أقوال بريطانيا تدعو لنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مع مصر. وأفعالها تحاول ترجمة الأقوال. أحوال سيناء هي أحد أهم الأهداف الآن. لكنها ليست هدف بريطانيا الوحيد. فهاجس الأمن في عموم مصر هو علي رأس أولويات سياسة بريطانيا تجاه مصر بعد الثورة. وعندما التقيا لأول مرة علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيرا, اتفق الرئيس محمد مرسي برئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون, علي زيارة رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال سير ديفيد ريتشاردز لمصر قبل نهاية العام. والهدف المعلن هو استكشاف امكانية مساعدة بريطانيا في حفظ الأمن في سيناء. المهمة, علي الأرجح, أكبر من الهدف المعلن. فمعلومات االأهرامب تؤكد أن ريتشاردز سيحمل تصورا بريطانيا اشمل يتعلق باعادة هيكلة أجهزة الأمن والجيش في مصر. وهدف التصور هو تحقيق الاستقرار في مصر. لم يعلق متحدث باسم الخارجية البريطانية علي هذه المعلومات. غير أنه قال من المؤكد أن بريطانيا حريصة علي تقديم اية مساعدة أمنية يمكن لمصر أن تحتاجها.. ولايزال البحث جار في الأمر. وأضاف من الطبيعي ألا يقتصر الأمر علي سيناء. وفق الخطة البريطانية, سوف يرافق الجنرال البريطاني وفد خبراء عسكريين وميدانيين في شئون تحقيق الاستقرار.. باسم فريق الاستقرار في مصر و عدد من خبراء وزارة التنمية الدولية البريطانية. لماذا اختير رئيس الأركان لهذه المهمة رغم انشغالاته الكثيرة الضاغطة؟ الجنرال ريتشاردز كان قائدا لقوات المساعدة والاستقرار التابعة لحلف شمال الأطلنطي زالناتوس في أفغانستان وأشرف شخصيا علي خطة انتشار القوات في شمال وجنوب افغانستان. وكان أيضا قائدا لقوات الانتشارالسريعة التابعة لقوات الناتو المتحالفة. وقد انتقل مقر قيادة هذه القوات من ألمانيا إلي بريطانيا, وهي التي وضعت إطار هذه القوة عام1991 بعد انتهاء الحرب الباردة, في عام.2010 ولقيادة هذه القوة, التي تشارك فيها14 دولة, القدرة علي تنفيذ عمليات انتشار سريعة في فترة تتراوح بين5 و30 يوما. اتفاق مرسي كامرون هو ترجمة لما قاله ويليام هيج وزير الخارجية البريطاني أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم( البرلمان) البريطاني في أواسط شهر سبتمبر الماضي حول الأمن في مصر. فعندما سئل عن مباحثاته أوائل الشهر مع الرئيس مرسي في القاهرة, قال إنها تناولت مسألة الأمن بالغة الاهمية في سيناء.وأضاف نحن مستعدون للعمل مع مصر بأي طريقة بمقدرونا أن نساعد بها بخبرتنا في كيفية التعامل مع مثل هذه القضايا الأمنية الداخليةس. فكلامه لم يقتصر علي قضية الأمن في سيناء. وبعد ثلاثة ايام فقط, وقع حادث تبادل إطلاق النار بين مسلحين والجيش الإسرائيلي عبر الحدود, وقتل جندي إسرائيلي. وهرع وزير شئون الشرق الاوسط في الحكومة البريطانية أليستر بيرت يقول الحادث يؤكد ضرورة التعاون بين مصر وإسرائيل لمكافحة الإرهاب. التصور البريطاني بشأن تقديم العون الفني والامني والعسكري, وإعادة هيكلة أجهزة الأمن, وتطوير دور الجيش في المستقبل, ودور خبراء وزارة التنموية الدولية البريطانية لمصر, هو نسخة مصغرة من الخطة الأمنية البريطانية في اليمن, الذي تعتبره الحكومة البريطانية دولة فاشلة, خاصة في مجال الأمن. فرغم أن بريطانيا تعتبر وضع مصر مختلفا عن ظروف اليمن, فإن النشاط المسلح ذا الطابع الإسلامي المتشدد في سيناء أخيرا, والربط أحيانا بينه وبين تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية, يقلق بريطانيا, ويذكرها بالتهديدات التي يشكلها الامن في اليمن لمصالحها. وجاء التعامل البريطاني مع الوضع في مصر مشابها. فمن منظور السياسة البريطانية, تمر مصر بفترة انتقال سياسي حاسمة مثل اليمن, واستحقت التغييرات التي أجراها الرئيس مرسي في الجيش مساندة بريطانية مماثلة كتلك التي تمتعت بها قرارات الرئيس اليمني عبد ربه منصور تجاه المؤسسات الأمنية والعسكرية. والوضع في اليمن يهدد مصالح بريطانيا الاستراتيجية وعلي رأسها منابع البترول في منطقة الخليج, وطرق الملاحة في بحر عدن ومدخل البحر الأحمر, وتصدير الإرهاب( ولذا فإن البريطانيين يشرفون علي إجراءات الأمن في مطار صنعاء الدولي). وفي مصر, تخشي بريطانيا من أنشطة محتملة للقاعدة والتنظيمات الإسلامية الجهادية واحتمال أن تجذب هذه التنظيمات مسلمين بريطانيين أوتحيي علاقاتها مع جهاديين سابقين مقيمين في بريطانيا. وهذا ما عبر عنه في شهر يونيوالماضي جوناثان أيفانز رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني, إم آي5, وفي ظهور علني نادر, قائلا إن ثورات الربيع العربي منها الثورة المصرية, توفر مناخا مواتيا للقاعدة وجاذبا للجهاديين البريطانيينس ما يشكل تهديدا أمنيا لبريطانيا. اقتصاديا, تخشي بريطانيا علي مصالح مؤسساتها المتمثلة في استثماراتها ومشروعات مؤسستي بريتش جاز وبريتش بتروليم في مصر( المؤسستان مسئولتان عن اكثر من60 في المائة من انتاج مصر من الغاز والبترول وهما أكبر مستثمر أجنبي في مصر) ومؤسسة فودافون البريطانية التي تملك55 في المائة من أسهم فودافون مصر. وتقول أحدث دراسة لمؤسسة الأيكونوميست إن المخاطر الأمنية مصدر قلق للمسئولين التنفيذيين للشركات الكبري العاملة أو الراغبة للعمل في مصر. وتعبر بريطانيا دائما عن قلقها علي أمن إسرائيل من الانشطة الجارية في سيناء. وفي أحدث دراسة أعدت للمعهد الدولي للشئون الدولية البريطاني, أثيرت تحذيرات صريحة من تآكل المنطقة العازلة في سيناء بين مصر وإسرائيل. كما تخشي بريطانيا علي حركة الملاحة الدولية في قناة السويس. وكما يفعل البريطانيون في اليمن الآن, تسعي خطة الجنرال ريتشاردز للمساعدة الأمنية في مصر لتطبيق استراتيجية بريطانيا القائمة علي: منع انضمام المزيد من الأشخاص للتطرف لأسباب اجتماعية واقتصادية عن طريق إنشاء مشروعات مجتمعية وتنموية توفر احتياجات الشباب. وملاحقة الشبكات الإرهابية المحتملة بالتعاون من الشركاء والحلفاء. وحماية المطارات والموانئ ومشروعات البترول والغازعن طريق تطوير القدرات الأمنية لحكومات الدول الصديقة والحليفة. وتعزيز استعدادات هذا الحكومات للتعامل مع التهديدات الإرهابية.