يحتفل الشعب الجزائري الشقيق هذا العام هذه الأيام, بمرور نصف قرن من الزمان علي استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي وقيام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية, وهو الأمر الذي جسد بدوره الانتصار النهائي لثورة المليون ونصف مليون شهيد, وهي الثورة التي حفرت لنفسها وبشهدائها مكانها المتميز والمرموق وسط ثورات العالم الحديثة والمعاصرة. لكن هذه الاحتفالية لها أيضا ارتباطها العضوي بمصر ودورها في رعاية حركة التحرر الوطني عبر العالم, خاصة في الوطن العربي, ودفع حركة المد القومي العربي. فمن غير الوارد داخل الجزائر أو خارجها الحديث عن ثورة الجزائر واستقلالها دون الحديث عن الدعم المصري لتلك الثورة وللجمهورية الجزائرية الوليدة في مختلف المجالات, سواء التدريب العسكري والتزويد بالسلاح وإرسال الخبراء العسكريين المصريين لتدريب عناصر جيش التحرير الشعبي, أو عبر احتضان قيادة الثورة الجزائرية في مرحلة النضال من أجل التحرير واستضافتهم في مصر وفتح المجال أمامهم للعمل بحرية سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا لقيادة الثورة الجزائرية من القاهرة, أو توفير مظلة الدعم الإعلامي من خلال إنشاء إذاعة صوت العرب واتخاذها أداة تعبوية لصالح بناء الدعم الممنهج لثورة الجزائر سواء داخل الجزائر أو عبر العالم خاصة الدول الأوروبية والغربية بما في ذلك داخل دولة الاحتلال في ذلك الوقت فرنسا ذاتها, أو تقديم دعم سياسي ودبلوماسي إقليمي ودولي للثورة الجزائرية في الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية وحركة الشعوب الأفرو آسيوية التي انطلقت في باندونج في عام1955 وغيرها من المحافل. وكذلك عبر الحصول من خلال البوابة المصرية علي دعم الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الشرقية في ذلك الوقت للثورة الجزائرية, وهو دعم ثبت لاحقا أنه حيوي لانتصار تلك الثورة من خلال توفير السلاح والدعم السياسي والدبلوماسي للثورة الجزائرية ثم للجمهورية الوليدة, وأخيرا, وليس آخرا, كانت المشاركة الفرنسية في العدوان الثلاثي علي مصر عام1956 بالتعاون مع المملكة المتحدة وإسرائيل, وذلك باعتراف القادة الفرنسيين أنفسهم في المذكرات التي كتبوها لاحقا, ردا علي الدعم المصري الكاسح لثورة الجزائر وانتقاما من ثورة23 يوليو1952 وقيادتها الوطنية والقومية علي هذا الموقف. لم يفت أي من القادة التاريخيين للجزائر الثورة والجمهورية المستقلة, بدءا بالزعيم الراحل أحمد بن بيللا ومرورا بالزعيم الراحل هواري بومدين ووصولا إلي الزعيم عبد العزيز بوتفليقة, الإقرار بالدور التاريخي لمصر الثورة في دعم الجزائر الثورة, ولم تكن مشاركة القوات الجزائرية مع القوات المصرية جنبا إلي جنب في حربي1967 و1973 وحرب الاستنزاف فيما بينهما حيث اختلطت الدماء المصرية والجزائرية مجددا والزيارة السرية التي قام بها الزعيم الراحل هواري بومدين للاتحاد السوفيتي السابق خلال حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر المجيدة ودفع500 مليون دولار نقدا للسوفيت حينذاك لضمان قيامهم باستئناف توريد السلاح لمصر خلال الحرب, سوي لفتات أكدت من الجانب الجزائري العرفان والامتنان لدور مصر في دعم الثورة الجزائرية وأدلة علي الأخوة المصرية الجزائرية ووحدة المصير بين الشعبين. إلا أنه وللأسف فمنذ استقلال الجزائر في نوفمبر1962 لم تهدأ المحاولات الكثيرة والمتتالية للوقيعة بين مصر والجزائر, فقد أدركت العديد من الأطراف داخل المنطقة وخارجها مخاطر تبلور أخوة مصرية جزائرية علي مصالح كل من يضمر شرا للوطن العربي والأمة الإسلامية وحركة التحرر الوطني في إفريقيا والعالم الثالث, وبالتالي سعي هؤلاء باستمرار للحيلولة دون التقارب بين الشعبين بل والسعي لإفساد العلاقة بين البلدين, وللأسف أفلح هؤلاء كثيرا في مراميهم ودسائسهم, ولم تكن الخسارة الناتجة عن ذلك مقصورة علي مصر والجزائر بل كانت خسائر للعرب والمسلمين والأفارقة وشعوب الجنوب بأسرها. ورأينا اندلاع عداوات بين البلدين والشعبين علي خلفية مباريات كرة قدم أو تصريحات لمطربين أو مطربات أو مقالات صحفية وتجاوزات إعلامية هنا أو هناك وغير ذلك من أمور ليس من المفترض أو من المتصور بالطبع أن ترقي للنيل من العناصر المحورية الكثيرة المشتركة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين. وقد بذلت علي الجانبين وعلي مدي السنين والعقود الكثير من المحاولات الجادة لكي تكون العلاقات بين البلدين والشعبين كما ينبغي لها أن تكون, ولكن كانت محاولات الوقيعة تعود لتطل برأسها من جديد, ويحدث التراجع عن ما تحقق من تقدم. ولا شك أن زيارة السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء المصري الأخيرة للجزائر وتضمين الوفد عددا بارزا من السادة الوزراء المسئولين عن الملفات المهمة وعقد دورة جديدة من اللجنة العليا المشتركة بين البلدين تمثل محاولة جديدة وجادة للخروج بالعلاقات المصرية الجزائرية إلي آفاق رحبة جديدة هي جديرة بها وتتواءم مع تطلعات الشعبين في التنمية والتقدم وتشكل توظيفا أمثل لتكامل الموارد والأنشطة الاقتصادية بينهما وتحقق درجة متقدمة من التشاور والتنسيق السياسي وتعكس الموروث الديني والقومي والثقافي المشترك وتعظم من معدلات التبادل الإنساني, خاصة الشبابي, وأيضا الفني والرياضي, يما يوجد الفرص ويتجاوز التحديات بما يبني قاعدة حقيقية من المصالح ويعزز الوعي بالتاريخ والمصير المشترك ويصب لصالح الوطن العربي والأمة الإسلامية وإفريقيا وببلدان الجنوب. المزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر