أيضا ثورة 25 يناير 2011 في مصربسبب الظلم والاستبداد والدكتاتورية وسالت دماء كثيرة من أجل الحرية بعد عقود طويلة كانت فيها مصر أشبه بالجسد الذي لا يتحرك إلا من عينيه اللتين تتوسلان لطلب النجدة من أجل إنقاذه مما هو فيه. وجاءت الثورة لتبدأ في تحريك الجسد ومحاولة إخراج القيح الذي كاد يصيبه بالتسمم ويؤدي إلى موته. نعم لقد اندلعت ثورة شباب وشعب مصر بغية إنقاذها ومازالت تراق دماء الكثير من أبنائها وستستمر إذا لم تتحمل القوى السياسية مسئوليتها التاريخية أمام الله والشعب والوطن. لقد خرج الإعلان الدستوري الأخير محاولا إصابة القضاء والثورة بل محاولا إصابة مصر في مقتل، فليس من المعقول أو المقبول أو المتخيل مهما كانت الظروف التي تمر بها البلاد، أن تتمركز ثلاث سلطات في يد مسئول واحد أو أن تتغول سلطة على أخرى والأدهى أن تتحصن قرارات ذات الفرد الذي يملك هذه السلطات الثلاث ضد أي طعن. إن القضاء الحر المستقل هو الضمانة لنجاح البلاد في الوصول إلى الديمقراطية الحقة التي تقوم على الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. إذا القضية اليوم هي قضية مصر الدولة. ومن أجل إنقاذ السلطة القضائية وإنقاذ مصر من دكتاتورية واستبداد قادمين إذا ما استمر هذا الإعلان الدستوري، فقد أرسل أحد الخبراء في القانون الدستوري رسالة مختصرة إلى قضاة المحكمة الدستورية يحثهم على النطق بالأحكام في القضايا المرفوعة أمامهم لأنه أوجب اليوم من أي وقت في ماضي أو مستقبل مصر شعبا وحكاما وحقوقا وحضارة ودستورا وقضاء واقتصادا، بل الدولة كلها داخليا وخارجيا، فهذا الإعلان منعدم وفقا لكلماته. وقد أكد رئيس المحكمة الدستورية أن المحكمة ستعقد جلساتها كما هو معلن عنه لنظر الدعاوى المنظورة أمامها، ردا على على هذا الإعلان الذي يقسم الشعب ويؤسس لحكم مطلق إلهي لم تعشه مصر حتى في العصر الملكي. ورد فعل الأحزاب جاء أيضا سريعا لتشتعل المظاهرات دفاعا عن مصرالحرة الديمقراطية. ولاننسى أن " الملك الشمس " الذي عرفه التاريخ استبداديا ووصفه نظامه " أنه نائب الله على الأرض"، تراجع وهو يحتضر على فراش الموت ورجع إلى صوابه حيث نسب إليه أنه قال :" أنا سأذهب أما الدولة فستبقى دائما ". نعم سنذهب جميعا وستظل مصر دائما حرة ودولة قانون يحميها الله وشعبها الواعي المتيقظ .. وعلى الجميع أن يتذكر إمام الدعاة الشيخ الشعراوي رحمه الله حين قال : " إذا أردت أن تحكم على منهج، فانظر إلى أصحابه، فإن كانوا مستفيدين فهو باطل ". نعم هو باطل .. باطل .. باطل ... اللهم افرغ علينا صبرا .. فالشدائد تأتي تباعا ... [email protected] المزيد من مقالات رشا حنفى