رجع الرسول الأكرم من الطائف دون ان يحقق ما كان يرجو ويتمني، بأن يؤمن بالرسالة أهل الطائف فيقوي بهم الإسلام، ولكن لم يؤمن من أهل الطائف سوي »عداس«.. ورجع الرسول الكريم الي مكة ليدخلها في جوار المطعم بن عدي. وفي السنة الحادية عشرة اسري بالرسول الكريم من المسجد الحرام الي المسجد الأقصي، ثم عرج به الي السموات العلا، حيث رأي من آيات ربه الكبري ما رأي، وفي المعراج فرضت الصلوات الخمس وروي عن جابر وابن عباس انهما قالا: »ولد رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم ليلة الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج إلي السماء، وفيه هاجر، وفيه مات«. واذا كان علماء السيرة قد اختلفوا في تعيين يوم الإسراء، فان واقعة الإسراء والمعراج قد حدثت.. الإسراء بدليل قوله تعالي: »سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير«. ويفسر البعض قوله تعالي: »واذ قلنا إن ربك احاط بالناس، وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن، ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا«. فقد ذكر المفسرون ان الرؤيا هي المعراج. والقرآن ينص علي المعراج أيضا في قوله تعالي: »والنجم اذا هوي، ما ضل صاحبكم وماغوي، وما ينطق عن الهوي، ان هو الا وحي يوحي، علمه شديد القوي، ذو مرة فاستوي، وهو بالأفق الأعلي، ثم دنا فتدلي، فكان قاب قوسين أو أدني، فأوحي إلي عبده ما أوحي، ما كذب الفؤاد ما رأي، افتمارونه علي مايري، ولقد رآه نزلة اخري عند سدرة المنتهي، عندها جنة المأوي، اذ يغشي السدرة ما يغشي، ما زاغ البصر وما طغي، لقد رأي من آيات ربه الكبري«. والاسراء كان بالروح والجسد، لأن القرآن الكريم يقول (سبحانه الذي أسري بعبده) والعبد يتضمن الروح والجسد. وهناك من يقول ان المعراج كان بالروح. و أيضا هناك من يقول ان الاسراء والمعراج كانا معا بالروح والجسد، وهذا هو سر المعجزة. لقد كان الاسراء والمعراج الذي حدث في السنة الحادية عشرة، تسليم للرسول الأعظم وفيها فرضت الصلاة وهي معراج يومي للمؤمن عندما يقيم الصلوات الخمس.
وقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام ليعرض نفسه علي القبائل الوافدة الي مكة في مواسم العرب، والتقي النبي عليه الصلاة والسلام ببعض نفر من يثرب من الأوس وآمن ستة منهم بالدعوة، وكانوا سببا في انتشار الإسلام بيثرب. وفي العام القابل لقيه اثنا عشر رجلا: عشرة من الأوس، واثنان من الخزرج، وكان منهم خمسة من الذين سبق ان التقي بهم من قبل، وبايعوه علي الإسلام وفي العام التالي (الثالث عشر للنبوة) وفد سبعون رجلا وامرأتان من يثرب، فاسلموا، وكانت المبايعة عند العقبة- وهي العقبة الثانية- وعين الرسول لهم اثني عشر نقيبا.. أي لكل عشيرة نقيب، وارسل الرسول مصعب بن عمير ليعلم المسلمين امور دينهم، وكان أول سفير في الإسلام استطاع ان يقنع به عددا كبيرا من أهل يثرب.. وبالتالي أصبحت يثرب مهيأة لاستقبال الرسول عند هجرته الي المدينة. وكان عليه الصلاة والسلام قد أوصي اليه بالهجرة عندما تألبت عليه مكة وارادت قتله، فاتفق مع أبي بكر الصديق ليكون رفيقه في الرحلة، ونام علي فراشه علي بن أبي طالب الذي تركه في مكة ليرد الحقوق لأصحابها والأمانات التي كانت عند الرسول، وهاجر الرسول الكريم الي يثرب (المدينةالمنورة) واستقبل استقبالا حافلا، فقد استقبلوه بقولهم. طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا مادعا لله داع أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع وفي المدينة تكونت دولة الإسلام، فقد آخي الرسول بين المهاجرين والأنصار، وأقام وثيقة لكل سكان المدينة بما فيهم اليهود الذين أمنهم علي معتقداتهم وكنائسهم علي الا يخونوا المسلمين، كما اقام مسجده الشريف، وفيها شرع الأذان حتي يجتمع المسلمون عندما يحين وقت الصلاة.
لقد تكونت الدولة الإسلامية اذن في المدينة لتكون قاعدة لانطلاق الاسلام الي كل ارجاء الدنيا، وكان المصدران للتشريع الإسلام هما القرآن الكريم والسنة المطهرة، ووضعت قواعد هذه الدولة ليكون اساسها الشوري فقد قال تعالي: - »وشاورهم في الأمر«. كما قال تعالي: وأمرهم شوري بينهم. وساد في هذا المجتمع الإسلامي العدالة والمساواة والإخاء بين الجميع، ولاتفاضل بين انسان واخر الا بالتقوي قال تعالي: »يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان اكرمكم عند الله اتقاكم« الحجرات 31. وكان الترابط والتعامل في هذا المجتمع من عبادات وتشريعات وما شرعه الإسلام بالنسبة للزواج والطلاق والميراث وصلة الأرحام.. وفقا لما نزل من القرآن الكريم وشرح السنة لما نزل في كتاب الله. وكان من الطبيعي ان يتحرش اليهود والمنافقون والمشركون بالمسلمين.. فهم لايطيقون ان يروا الإسلام وقد أقام له دولة لها تشريعها الإسلامي، ويروا المسلمين وهم يتعبدون وفقا لما جاء به الإسلام.. وبالتالي كان لابد ان يحدث صدامات بين المسملين وغيرهم، وخاصة بعد ان نزلت آيات الجهاد، وانه علي المسلمين ان يدافعوا عن أنفسهم وحقوقهم، ولايقفوا مكتوفي الأيدي أمام ما يحلق بهم من أذي، كقوله تعالي في سورة الحج: »أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله علي نصرهم لقدير. الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله«. الحج 93 وقوله تعالي: »وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولاتعتدوا، ان الله لايحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، واخرجوهم من حيث اخرجوكم، والفتنة اشد من القتل«. البقرة 191 وقوله تعالي: »وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة، يكون الدين لله« البقرة 391 وقد سعد المسلمون بنزول هذه الآيات التي تحث علي الجهاد، فما أكثر ما ظلموا وعذبوا في مكة بلا مبرر الا انهم امنوا بالاسلام وتعرضوا للإيذاء البدني والنفسي، وصورت اموالهم عند الهجرة.. فمن حقهم ان يدافعوا عن أنفسهم، والا يتلقوا من الأعداء ما لايطيقون دون ان يكون من حقهم الدفاع عن انفسهم واموالهم. والقتال لم يكن شريعة الإسلام وحده، فقد نادي به ايضا السيد المسيح كما جاء في انجيل (متَّي) بالاصحاح الثاني عشر 94: »لاتظنوا انني جئت انشر السلام علي الأرض، انني لم آت أحمل السلام، وانما السيف«. وقال عيسي عليه السلام: »انني جئت لأفرق بين الولد وامه، والبنت وامها، وبين زوجة الابن وكنتها«. انجيل متيَّ الاصحاح العاشر 52 فلم يكن الرسول الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام بدعا بين الرسل، لانه نادي بحمل السلاح، ضد من يحاول ان يحول بينه وبين انتشار الدعوة الإسلامية، ومن هنا كان تشريع الجهاد، وقتال اعداء الإسلام، حتي يعم نور الإسلام.. ونور الحضارة الإسلامية، ويزيل عن كاهل الأمة التي اضناها لهيب الشرك والطغيان، ان يعرفوا نور التوحيد، وعظمة الإسلام، وشريعته التي تحكم العلاقات في المجتمع الإسلامي، وعباداته التي تقرب بين العبد وربه، حتي يقام المجتمع الإسلامي الذي يكون نموذجا للرحمة والعدل والاخاء والمساواة، والتي يمتليء بقيم الحق والخير الجمال.. »يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون« الصف 85 وكان من الضروري ان يراقب المسلمون ما يحدث خارج المدينةالمنورة، وما ينوي المشركون في مكة واليهود في المدينة، والقبائل حول المدينة من افعال فيها تربص بالمسلمين، ومحاولة ايقاف الدعوة، أو ايذاء المجتمع الإسلامي الجديد..
ومن هنا بدأت الغزوات بغزوة (بدر) التي انتصر فيها المسلمون رغم قلة عددهم علي مكة، وكانت هذه الغزوة في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة. ولأن أعظم رسل الله عليه الصلاة والسلام كان يعلم ان هذه الغزوة فاصلة في تاريخ الدعوة، وانه لو انتصر الشرك فيها فسيكون في ذلك نهاية الدعوة، ومن هنا دعا الرسول الكريم ربه قبيل المعركة. »اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها تحادك، وتكذب رسولك. اللهم فنصرك الذي وعدتني. اللهم اهلكهم في هذه الغداة«. وقبيل المعركة الفاصلة، أخذ الرسول حفنة من الحصي والتراب، واستقبل بها وجوه قريش وهو يقول: شاهت الوجوه. وقال لأصحابه محرضا علي القتال، وحاثا علي الثبات فيه: »والذي نفس محمد بيده، لايقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، الا ادخله الله الجنة«. ثم قال لأصحابه: »قوموا الي جنة عرضها السموات والأرض« وانتصر المسلمون في المعركة، وقتل أئمة الكفر ومن بينهم ابوجهل وامية بن خلف. وارسل الرسول الكريم من يبشر المسلمين في المدينة بالنصر العظيم، فارسل زيد بن حارثة من المهاجرين، وعبدالله بن رواحة من الأنصار، فوصلا اليها في الوقت الذين كانوا يشيعون فيها (رقية) زوجة عثمان بن عفان وابنة الرسول الكريم.