تسابق الشباب بخفة فيها بعض نزق وخفة ظل علي صفحات التواصل الإجتماعي لنشر صورة مفبركة( فوتوشوب) للرئيس مرسي وبعض قيادات الإخوان المسلمين بالزي العسكري بوصفهم قادة حرب أكتوبر, بعد أن نشرت إحدي الهيئات الحكومية تهنئة للرئيس بمناسبة ذكري أكتوبر ووصفته بأنه قائد حرب العبور!!!.. وفي موكب مهيب اخترقت سيارة الرئيس المكشوفة ساحة استاد القاهرة بين هتافات وصيحات من جماهير الإخوان التي احتلت مساحة كبيرة من المدرجات, مما أعاد للآذهان صورة أصبحت الآن قديمة لجماهير كرة القدم وهم يهتفون: مورسييييي.. مورسيييي.. هه.. هه, مثلما كانوا يهتفون في زمن غابر: تريكه.. تريكه.. ولكن الرئيس لم يكن يرتدي زيا رياضيا, وإن كان قد تخلي عن ربطة العنق ليبدو رياضيا وشعبيا ومنفتحا.. استطال خطاب الرئيس المرتجل الذي قاطعته صيحات وتصفيق الجماهير, وانتقل الرئيس من موضوع إلي آخر دون تردد أو تلعثم بما يؤكد قدراته الخطابية المتميزة.. ولكن.. ولكن.. المناسبة كانت مرور39 عاما علي واحدة من أكبر المعارك العسكرية التي خاضها شعب مصر, بينما كان هم الرئيس وتركيزه الرئيسي علي الدفاع عن إنجازاته خلال مائة يوم.. اختفي من المشهد الرجال الذين خاضوا هذه الحرب, أو من تبقي منهم علي قيد الحياة, بل اختفت اسماء من أسهموا بنصيب كبير في تحقيق النصر.. ناصر, السادات, مبارك, احمد اسماعيل, الشاذلي.. وغيرهم.. كان الرئيس يبدو متعجلا في تهنئة الشعب علي المناسبة كي يفرغ للدفاع عن إنجازاته, وذلك مفهوم بل ومشروع, علي ضوء الظرف الإستثنائي الذي تمر به مصر.. ومع ذلك فهل كان يضير الرئيس أن ينسب الفضل لأصحابه؟.. إن قادة ورجال القوات المسلحة الذين خاضوا هذه الحرب تحت ظروف مستحيلة وتمكنوا من تحقيق إنجاز غير مسبوق يتم تدريسه الآن في المعاهد العسكرية, يشعرون أن خصومة الأخوان مع عبد الناصر قد انعكست علي مضمون الخطاب حيث نسبت الإنتصارات إلي المبني للمجهول.. ولا تثريب علي الأخوان إذا بلغت كراهيتهم لعبد الناصر إلي درجة محاولة إزالة سيرته, فقد كان نظامه هو الذي طاردهم وزج بهم في السجون والمعتقلات وسامهم التعذيب والذل والهوان, ولكن.. ولكن.. ألم يقرأ الأخوان الآية الكريمة: ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا, اعدلوا هو اقرب للتقوي.. ليس هذا محل فحص وتمحيص ما دار في زمن عبدالناصر مع الأخوان, أو أسبابه ونتائجه, ولكن من المهم أن ينتبه القادة إلي أن أمة بلا ماض هي أمة لا مستقبل لها, وأن العادة الفرعونية في إزالة انتصارات الفرعون الميت من علي المسلات لن تنجح في عصر الحاسوب والإنترنت حيث يمكن بلمسة واحدة استرجاع آلاف الوثائق والصور.. وقد قيل كثيرا عن ذلك الشيخ الجليل الذي سجد لله شاكرا أنه أصاب مصر بالنكسة, وعن أولئك الذين احتفلوا بالهزيمة لأنها كسرت عبد الناصر.. أي أنه بينما كانت آلاف الجثث الطاهرة لأبناء مصر متناثرة في صحراء سيناء, وبينما كان الحزن يخيم كئيبا علي كل بيت في مصر, كانت هناك إحتفالات في إسرائيل وفي بعض منازل الشيوخ من معارضي عبد الناصر!!.. من المؤكد أن حناجر الجنود قد زأرت بإسم الله وهي تعبر حاجز الخوف والرعب هاتفة: الله أكبر, ومن المؤكد أيضا أن الأخوان المسلمون لم يكونوا هناك.. لقد تحقق النصر لشعب مصر كله.. شبابه وشيوخه, رجاله ونساؤه, مسلموه ومسيحيوه.. وكان المشهد تلخيصا عبقريا لإرادة شعب عظيم اعتاد أن يصنع الحضارة رغم مروره بالعديد من فترات الهوان والإنحطاط.. حين دخل الرئيس في سيارته المكشوفة من بوابة الأستاد وسط صيحات الأخوان.. تذكرت مشهد الإمبراطور الروماني المنتصر فوق عجلته الحربية وهو يجتاز أقواس النصر في روما بين صيحات النصر, ويقف خلفه في العجلة الحربية رجل حكيم يهمس في أذنه: تذكر أنت لست إله.. وكعادتي في هذه المناسبة, تركت نفسي لذكريات الخنادق وسنين الصبر ولحظات العبور, وأنا أتذكر رفاق السلاح من الشهداء, والعدد القليل الذي لا يزال علي قيد الحياة حتي الآن, وجدت نفسي أتصل برفيق السلاح علي.. كنت أريد أن اتذاكر معه بعض ذكرياتنا في القتال خلف خطوط العدو في تلك الأيام الرائعة, ولكنه تحدث معي عن همومه الشخصية, فالمعاش يكفيه بالكاد, وقد اضطر لبيع سيارته القديمة.. إلخ إلخ.. قاطعته كي أسأله عن رأيه في خطاب الرئيس بمناسبة ذكري العبور, كنت أريد أن أسمع منه كمقاتل كيف تناول هذا الخطاب تلك الذكري المتوهجة في نفوس المقاتلين, ولكنني فوجئت به يقول لي متأففا: الريس بيقولك أنه حل أزمة المواصلات والوقود ورغيف العيش والزبالة في ميت يوم.. بذمتك حد ها يصدقه ؟؟.. كان رفيق السلاح يتحدث عن تحديات المستقبل, بنفس الحماس الذي كنا نتحدث به قبل العبور, وكأنه استعاد شبابه القديم, لم يتوقف كثيرا أمام ذكري العبور, بل كان يري أنه كان علي الرئيس أن يصارح الشعب بحجم المشاكل الحقيقي ويقودهم في الطريق الصعب للتغلب علي هذه المشاكل, مثلما فعل عبد الناصر حين اعترف بالهزيمة وبدأ مع الشعب في إزالة آثار العدوان... سيدي الرئيس.. لابد من اجتياز اختبار المصداقية, وستجد أن هذا الشعب يمكنه العبور مرة أخري, فقد فعلها مرات عديدة في تاريخه. المزيد من مقالات السفير معصوم مرزوق