تمر الأيام والشهور ولا تزال حادثة الهجرة المباركة للرسول صلي الله عليه وسلم من مكةالمكرمة الي المدينةالمنورة تبوح بإسرارها لتؤكد للجميع انها لم تكن فرارا او هروبا كما يصورها البعض,بل كانت نصرا وفتحا أعز الله تعالي به الإسلام والمسلمين. الذين ذاقوا صنوف العذاب علي يد فريق الكفر والشرك وقد صدق الله في كتابه اذ يقول:إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا........ يقول الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق عضو هيئة كبار العلماء إن الله سبحانه وتعالي قد سمي الهجرة المباركة في القرآن الكريم نصرا لأنها بحق كانت انتصارا للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وصحبه المستضعفين,وقد كانوا يذهبون الي رسول الله ويقولون له ماذا نحن صانعون أمام طوفان العذاب من قبل المشركين؟ فيرد عليهم النبي صلي الله عليه وسلم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ان اتبع إلا ما يوحي إلي, حتي أذن الله له بالهجرة المباركة الي يثرب التي سميت فيما بعد بالمدينةالمنورة وأصبحت حرما. وأشار إلي أن من الدروس التي يجب تعلمها من حادثة الهجرة الشريفة الأخذ بالأسباب في كل عمل يقوم المسلم به في حياته, دينيا كان او دنيويا, ثم يترك تحصيل النتائج علي الله تعالي, فالنبي صلي الله عليه وسلم ومع علمه بان الله ناصره لا محالة الا انه اتخذ من اسباب الحيطة والحذر ما يمكنه من بلوغ هدفه بسلام وقد تحقق له ذلك بتوفيق الله اولا ثم التخطيط السليم المبني علي التوكل علي الله والأخذ بالأسباب. واوضح الدكتور احمد عمر هاشم ان حب الوطن والانتماء له من أعظم الدروس المستفادة من الهجرة,وقد ضرب لنا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم أروع الأمثلة في ذلك حينما قارب ركبه في الهجرة علي الخروج من حدود مكةالمكرمة والدخول الي المدينةالمنورة حيث التفت عليه الصلاة والسلام الي محل مولده مكة بكلمات رقراقة ودموع حانية قائلا: اللهم اني أعلم أنك احب البلاد الي الله وأحب البلاد الي قلبي ولولا ان أهلك أخرجوني منك ماخرجت ونزل عليه قول الله تعالي إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد..... وهنا تتجلي فضيلة حب الوطن مهما لاقي الإنسان علي أرضه من التعب والنصب والأذي فعليه ان يصبر ويثابر من اجله وان يدافع عن ترابه بكل غال ونفيس, وإلا لو أن كل إنسان هجر بلده ووطنه قلبا وجسدا لما كان هناك هدف أسمي ونبيل يجمع الكل تحت رايته يدافعون عن ترابه ويذودون عن اهله كل عدوان وطغيان. وفي سياق متصل يؤكد الدكتور عبد الفتاح عاشور أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر الشريف أن أصعب شئ كان علي النبي صلي الله عليه وسلم هو إخراجه من مكة مسقط رأسه وقد سجل القرآن الكريم ذلك في سورة الأنفال حيث قال سبحانه وتعالي وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وهذا يعتبر من الابتلاءات التي تعرض لها النبي صلي الله عليه وسلم هو وصحابته الكرام في سبيل إبلاغ الدعوة الإسلامية,وكانوا خير نموذج في الصبر والمثابرة والقدرة علي تحمل المشقة النفسية والبدنية لنصرة الدين. وأشار إلي أن الهجرة المباركة أسست لأول دولة مدنية عرفتها الإنسانية جمعاء,والدليل علي ذلك ما جاء في صحيفة او وثيقة المدينة التي اشتملت علي ان جميع من في المدينة من المسلمين وغيرهم من الديانات الأخري سواء في الحقوق والواجبات لهم مالهم وعليهم ماعليهم من الدفاع عن ارض المدينة وحرية العقيدة والعبادة,وهو ما تنادي به حاليا منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان, في إشارة الي سبق الإسلام جميع هذه المنظمات والجمعيات في المحافظة علي النفس والإعراض والأوطان والحريات, لاكما يدعي البعض ان الإسلام جاء ليهدر الأرواح والأموال ويعتدي علي البلدان ويقيد الحريات. ويشير الدكتور عبد الغفار هلال العميد الأسبق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الي ان حادثة الهجرة المباركة تأتي كل عام لتؤكد لنا دور واهمية المسجد في حياة المسلمين لذا كان اول شئ قام به النبي صلي الله عليه وسلم حين وصل المدينةالمنورة هو بناء مسجد قباء ومنه بدأ تأسيس الدولة الإسلامية علي اسس من التقوي والمؤاخاةوالحب والمساواة والعدل بين الجميع, دولة لا يظلم فيها احد مسلما كان او غير مسلم تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. ويوضح ان الخير كله جاء في الهجرة الشريفة, إذ لولا الهجرة ما كان المهاجرون ولا الأنصار ولا. أصبحت يثرب مدينة ولا حرما, في إشارة واضحة لكل إنسان إذا ألمت به ضائقة أو هم او كرب عليه ان يعلم ان فرج الله قريب وان مع العسر يسرا وان الله ناصره مادام قد أخذ بالأسباب وقلبه متوكل عليه.