استشرت ظاهرة الإهمال واللامبالاة والاستهتار وعدم المسئولية لدرجة كبيرة تكاد تهدد المجتمع كله في كيانه بل تضربه في مقتل, ولم تتوقف هذه الظاهرة المرعبة والمخيفة عند قطاع معين من قطاعات المجتمع ولكنها انتشرت كالوباء في معظم قطاعات الدولة دون حساب من أحد أو رادع يوقف المسئولين عن هذه الظاهرة, وكان جيلنا وأجيال من سبقونا لا يعرفون كلمة إهمال في حياتهم العملية اليومية وكان كل مواطن منهم يعرف واجباته ويؤديها علي أكمل وجه ويحرص علي أن يكون موضع تقدير رؤسائه في العمل ويجد ويجتهد ويكافح بل يقاتل من أجل تحقيق طموحاته في الحفاظ علي أمن وسلامة الوطن والارتقاء به إلي الأفضل بالإضافة إلي إرضاء رؤسائه في العمل وإقناعهم بأنه جدير بتقديرهم رغم قسوة الحياة التي كانت تمر بها هذه الأجيال الأمينة علي مصلحة الوطن وضيق ذات اليد ولكن لديهم القناعة الكاملة بأن هذا دورهم الذي تفرضه عليهم وظائفهم لكي يؤدوه بكل جدارة واقتدار. وفجأة انقلبت الأوضاع في مجتمعنا رأسا علي عقب ليصبح الإهمال والتسيب واللامبالاة والاستهتار هو الأصل والقاعدة أما الجدية والحرص فهما الاستثناء في حياتنا فشاهدنا العمارات التي تنهار فوق سكانها نتيجة اهمال هذا المهندس أو المقاول الذي أسندت إليه عمليات إنشائها فراح يغش في مواد البناء ولم يقم بأصول المهنة التي يزاولها, خاصة أن هذه العمارة أو تلك لم يمر علي إنشائها أكثر من عامين أو ثلاثة رغم وجود عمارات قديمة وشامخة مضي علي إقامتها مئات أو آلاف السنين دون أن تتأثر وتنهار, ووصل الاهمال ليضرب بسهامه لنجد المهندس والمدرس والطبيب بل العامل وسائق أتوبيس هيئة النقل والميكروباصات وغيرهم كل ليس لديه في أداء واجبه الوظيفي علي الوجه الأكمل وراح الجميع يتركون أعمالهم ويواصلون اهمالهم بل يتغيبون دون حساب من أحد أو رقيب يحذرهم ويوجههم التوجيه الصحيح, و يذكرهم بزمان مضي كان فيه الموظف الذي يتغيب عدة أيام عن عمله يحاسب حسابا عسيرا قد يعرضه للفصل. ووصل الإهمال في حياتنا إلي قمته وظهرت صورته البشعة والمؤلمة في كارثة قطار أسيوط التي أبكت كل مواطن علي أرض الوطن وربما الغرباء عن أوطاننا أيضا والذي راح ضحيته51 طفلا في عمر الزهور كانت أسرهم تحلم بأنهم سيكونون أمل الغد المشرق وشباب المستقبل لبلادهم وأصبح كل همنا في هذا الحادث البشع هو البحث عن المتسببين فيه وهل هو رئيس هيئة السكة الحديد أم عامل المزلقان أم سائق القطار أم سائق الأتوبيس الذي اقتحم المزلقان وهو مفتوح فيضحي بهم دون أن يخطر بباله أنه يحمل سبعين طفلا هم أمانة في رقبته دون البحث عن أساس هذه الظاهرة وهو الإهمال المفرط الذي أطاح بأطفالنا ومزقهم أشلاء علي قضبان السكة الحديد, ولاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها نعرض بعض مقترحاتنا الآتية: إعداد مشروع قانون جديد يعرض علي مجلس الشعب بعد عودته يتولي تغليظ العقوبة علي ظاهرة الاهمال من الحبس إلي السجن والفصل من العمل في حالة العودة دون الاكتفاء بنقل الموظف المهمل إلي مكان آخر أو ديوان الوزارة. توقيع العقاب علي الموظف الذي يترك عمله عدة أيام والتضحية بالمهمة التي تم تعيينه ليكون مسئولا عن تنفيذ واجباته الوظيفية علي الوجه الأكمل وبحيث يكون هذا العقاب أيضا مضاعفا في حالة تفشي ظاهرة الإهمال في حق هذا الموظف أو ذاك. التحقيق فورا مع المتسببين في تعثر مشروع تطوير المزلقانات في القاهرة والمحافظات رغم تكرار حوادث القطارات وإزهاق أرواح المواطنين. ضرورة توعية القائمين بمزاولة أي مهنة تقتضي واجب الحفاظ علي أرواح المواطنين سواء كانوا أطفالا أو كبارا بخطورة المسئولية التي يتولونها وضرورة تأديتها علي الوجه الأكمل. المزيد من مقالات مصطفى الضمرانى