أحداث متعاقبة- سريعة و مثيرة- شهدتها مصر طوال الأيام الثلاثة الماضية, تفجرت عقب إعلان حكم محكمة جنايات القاهرة ببراءة جميع المتهمين فيما عرف إعلاميا ب' موقعة الجمل'!. وبالنسبة لي لم أستغرب كثيرا من الحكم; أولا لأن النهج الذي درجت عليه الثورة المصرية, في محاسبة رجال النظام السابق, لم يكن هو' العدالة الثورية', وإنما هو' العدالة القانونية', التي تحكمها فقط الأدلة المادية المباشرة, والتي لم تتوافر بما يقنع القاضي بإدانة المتهمين! ومع ذلك, فإن هناك آلية' الطعن' علي الحكم, التي ذكر أن النائب العام شرع فيها فعلا. ولكن' الشظايا' التي أحدثها هذا الحكم, مالبثت أن تناثرت في كل اتجاه! فمن ناحية, بادر الرئيس مرسي باصدار قرار بتعيين النائب العام, المستشار عبد المجيد محمود, سفيرا لمصر في الفاتيكان(!) وهو ماينطوي علي حيلة سياسية لإقالة النائب العام الذي هو جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية. وكان من المنطقي جدا أن ينظر للقرار علي أنه اعتداء علي السلطة القضائية, وانتهاك لمبدأ الفصل بين السلطات. ولا شك أن هبة رجال القضاء ورفضهم لذلك الإجراء, ثم عدول رئيس الجمهورية عن قراره, يمثل مظهرا مشرفا لمصر, ولقضاتها, ولنظامها السياسي. أما المشهد, علي الجانب الآخر, الجماهيري والشعبي, فكان صاخبا و مثيرا! فحكم البراءة, مع أمور أخري كثيرة, دعت للتنادي للنزول للميدان, حيث كانت اربعة و عشرون حزبا و حركة سياسية قد سبق أن توافقوا علي النزول في'جمعة المحاسبة' للوقوف علي ما تحقق من برنامج المائة يوم, والمطالبة بدستور توافقي, وتحقيق العدالة الاجتماعية, بالإضافة للدعوة إلي إعادة محاكمة رموز النظام السابق!. غير أن الإخوان المسلمين كان لهم رأي وموقف مختلف, فالدكتور عصام العريان, المرشح لرئاسة' الحرية و العدالة', لم يعترض فقط علي فكرة محاسبة الرئيس علي فترة المائة يوم, لأنها' فترة يتعرف فيها الرئيس علي الملفات المختلفة', ولكنه أيضا أطلق نداء, إلي شباب الإخوان يدعوهم فيه للنزول إلي الميدان, و'التحلي بأخلاق الاخوان'! ولكن ماجري بالفعل في الميدان, وما شاهده الملايين علي معظم القنوات الفضائية, كان أمرا مؤسفا ومشينا, واقصد بالتحديد ذلك المشهد الذي صعد فيه الي المنصة عدد من البلطجية الذين أخذوا بكل عنف ووحشية يحطمون المنصة التي كان ممثلو' القوي المدنية' ينصبونها في الميدان, ولا يخطيء المشهد في إبراز أن أولئك الذين حطموا المنصة كانوا من الإخوان, الذين أحاطوا بالمنصة ثم بحطامها, مرددين' حرية, عدالة, مرسي وراه رجاله!'. لقد أنكر د. العريان مسئولية الإخوان عن تلك الفعلة, برغم أن المشهد' يقطع قول كل خطيب',كما يقول المثل,ومع ذلك وإذا أراد الإخوان تبرئة ساحتهم فإن عليهم, بصفتهم الحزب الحاكم والمسؤول عن البلد, إجراء تحقيق في تلك المهزلة التي تمت علي مرأي ومسمع من الملايين.ومن جانبي, فإنني- من خلال هذا المنبر- أقدم بلاغا وطلبا للنائب العام لفتح تحقيق في تلك الواقعة التي انطوت علي أعمال للبلطجة والتخريب, فضلا عن الإنتهاك الجسيم لحرية التعبير التي كانت, وينبغي أن تظل في مقدمة مكتسبات ثورة يناير العظيمة! المزيد من أعمدة د.أسامة الغزالى حرب