أفتي علماء الدين بحرمة حصول المسئولين علي هدايا من المؤسسات أو الأفراد أيا كانت قيمتها المالية, مؤكدين أنها رشوة حرمتها وجرمتها الشريعة الإسلامية. وبين علماء الدين فساد الاستدلال علي جواز تلقي الهدايا بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم تهادوا تحابوا, لأن الهدية علي عهد الرسول كانت خالصة ليس لها أهداف أو مصلحة شخصية, وأنها في العصر الحالي رشوة تقدم للحصول علي منفعة, كما أن الهدية لا تكون بين رئيس ومرءوس, إنما تكون بين الأخوة والأقارب والأصدقاء دون النظر لأية منفعة, وحذر العلماء من الدعوات التي تطالب بوضع قانون يسمح للمسئولين بقبول الهدايا علي أن يكون هناك حدا أقصي لقيمة هذه الهدية, مؤكدين أن هذا التشريع من شأنه فتح باب الفساد ونشر الفوضي في المجتمع ويحرم أصحاب الكفاءات من الحصول علي حقهم. وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه جامعة الأزهر أن ما من عمل يتبوؤه المرء إلا وتنشأ عنه له حقوق, ويفرض عليه واجبات, واستغلال المرء لموقعه من وظيفته تجاوز للحقوق التي يخولها عمله له, إذ أنه باستغلاله لموقعه في عمله قد سعي للحصول علي ما ليس من حقه, سواء كان نفوذا أو مالا أو منفعة, وهو في نفس الوقت قد تنصل مما يفرضه عليه العمل من واجبات, وأخذ الإنسان ما لا يستحقه وتقصيره في الواجبات التي رتبتها وظيفته عليه, مما حرمته الشريعة الإسلامية. وأكد الدكتور إدريس أن استغلال المرء نفوذا ليس له هو من قبيل التدليس والكذب والتزوير, وكل ذلك محرم, فإذا كان للحصول علي المال أو المنفعة فإن ما يحصل عليه من ذلك محرم, لأنه رشوة وهي محرمة, وتقصيره في واجبات العمل تقصير فيما أوجبه الشارع عليه, فيكون آثما بذلك, ولا يحل له أخذ الأجر لقاء ما قصر فيه, لأنه لم يؤده علي الوجه المشروع, وتشهد نصوص الشرع بحرمة هذا الاستغلال, ومن ذلك ما روي أن الرسول صلي الله عليه وسلم استعمل رجلا لجمع الصدقة فلما قدم الرجل قال: هذا لكم وهذا أهدي لي, فخطب الرسول صلي الله عليه وسلم علي المنبر وقال ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي, أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتي ينظر أيهدي إليه أم لا, والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله علي عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة يعار, ثم رفع يديه حتي رأينا عفرتي إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت مرتين, ومعني الرغاء والخوار واليعار صوت هذه الدواب, وهذا الوعيد دليل علي حرمة استغلال الموظف وظيفته في جني المنافع الخاصة مادية كانت أو معنوية, والتي تمتلئ كتب السير والتاريخ بوقائع عن نهج السلف في تورعهم عن استغلال الوظيفة العامة في مصالحهم الخاصة. من جانبه حذر الشيخ عبد الحميد الأطرش, رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الأسبق, من الدعوات التي تطالب بسن قوانين تسمح بتلقي المسئولين هدايا يكون لها حد أقصي, لأن هذا محرم وسيفتح الباب لإفساد المجتمع ولضياع الحقوق, كما طالب بنشر ثقافة وقيم العمل والاجتهاد والقضاء علي الفوضي والمحسوبية, وبعد الثورة التي قضت علي الظلم والفساد, وأشار إلي أن البعض يفهم الحديث الشريف تهادوا تحابوا بطريقة خاطئة للحصول علي الرشاوي, وهؤلاء ضعاف النفوس يسعون لتبرير أخطائهم ويقلبون الأمور, لأن المقصود بالحديث أن تنتشر المودة بين الأهل والأقارب والجيران وأن تكون هذه الهدايا متبادلة دون منفعة, ولا يقصد بها الحصول علي مصالح شخصية, ومعني هذا الحديث لا ينطبق علي الهدايا التي يحصل عليها المسئولون من الجهات والمؤسسات والأفراد بهدف كسب رضاهم. وأضاف الشيخ عبد الحميد الأطرش قائلا: إن حصول المسئولين علي أي هدايا من الجهات الرسمية أو الخاصة أو الأفراد يعد رشوة وإفسادا في المجتمع, والنبي صلي الله عليه وسلم قال: الراشي والمرتشي في النار, وهذا يؤكد أن حصول المسئولين علي أي أموال أو هدايا يخالف تعاليم الشريعة الإسلامية التي أمرت المسلم أن يسعي لكسب الرزق الحلال متوكلا علي الله عز وجل, وأن يبذل كل ما في وسعه ويجد ويجتهد ولا يعصي الله بأن يتقرب لمسئول ويسعي لكسب رضاه من خلال تقديم هدايا أو أموال وغير ذلك, وطالب من هم في موقع المسئولية أن يتقوا الله ولا يفرقوا بين الناس وأن يقيموا العدل بين كل مرؤوسيهم والمتعاملين معهم.